شهر شعبان: فضله وأهميته
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
شهر شعبانفضله وأهميته
الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبه ومن والاه.
وبعدُ:
فقد كان النَّاس في الجاهليَّة يفضِّلون ويعظِّمون شهرَ رجب على سائر أشهر السَّنة، والمسلمون يفضِّلون ويعظمون شهرَ رمضان المبارك، والنَّبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا فضلَ شهر شعبان:
فعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لم أَركَ تصوم شهرًا مِن الشهور ما تصوم في شَعبان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ذلك شهرٌ يَغفُل النَّاسُ عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمالُ إلى الله تعالى؛ فأُحِبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم))؛ رواه النسائي 4/ 201.
وبالفعل كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يصومُ شعبان إلاَّ قليلاً، كما أخبرَتْ عنه السيدةُ عائشة رضي الله عنها في الحديث المتَّفق على صحَّته إِذ قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ حتى نقول: لا يفطِر، ويفطِر حتى نقول: لا يَصوم، وما رأيتُ رسولَ الله استكملَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلاَّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان".
ولا بدَّ من وجود أمرٍ مهمٍّ وراء هذا التخصيص مِن الصيام في مثلِ هذا الشهر؛ وهذا ما نبَّه عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إنَّه شهرٌ تُرفع فيه الأعمالُ إلى الله تعالى))، فإذًا أعمالُ العباد تُرفع في هذا الشَّهرِ من كلِّ عام، وتُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس مِن كلِّ أسبوع، فأحَبَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تُرفع أعمالُه إلى ربِّ العالمين وهو صائم؛ لأنَّ الصيامَ مِن الصبر والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
وفي هذا الشَّهر ليلةٌ مباركة هي ليلةُ النِّصف من شعبان، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شَأْنها: ((إنَّ الله لَيطَّلِعُ في ليلةِ النِّصف مِن شعبان، فيَغْفر لجميعِ خلقِه إلاَّ لمشركٍ أو مُشاحن))؛ رواه ابن ماجه 445/ 1، وابن حبان في صحيحه 48/ 17.
وفي شعبان تمَّ تحويلُ القبلة، وهو حدَثٌ عَظيم في تاريخ الأمَّة الإسلاميَّة؛ حيث كان تحويل القِبلة في البَدْء من الكعبة إلى بيت المقدس لحكمةٍ تربوية؛ وهي العمل على تقويةِ إيمان المؤمنين وتنقِية النُّفوس من شوائب الجاهلية: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143].
وبعد أن استتبَّ الأمرُ لدولةِ الإسلام في المدينة صدر الأمرُ الإلهِي الكريمُ بالاتِّجاه إلى المسجد الحرام؛ ليس تقليلاً مِن شَأن المسجد الأقصى ولا تنزيلاً من شأنه، لكنْ ربطًا لقلوب المسلمين بحقيقةٍ أخرى هي حقيقةُ الإسلام؛ حيث رفَع سيِّدنا إبراهيم وسيدُنا إسماعيل قواعدَ هذا البيت العتيق ليكون خالصًا لله، وليكون قبلةً للإسلام والمسلمين، وليؤكِّد أنَّ دين الأنبياء جميعًا هو الإسلام: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج: 78].
وقد كرَّم الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في هذه اللَّيلة بأن طيَّب خاطرَه بتحويل القِبلة والاستجابة لهوى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144].
فشهر شَعبان شهرٌ عظيم، عظَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فحريٌّ بِنا أن نعظِّمه، وأن نكثر مِن العبادة والاستغفار فيه تمامًا كما جاء وصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك.