أرشيف المقالات

فوائد من قوله تعالى : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى }

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
فوائد من قوله تعالى
﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فقد كان الكلام في الكلمة السابقة عن الآيات التي تتحدث عن خروج النبي صلى اللهُ عليه وسلم وأصحابه إلى بدر، ولا زال الحديث موصولاً في ذلك، قال تعالى: ﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم * إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُور ﴾ [الأنفال: 42-44].
 
من فوائد الآيات السابقة:
الفائدة الأولى: قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ العدوة هي: طرف الوادي، والركب المراد به عير أبي سفيان، وهذا التصوير البليغ له من الفوائد:
أ- بيان الحال لمن بعد، ولم يستطع الوقوف على موقع المعركة، فهذا الوصف العجيب يجعله كأنه يرى ويُشاهد.
 
ب- قوله تعالى: ﴿ الدُّنْيَا ﴾ أي الأقرب إلى المدينة، و﴿ الْقُصْوَى ﴾ أي الأبعد بالنسبة للمدينة، وبالتالي فهي الأقرب إلى مكة، والمعنى أن كل فريق يستطيع العودة إلى بلده، ليس بينه وبينها حائل يمنعه، ومع ذلك نفذت مشيئة الله بالتقاء الفريقين: ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون ﴾.
 
الفائدة الثانية: قوله: ﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾، قال الرازي: "لا شك أن عسكر الرسول صلى اللهُ عليه وسلم في أول الأمر كانوا في غاية الخوف، والضعف؛ بسبب القلة، وعدم الأهبة، ونزلوا بعيدين عن الماء، وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضاً رملية تغوص فيها أرجلهم، وأما الكفار فكانوا في غاية القوة؛ بسبب الكثرة في العدد؛ وبسبب حصول الآلات، والأدوات؛ لأنهم كانوا قريبين من الماء؛ ولأن الأرض التي نزلوا فيها كانت صالحة للمشي، ولأن العير كانت خلف ظهورهم، وكانوا يتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة.
ثم إنه تعالى قلب القصة، وعكس القضية، وجعل الغلبة للمسلمين، والدمار على الكافرين، فصار ذلك من أعظم المعجزات، وأقوى البيانات على صدق محمد صلى اللهُ عليه وسلم فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر.
 
الفائدة الثالثة: قوله تعالى: ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن الذين هلكوا إنما هلكوا بعد مشاهدة هذه المعجزة، والمؤمنون الذين بقوا في الحياة شاهدوا هذه المعجزة القاهرة، والمراد من البينة هذه المعجزة"[1].
 
الفائدة الرابعة: قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾ يحتمل أن المراد بذلك الزمان، والمكان، ويحتمل أن المراد الزمان فقط، والثاني أرجح.
 
الفائدة الخامسة: قوله تعالى: ﴿ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾ فيه من الفوائد أن الله تعالى قدَّر الأشياء قبل وقوعها، وهو صريح قوله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ﴾ [الحديد: 22].
وهذه إحدى مراتب القدر التي يجب الإيمان بها.
 
الفائدة السادسة: أن الأخذ بالأسباب المشروعة أمر مشروع، كل بحسبه، فإن الرب جل وعلا مع علمه بما سيقع، لم يمنعهم من أخذ الأسباب التي يرونها.
 
الفائدة السابعة: قوله تعالى: ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾، أراد كأن يظهر بوقوع هذه المعركة على هذا النحو، أن محمداً وأصحابه على الحق، وأن عدوهم على الباطل؛ إقامةً للحجة، وقطعاً للأعذار.
 
الفائدة الثامنة: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ﴾ فيها:
أ- إثبات اسمين لله تعالى من أسمائه الحسنى التي يُدعى بها.
ب- أن هذين الاسمين الكريمين تضمنا صفتين عظيمتين، الأولى: السمع، الثانية: العلم.
 
الفائدة التاسعة: قوله تعالى: ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً ﴾ فيها من الفوائد:
أ- إن الرؤيا الصالحة من الله.
ب- رؤيا الأنبياء وحي من الله.
ج- إن رؤية النبي صلى اللهُ عليه وسلم لهم كانت في المنام لا في اليقظة[2].
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين



[1] التفسير الكبير للرازي (15/168).


[2] انظر: كتاب حدث غير مجرى التاريخ للمؤلف.
ص347-349.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢