أرشيف المقالات

حين تتغلب الإرادة على الإعاقة، الوادعي نموذجًا

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
من المسائل العقدية التي يؤمن بها أتباع الدين الخاتم أن الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان واختبار، وأن الآخرة هي دار القرار، فقد يبتلي الله تعالى بعض الناس في الدنيا بالمرض أو الفقر أو الحرمان من الولد ..
إلخ، بينما يمتحن آخرون بالصحة والعافية وكثرة المال والأولاد، فمن صبر على بلاء الله واحتسب، وشكر نعمة الله تعالى عليه واستخدمها في طاعته كان له من الله يوم القيامة الثواب والأجر العظيم.
 
وانطلاقًا مما سبق يستطيع القارئ فهم تلك القوة العجيبة التي مكنت الكثير من النماذج -التي رآها وشاهدها أو قرأ عنها- من الصبر والمصابرة والتكيف مع قضاء الله وقدره، وتحويل امتحان الله تعالى المتمثل بالإعاقة الجسدية إلى منحة، وعدم التوقف عن المثابرة والعمل والإنجاز رغم الصعوبات والمعوقات والتحديات.
وإذا كانت نماذج المتغلبين على صعوبات وتحديات الإعاقة الجسدية أكثر من أن تحصى، فإن النموذج الذي بين أيدينا قد يكون مختلفًا، فقد تغلب الشاب السعودي طارق الوادعي على إعاقته الجسدية انطلاقًا من إيمانه بقضاء الله تعالى وقدره، ويقينه بأن الله سيجزيه على صبره واحتسابه ما وعد به في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي قد يتغلب غيره على إعاقته انطلاقًا من مسلمات ومعتقدات أخرى لا صلة لها بالإيمان بالله وقضائه وقدره.
 
طارق الوادعي شاب سعودي في منتصف العقد الرابع من عمره، يعيش في قرية آل عائذ 11 كيلو عن محافظة سراة عبيدة جنوب المملكة السعودية، يعاني من إعاقة جسدية شديدة تتمثل في ضمور في العضلات وانحناء في العمود الفقري، وقدماه قطعة واحدة، ما يضطره للنوم على بطنه وصدره.
وعلى الرغم من تبعات الإعاقة وتحدياتها إلا أن "الوادعي" أصر بعزيمة وإرادة قوية مواصلة الحياة وصنع الإنجازات، فكان يتنقل زحفاً على بطنه وجنبيه، ويشرب بأسنانه ويأكل بفمه في مكان مرتفع قليلاً عن الأرض، ويستخدم الجوال ويستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي بالضغط على الحروف بأنفه ولسانه، ويتقن الحاسب الآلي، ويتواصل مع علماء الشريعة بالإنترنت..
ما مكنه من نيل بعض الشهادات من بعض علماء المملكة.
 
لم يكتف "الوادعي" بمجرد التكيف مع إعاقته للاستمرار في الحياة كأي إنسان عادي فحسب، بل دفعه إيمانه بالله وإرادته القوية إلى الإصرار على الإنجاز والعمل، فقرر حفظ كتاب الله تعالى كاملاً رغم صعوبات ذلك ومعوقاته.
بدأ رحلة كفاحه للانضمام إلى قائمة حفاظ الوحي وحملة كتاب الله بتحسين أدائه الصوتي، وقد استغرق هذا الأمر وحده عامًا كاملاً، ثم بدأ بحفظ القرآن بالتلقين خلف معلم ليتم حفظه بعد 4 أعوام، وقد حال قضاء الله وقدره من تحقيق حلمه في أن يصبح معلماً للقرآن الكريم، حيث توفي يوم الأحد الماضي في مسقط رأسه .
 
تحدث معلم الوداعي "خالد عدلان" عن الصعوبات التي واجهها الراحل لإتمام حفظ كتاب الله تعالى فقال: "كان يعاني من صعوبة في مخارج الحروف لأنه يتحدث وهو مستلق على بطنه، لكنه تمكن من التغلب على كل تلك المعوقات، وأتقن حفظ القرآن بل ودرس أسباب النزول وأتقن قواعد اللغة العربية والمعاني الأدبية والبلاغية في القرآن الكريم ".
 
وقد حظي الراحل في حياته باهتمام كبير من قبل جمعية تحفيظ القرآن الكريم (روح)، بمحافظة سراة عبيدة جنوبي المملكة، وفي يونيو/حزيران الماضي أنتجت الجمعية فيلمًا قصيرًا عن الوادعي بعنوان "رحلة كفاح"، احتفاء بحفظ القرآن الكريم كاملا بتقدير ممتاز رغم إعاقته الشديدة..
وهو ما يؤكد على أهمية اهتمام الجمعيات والمنظمات الأهلية في الدول العربية والإسلامية بذوي الاحتياجات الخاصة، ودورها الكبير في استثمار الطاقات والإمكانيات الهائلة في نفوس أمثال "الوادعي"، وتحويل ذوي الإعاقة من عبء على المجتمع إلى منتج وفاعل، بل وملهم لغيره من الأصحاء.
 
حظي خبر وفاة "الوداعي" باهتمام واسع على الصعيد المحلي السعودي والعربي والإسلامي، ونعى الكثير من العلماء والدعاة والناشطين الراحل على مواقع التواصل الاجتماعي، داعين له بالرحمة والمغفرة، وسائلين المولى لأسرته الصبر والسلوان.
 
وشارك الكثير على "تويتر" صورة "الوداعي" وهو يقرأ القرآن ويقلب صفحاته بأسنانه بسبب إعاقته، مؤكدين أن الوادعي نموذج يُحتذى به في الإصرار وقوة الإرادة وتحدي الظروف للوصول إلى الغاية والهدف في مرضاة الله تعالى، وذلك تحت وسم: #طارق_الوادعي و#وفاة_طارق_قاهر_الإعاقة.
إن الدرس الأهم من قصة كفاح "الوادعي" وأمثاله من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة هو: الإيمان القوي والعقيدة الراسخة تصنع العجائب، حتى لو كان صاحبها من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة.
 
الكاتب: محمد الشاعر

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢