التربة في القرآن الكريم (2)
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
التربة في القرآن الكريم (2)ح- تأثير ماء المطر على التربة:
من الطبيعي أن يتسرب ماء المطر في التربة متجهًا إلى أسفل، إلا أن هناك عوامل تسحبه ليعود إلى أعلى؛ حيث تمتص جذور النباتات ماء التربة باتجاه السطح، كما أن الماء يتبخر بالقرب من السطح، هذا بالإضافة إلى أن الماء يتجاذب كهربيًّا إلى جسيمات التربة، ويسحب الماء لأعلى بواسطة الخاصية الشعرية (Capillary action) إذا كانت فراغات التربة دقيقة، وفي أثناء وابل المطر أو العواصف الممطر، يخترق الماء نطاق التربة (A) مذيبًا الأيونات القابلة للذوبان؛ مثل: أيونات الكالسيوم والمغنسيوم، والبوتاسيوم والصوديوم، وفي المناطق القارية وشبه القارية، حينما يصل الماء إلى النطاق(B) يسحب الماء عائدًا لأعلى بواسطة الخاصية الشعرية وجذور النباتات، وبعيدًا عن التفصيلات، تنشأ أنواع مختلفة من التربة من هطول الأمطار في المناطق المختلفة مناخيًّا.
خ- اهتزاز التربة ورباؤها:
يقول تعالى: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
﴿ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].
﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].
تتكون التربة من خليط من حبيبات معدنية، ومادة عضوية، وماء، وغاز، وقد يندهش المرء أن كيلو الجرام الواحد من التربة الخصبة يحتوي على حوالى 30% بالوزن من المادة العضوية، وتضم تلك المادة العضوية ما يقارب 2 تريليون بكتريا، و400 مليون فطر، و50 مليون طحلب، و30 مليون كائن أولى، بالإضافة إلى آلاف من الكائنات الكبيرة؛ من مثل: الحشرات والديدان وغيرهما، وحينما ينزل الماء على الأرض الهامدة تهتز مكونات التربة، وتنمو وتربو كما أشارت الآيات القرآنية السابقة، هذا ما اكتشفه العلم الحديث.
فما هي الأسباب التي تجعل الأرض الهامدة الميتة تهتز وتنمو وتربو حينما ينزل عليها الماء؟ الإجابة نوردها في النقاط التالية:
1- حينما يصف القرآن الأرض بأنها هامدة وأنها خاشعة، ويجعل الماء سببًا لاهتزازها وربائها وإنباتها؛ فإنما يعني ذلك أمرين: أولهما أن عناصر الحياة من كائنات، إنما توجد في حالة كمون وبيات بسبب غياب الماء، وثانيهما أن المادة غير العضوية وعضوية قد استودع فيها من الأسرار ما تجعلها ساكنة في غياب الماء، أما حينما يصف القرآن الأرض بالميتة، فيشير ذلك إلى عدم وجود حياة لغياب الماء الذي هو أساس الحياة، فإذا نزل الماء أتت الأحياء واستعمرت تلك الأرض.
2- ما ذكر سابقًا عن أعداد الكائنات الحية المقدرة بالملايين المملينة يسبب اهتزاز التربة من جراء ممارسة تلك الكائنات لأوجه نشاطات حياتها حينما ينزل الماء على الأرض.
3- تعمل معادن الطين في التربة كما ذكرنا من قبلُ على الإمساك بالماء، وعلى إتمام عملية التمثيل الغذائي للنبات، وتوجد تلك المعادن على هيئة ألواح لا ترى بالعين المجردة، ونظرًا لعملية الإحلال الأيوني في داخل تلك الألواح؛ فإن أغلب معادن الطين تمتلك شِحنة كهربائية سالبة على الأوجه المسطحة لتلك الألواح، وتعمل تلك الشِّحنة على جذب أيونات الماء والمواد الغذائية إلى معادن الطين، ومن ثم تحدث الحركة داخل التربة عند نزول الماء عليها.
إن جزيء الماء المكون من ذرتين من الأيدروجين وذرة أكسجين، متعادل في شحنته، وله نهاية موجبة وأخرى سالبة، وهنا تقوم الشحنة السالبة الموجودة على الأوجه المسطحة لمعدن الطين بجذب النهايات الموجبة لجزيئات رقائق الطين، فيمسك الطين الماء بطريقة سلسة تُمكنه من الصعود لأعلى عبر جذور النباتات.
وتُمسك معادن الطين أيضًا أيونات الكالسيوم والبوتاسيوم التي يتغذى عليها النبات، وتأتي تلك الأيونات غالبًا من معادن ناتجة عن تجوية الصخور؛ مثل: معادن الفلسبار، كما أن جذور النباتات قادرة على إطلاق أيونات الأيدروجين من الأحماض العضوية التي تتبادل مع أيونات الكالسيوم والبوتاسيوم التي يحتاجها النبات؛ لينمو نموًّا صحيًّا، ومن روعة القرآن أن تستوعب كلمتا ﴿ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴾ كل تلك الحركات التي تحدث في التربة عند نزول الماء عليها.
4- تهتز الأرض اهتزازًا حقيقيًّا من نتيجة التأثير المباشر لماء المطر على حبيبات التربة، ويذكر الدكتور (قطب فرغلي) سببين لتفسير ذلك الاهتزاز:
أ- يسبب ظهور الشِّحنة الكهربائية على سطوح الحبيبات عدم استقرار تلك الحبيبات، وحدوث حركات اهتزازية لا يمكن سكونها وثباتها إلا بعد تعادُل هذه الشِّحنات بأخرى مخالفة لها في الشِّحنات؛ حيث يتم تلاقحها على سطح الحبيبة، فتستقر وتَسكُن.
ب- حدوث حركات واهتزازات لجزيئات التربة (الغروية)، نتيجة دفع الدقائق الطينية بجزيئات الوسط السائل (الماء)، ولَمَّا كانت حركة جزيئات السائل ليس لها اتجاه محدد، فإن الدقيقة الغروية (حبيبة الطين) تهتز وتتحرك من مكانها، نتيجة لما تتعرض له من ضربات غير متساوية على جوانبها المختلفة، وقد لاحظ العالم روبرت براون (1828م) هذه الحركة للدقائق الغروية، وأطلق عليها اسم الحركة البراونية.(Brawnion) وتختلف شدة الاهتزازات باختلاف شدة وامتداد المطر، وسرعة قطراته واتجاه سقوطها، ونمط التذبذب في المطر، وفترات إعادة حدوثه وعوامل أخرى.
5- تربو الأرض حقيقة وتنفتح كما أسلفنا من قبل نتيجة لوجود الطين القابل للانتفاش (Swelling Clay) خاصة معدن المونتمورللينيت، كما أن بنية معادن الطين تتكون من راقات (ألواح) متراصة من السيليكا والألومنيوم، بين كل طبقة وأخرى مسافة بينية تتيح لجزيئات الماء، وأيونات العناصر الذائبة فُرَصَ الدخول فيها، فتكبر أحجام الحُبيبات عند اختلاط الماء بالتربة.
6- تهتز حبيبات التربة اهتزازًا لحظيًّا نتيجة عملية الإنبات؛ حيث تدفع الريشة والسويقة الحبيبات لأعلى، بينما يدفع الجذير الحبيبات لأسفل.
3- تقسيمات التربة بين القرآن والعلم:
منذ ستة 1960م قام العلماء الأمريكان بتقسيم التربة إلى عشر مجموعات كبيرة أسموها رتب التربة، وتضم كل رتبة منها تقسيمات أخرى، حتى وصل عدد أنواع التربة إلى 12000 نوع، وهذا في حد ذاته يدعونا إلى إشارة القرآن إلى ذلك التنوع قبل أن يجحده العلم الحديث، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
ومن عجيب القرآن أن نجد اتفاقًا بين الكثير من تلك الرتب ومسميات القرآن للتربة على النحو التالي:
رتبة
التسمية
الخواص
الآية
I
التربة الحديثة (Entisols)
تربة تفتقد النطاقات
﴿ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾ [البقرة: 264]
II
التربة المبتدئة (Inceptisols)
تربة حديثة جدًّا، نطقها ضعيفة، عادة رطبة.
﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17].
III
تربة مسربة
(Pedalfers) (Alfisols)
تربة ذات نطاق سطحي رمادي إلى بني، ويتجمع الطين في النطاق تحت السطح، أيونات التغذية بالتربة عالية إلى متوسطة، عادة رطبة كما في غابات المناطق الرطبة.
﴿ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ﴾ [البقرة: 265].
IV
تربة الرماد
(Ashy Soils) (Spodosols)
تربة حمضية، أيونات التغذية منخفضة، تتجمع المادة العضوية ومركبات الألومنيوم والحديد تخت السطح، يتكون الفحم وغابات المناطق الرطبة
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 80]
V
التربة الرخوة
(Mollisols) (Soft Soils)
النطاق السطحي أسود تقريبًا غني بالمادة العضوية وأيونات التغذية، تربة شبه رطبة، حشائش مناطق شبه قارية.
VI
التربة العضوية
(Histosols)
تربة عضوية رطبة مثل تربة الخث (Peat) في البرك والمستنقعات.
﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى: 4، 5].
VII
التربة القارية (Aridsols)
تربة صحراوية جافة، مادتها العضوية منخفضة، تحوي نطاقات من الكربونات.
﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾ [يس: 33].
VIII
التربة الرابية (Inverted Soils) (Vertisohs)
تربة تربو منتفشة إذا صارت رطبة وتتشقق إذا أصابها الجفاف
﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].
IX
تربة الأكاسيد
(Oxisols) (Oxide Soils)
تربة تتعرض لتجوية كثيفة، فقيرة في أيونات التغذية، غنية بأكاسيد الألومنيوم والحديد، استوائية، عادة مبللة.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27].
X
تربة منتهية
(Ultisols) (Ultimate Soils)
تربة تتعرض للتجوية القوية، أيونات التغذية منخفضة، يتجمع الطين تحت السطح، عادة ندية
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].
والله وحده هو القادر على خلق الأرض وتربتها، وهو وحده القادر على إنزال الماء من السماء؛ ليحيي به الأرض بعد موتها، وهو سبحانه الذي يفلق الحب والنوى، فيخرج به أزواجًا من نبات شتَّى تبهج العين وتسر القلب، والبشر لا يملكون ذرة من ذرات الماء، ولا يقدرون على خلق مكونات التربة، وليس في مقدور البشر إنشاء ولا تسيير العمليات التي تكون التربة من رياح وأمطار وأنهار وغيرها؛ يقول تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ [الواقعة: 63، 64]، وفي التراب أسرار، منه خُلِق الإنسان وإليه يصير، وكل الكائنات بعد موتها تتحلل وتصير ترابًا يدخل في دورة الصخور متحولاً من راسب إلى صخر، ومن صخر إلى آخر، ويعلم الله مسار كل حبة من حبات التراب ومستقرها أينما كانت، وكل ذلك مسجل في كتاب عند ربي؛ يقول تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الأنعام: 59].