أرشيف المقالات

تفسير الزركشي لآيات من سورة الشعراء

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
تفسير الزركشي لآيات من سورة الشعراء

﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [الشعراء: 4] قوله تعالى: ﴿ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [الشعراء: 4]، فاستغنى عن خبر الأعناق بخبر أصحابها، والأصل هنا أن رحمة الله قريب وهو قريب من المحسنين، فاستغنى بخبر المحذوف عن خبر الموجود وسوغ ظهور ذلك المعنى[1].

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 8، 9]
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 8، 9] في ثمانية مواضع؛ لأجل الوعظ فإنه قد يتأثر بالتكرار من لا يتأثر بالمرة الواحدة.
وأما قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ﴾ [الشعراء: 8] فذلك لظهور آيات الأنبياء عليهم السلام، والعجب من تخلف من لا يتأملها مع ظهورها، وأما مناسبة قوله: ﴿ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 9] فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر، فدل بالمفهوم على إيمان الأقل، فكانت العزة على من لم يؤمن، والرحمة لمن آمن، وهما مرتبتان كترتيب الفريقين[2].

﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ﴾[الشعراء: 10، 11].
قوله تعالى:﴿ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 10، 11] المعنى: ائتهم وأمرهم بالاتقاء[3].

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [الشعراء: 12].
قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [الشعراء: 12]، خاف موسى عليه السلام أن يكذِّبوه فيما جاءهم به، وأن يكون سببه من قبله، من جهة إفهامه لهم بالوحي، فإنه كان عاليَ البيان، لأنه كليم الرحمن، فبلاغته لا تصل إليها أفهامُهم، فيصير إفصاحُه العالي عند فهمهم النازل عُقدَة عليهم في اللسان، يحتاج إلى ترجمان؛ فإن يقع بعده تكذيب فيكون من قِبَل أنفسهم، وبه تتم الحجة عليهم[4].

﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ [الشعراء: 14]
قوله تعالى: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ [الشعراء: 14] تأتي "على" بمعنى: عند نحو: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ﴾ [الشعراء: 14]، أي عندي[5].

﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء: 20]
قوله تعالى: ﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء: 20]، يحمل على أنه لجواب مقدر، وأنه أجاب بذلك قوله: ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الشعراء: 19] [6] أي بأنعمنا، فأجاب: لم أفعل ذلك كفرًا للنعمة كما زعمت، بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوَكزة تَقضي، بدليل قراءة بعضهم "وأنا من الجاهلين"[7].


﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 22]
قوله: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ﴾ [الشعراء: 22] أي: أو تلك نعمة![8].
قوله تعالى:﴿ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 22]، أي: ولم تعبدني[9].

﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23، 24]
قوله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23] إلى قوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28][10]، حذف المبتدأ في ثلاثة مواضع: قبل ذكر الرب، أي: هو رب السموات والله ربكم، والله رب المشرق؛ لأن موسىعليه السلام استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال تهيُّبًا وتفخيمًا فاقتصر على ما يستدل به من أفعاله الخاصة به؛ ليعرفه أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[11].

قال تعالى في أجوبة موسىعليه السلام لفرعون، حيث قال فرعون ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ [الشعراء: 23، 24] [12]، لأن "ما" سؤالٌ عن الماهية أو عن الجنس، ولمّا كان هذا السؤال خطأ؛ لأن المسئول عنه ليس ترى ماهيته فتُبين، ولا جنس له فيُذكر، عَدَل الكليم عن مقصود السائل إلى الجواب بما يعرف الصواب عند كيفية الخطاب، ولا يستحق الجريان معه، فأجابه بالوصف المنبّه عن الظن المؤدي لمعرفته، لكنه لما لم يطابق السؤال عنه فرعون لجهله، واعتقد الجواب خطأ ﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 25] [13]، فأجابه الكليم بجواب يعمّ الجميع، ويتضمن الإبطال لعين ما يعتقدونه من ربوبية فرعون لهم بقوله: ﴿ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 26] [14]، فأجاب بالأغلظ وهو ذكر الربوبية لكل ما هو من عالمهم نصًّا، ولما لم يرهم موسىعليه السلام تفطّنوا غلّظ عليهم في الثالثة بقوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28] [15]، فكأنه شك في حصول عقلهم[16].

وقال رحمه الله: قوله تعالى ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23] إنما هو سؤال عن الصفة؛ لأن الرب هو المالك، والملك صفة ولهذا أجابه موسى بالصفات، ويحتمل أنّ "ما" سؤال عن ماهية الشَّيء، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى، فأجابه موسى تنبيهًا على صواب السؤال[17].

﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]
قوله تعالى: ﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ﴾ [الشعراء: 63]، التقدير: فضرب فانفلق، فحذف المعطوف عليه، وهو "ضرب"، وحرف العطف وهو الفاء المتصلة بـ "انفلق" فصار: ﴿ فَانْفَلَقَ ﴾ [الشعراء: 63] فالفاء الداخلة على "انفلق" هي الفاء التي كانت متصلة بـ "ضرب" وأما المتصلة بـ"انفلق" فمحذوفة.

كذا زعم ابن عصفور والأبذِي[18]، قالوا: والذي دلَّ على ذلك أن حرف العطف إنما نوى به مشاركة الأول للثاني؛ فإذا حذف أحد اللفظين - أعنى لفظ المعطوف أو المعطوف عليه - ينبغي ألا يؤتى به ليزول ما أتى به من أجله.

وقال ابن الضائع: ليس هذا من الحذف، بل من إقامة المعطوف مقام المعطوف عليه؛ لأنه سببه، ويقام السبب كثيرًا مقام مسببه، وليس ما بعدها معطوفًا على الجواب، بل صار هو الجواب بدليل: ﴿ فَانْبَجَسَتْ ﴾ [الأعراف: 160] [19]، هو جواب الأمر[20].

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾[الشعراء: 69، 70]
قوله تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الشعراء: 69، 70] إلى قوله ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 102] [21]، فهذا تخلص من قصة إبراهيم وقومه إلى قوله هكذا، وتمني الكفار في الدار الآخرة الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا بالرسل، وهذا تخلُّص عجيب[22].

﴿ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾[الشعراء: 71] قوله تعالى: ﴿ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾ [الشعراء: 71]، وحسَّنه إظهار الابتهاج بعبادتها والاستمرار على مواظبتها، ليزداد غيظ السائل[23].
﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾ [الشعراء: 72].


قوله تعالى: {﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾ [الشعراء: 72] أي: هل يسمعون دعاءكم؟ بدليل الآية الآخرى ﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ﴾ [فاطر: 14] [24].

﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 77]
قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 77] أي: فأنا عدو آلهتهم وأصنامهم وكل معبود يعبدونه من دون الله[25].

قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 77]، إن الأصنام لا تعادي، وإنما المعنى فإني عدو لهم، مشتق من "عدوت الشيء" إذا جاوزتَه وخلفته، وهذا لا يكون إلا فيمن له إرادة، وأما "عاديته" فمفاعله لا يكون إلا من اثنين[26].

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 80]
قوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78] أتى بالماضي في "خلق"؛ لأن خلقه مفروغ منه، وأتى بالفاء دون الواو، لأنه كالجواب؛ إذ من صوّر المني قادر على أن يُصَيِّره ذا هدى، وهو للحصر؛ لأنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم تهديهم، ثم قال ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾[الشعراء: 79] فأتى بالمضارع لبيان تجدد الإطعام والسُقيا، وجاءت الواو دون الفاء؛ لأنهم كانوا لا يفرقون بين المطعِم والساقي، ويعلمون أنهما من مكان واحد، وإن كانوا يعلمون أنه من إله، وأتى بــ"هو" لرفع ذلك، ودخلت الفاء في ﴿ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]؛ لأنه جواب، ولم يقل: "إذا مرضت فهو يشفين" إذ يفوت ما هو موضوع لإفادة التعقيب، ويذهب الضمير المعطى معنى الحصر، ولم يكونوا منكرين الموت من الله، وإنما أنكروا البعث، فدخلت "ثم" لتراخي ما بين الإماتة والإحياء[27]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين![28] في معنى قوله حكاية عن خليله: ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ [الشعراء: 79] والمعنى: بما يفتح الله لخاصته من خلقه الذين لا يطعمون، إنما غذاؤهم التسبيح والتهليل والتحميد[29].

﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]
قوله تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84] أي: ذكرًا حسنًا، أطلق اللسان وعبّر به عن الذكر؛ لأن اللسان آية الذكر[30].

﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 94]
قوله تعالى: ﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا ﴾ [الشعراء: 94] ولم يقل: "وكبوا"، قال الزمخشري[31]: والكبكبة "تكرير الكب"، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى، كأنه إذا ألقي في جهنم "ينكب" كبة مرة بعد أخرى، حتى يستقر في قعرها - اللهم أجرنا منها خير مستجار![32].

﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 98، 99]
قال رحمه الله: ثلاث آيات متواليات الأولى رد على المشبهة، والأخرى رد على المجبرة، والأخرى رد على المرجئة، قوله تعالى: ﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 99]رد على المشبهة، ﴿ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 99] [33]، رد على المجبرة: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾ [الشعراء: 100] [34]، رد على المرجئة[35].

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101].
قوله تعالى: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101] أفرد "الصديق" وجمع "الشافعين"، والحكمة كثرة الشفعاء في العادة، وقلة الصديق، قال الزمخشري[36]: ألا ترى أن الرجل إذا امتُحِن بإرهاق ظالم، نهضت جماعة وافرة من أهل بلده بشفاعته رحمة له، وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة! وأما الصديق فأعزُّ من بيض الأنوق، وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق، فقال: اسم لا معنى له، ويجوز أن يريد بالصديق الجمع[37].

﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 105]

قوله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 105] والمراد بالمرسلين نوح عليه السلام، كقولك: فلان يركب الدواب ويلبس البرود، وماله إلا دابة وبُرْد، قاله الزمخشري [38]

﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111]
قال رحمه الله: من حذف الحرف: حذف "قد" في قوله تعالى: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111]، أي وقد اتبعك؛ لأن الماضي لا يقع موقع الحال إلا و"قد" معه ظاهرة أو مقدرة[39].

 
﴿ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الشعراء: 112]
قال رحمه الله: تكون "كان" زائدة كقوله تعالى: ﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء: 112] أي بما يعملون؛ لأنه قد كان عالمًا ما علموه من إيمانهم به[40].

﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129]
قال رحمه الله: كل شيء في القرآن "لعلكم" فهو بمعنى: لكي، غير واحد في في قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129].

فإنه للتشبيه، أي: كأنكم[41]،وحكى البغوي[42] في تفسيرهعن الواحدي[43]: أن جميع ما في القرآن من "لعل" فإنها للتعليل إلا قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129] فإنها للتشبيه، وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة.

ووقع في صحيح البخاري[44] في قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129]أن "لعل" للتشبيه[45]، وذكر غيره أنها للرجاء المحض وهو بالنسبة إليهم[46].

﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 154]
قوله تعالى في قصة ثمود: ﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ [الشعراء: 154] وفي قصة شعيب عليه السلام: {وما انت} [47] بالواو، والفرق أن الأولى: جرى على انقطاع الكلام عند النحويين، واستئناف {وما انت}، فاستغنى عن الواو لما تقرر من الابتداء، وفي الثانية: جرى في العطف وأن يكون قوله: {وما انت} معطوفًا على ﴿ مَا أَنْتَ ﴾ [الشعراء: 154] [48].

﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 192]
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله: وسمّاه - أي القرآن - تنزيلا فقال: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 192].

قال رحمه الله: وأما تسميته "تنزيلاً" فلأنه مصدر نزّلته؛ لأنه منزّل من عند الله على لسان جبريل، لأن الله تعالى أسمع جبريل كلامه وفهّمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية نزل به على نبيه، فأداه هو كما فهمه وعلّمه[49].

﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]
قوله تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، أطلق الألسن على اللغات، وهذا من باب: إطلاق اسم المحل على الحال[50].

﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [الشعراء: 201]
قوله تعالى: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [الشعراء: 201] أي: حتى يشارفوا الرؤية ويقاربوها، ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها وذلك على أن يكون: يرونه فلا يظنونه عذابًا، نحو: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ﴾ [الطور: 44] [51]، ولا يظنونه واقعًا بهم، وحينئذ فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته[52].

﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 223]
قوله تعالى: ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 223] بمعنى: يسمعون، ولا يقول أحد الآن: ألقيت سمعي[53].

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]
قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224] ولم يعن كل الشعراء، وهذا من باب إطلاق اسم العام وإرادة الخاص[54].

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [الشعراء: 225]
قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [الشعراء: 225] الوادي: مستعار وكذلك "الهيمان"، وهو على غاية الإيضاح[55].

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]
قال رحمه الله: من معاني "الخبر وسوف": الوعيد، كقوله تعالى: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227] [56].


[1] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - تذكير المؤنث 3/ 225.
[2] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - فوائد التكرار 3/ 16.
[3] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - الاستفهام بمعنى الإنشاء 2/ 212.
[4] البرهان: علم مرسوم الخط - حذف الياء 1/ 278.
[5] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - على 4/ 177.
[6] سورة الشعراء: 19.
[7] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - إذًا 4/ 121.
[8] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الحرف 3/ 137.
[9] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - أقسام الحذف 3/ 80.
[10] سورة الشعراء: 23 - 28.
[11] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - أسباب الحذف 3/ 70.
[12] سورة الشعراء: 23 - 24.
[13] سورة الشعراء: 25.
[14] سورة الشعراء: 26.
[15] سورة الشعراء: 28.
[16] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - قاعدة فيما يتعلق بالسؤال والجواب 4/ 31.
[17] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - ما 4/ 245.
[18] هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الخشني الأبذي أبو الحسن، قال في تاريخ غرناطة: كان نحويًا ذاكرًا للخلاف في النحو، من أحفظ أهل وقته لخلافهم، من أهل المعرفة بكتاب سيبويه والواقفين على غوامضه؛ وقال أبو حيان في النُّضار: كان أحفظ من رأيناه بعلم العربية، وكان يقرئ كتاب سيبويه فما دونه، وكان في غاية الفقر على إماماته في العلم، ولي إمامة جامع القيسارية، فارتفق بمعلومه، مات في رجب سنة ثمانين وستمائة.
(بغية الوعاة 2/ 199 رقم الترجمة (1783).
[19] سورة الأعراف: 160.
[20] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المعطوف عليه 3/ 103.
[21] سورة الشعراء: 102.
[22] البرهان: معرفة المناسبات بين الآيات 1/ 47.
[23] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - قاعدة فيما يتعلق بالسؤال والجواب 4/ 32.
[24] سورة فاطر: 14.
البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه 3/ 96.
[25] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ما قدم النية به التأخير 3/ 180.
[26] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - القلب 3/ 185.
[27] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الفرق بين الخطاب بالاسم والفعل 4/ 45.
[28] رواه البزار من حديث أنس بن مالك ت، مسند البزار، مكتبة العلوم والجكم - المدينة المنورة، ط/ 1 ت/ 1424هـ - 2003م ج/ 13 ص/ 486 برقم (7292).
[29] البرهان: معاضدة السنة للقرآن - 2/ 93.
[30] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه 2/ 175.
[31] الكشاف 4/ 400.
[32] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الزيادة في بنية الكلمة 3/ 25.
[33] سورة الشعراء: 99.
[34] سورة الشعراء: 100.
[35] البرهان: معرفة تقسيمه بحسب سور وترتيب السور والآيات وعددها 1/ 181.
[36] الكشاف 4/ 401 - 402.
[37] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - فيما ورد في القرآن مفردا ومجموعا والحكم في ذلك 4/ 16.

[38] الكشاف 4/ 403.
البرهان: وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن الكريم خطاب الواحد بلفظ الجمع 2/ 149.
[39] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الحرف 3/ 138.
[40] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - كان 4/ 192.
[41] المصدر السابق: جمع الوجوه والنظائر 1/ 89.
[42] هو الشيخ الامام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفرّاء البغوي الشافعي المفسِّر، صاحب التصانيف، كـ "شرح السنة" و"معالم التنزيل"، و"الجمع بين الصحيحين" وأشياء، تفقه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المَرْورُّوذِي، وسمع منه، ومن أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وعدة، وكان البغوي يلقب بمحيي السنة وبرُكن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا علاَّمة، زاهدًا قانعًا باليسير، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه، توفي بمرو الرُّوذ مدينة من مدائن خراسان في شوال سنة ست عشرة وخمس مائة، وعاش بضعًا وسبعين سنة.
(تهذيب سير أعلام النبلاء 2/ 506 رقم الترجمة (4697)، وعبارة البغوي لم أقف عليها في تفسيره.
[43] انظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي 3/ 359، وذكر الدكتور/ يوسف المرعشلي في تحقيق البرهان أن العبارة تصحفت إلى "الواقدي" والتصويب من عبارة "فتح الباري"، انظر: "البرهان" تحقيق د.
المرعشلي 4/ 339.
[44] هو الإمام، حبر الإسلام، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه البخاريُّ، صاحب "الصحيح" والتصانيف، سمع من مكي بن إبراهيم، وأبي عاصم النَّبيل، وأحمد بن حنبل، وخلائق عدتهم ألف شيخ، وكان من أوعية العلم، يتوقد ذكاءً، وعن أبي اسحق الريحاني، أن البخاري كان يقول: صنفت "كتاب الصحيح" بست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله تعالى، وقال محمد بن سُليمان بن فارس: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أَذُبُّ عنه، فسألت بعض المُعبرين فقال: إنك تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج "الصحيح"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري، ولد البخاري يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا.
(شذرات الذهب 3/ 250 - 253).
[45] قال ابن حجر في الفتح: قال بن عباس ﭽﯬ ﯭ ﭼ كأنكم...
وحكى البغوي في تفسيره عن الواحدي قال: كل ما في القرآن "لعل" فهو للتعليل إلا هذا الحرف فإنه للتشبيه، كذا قال وفي الحصر نظر؛ لأنه قد قيل مثل ذلك في قوله ﭽﭘ ﭙ ﭚ ﭼالشعراء: 3، فتح الباري، لابن حجر 8/ 366.
[46] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - معاني لعل 4/ 240.
[47] سورة الشعراء: 186.
[48] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف في آية وإثبات في أخرى 3/ 140.
[49] المصدر السابق: معرفة أسمائه واشتقاقاتها 1/ 193 - 197.
[50] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه 2/ 174.
[51] سورة الطور: 44.
[52] البرهان: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته لا حقيقته 2/ 182.
[53] البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - الإجمال ظاهرًا وأسبابه2/ 134.
[54] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم العام وإرادة الخاص 2/ 169.
[55] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الاستعارة 3/ 272.
[56] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - معاني الخبر 2/ 199 - سوف 4/ 176.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢