أرشيف المقالات

درس وعظي في آداب القرآن الكريم

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
درس وعظي في آداب القرآن الكريم


هذا أنموذج لدرسٍ وعظيٍّ يتعلَّق بآداب المسلم تجاه القرآنِ الكريم، ويَنبغي للواعظ مراعاة ما يلي من أجل أن يؤتِيَ درسُه وموعظته ثمارَه اليانعة، وآثاره النافعة، ومنها:
♦ ألّا يسرِع في إلقائه؛ بل يتمهَّل، وعند تلاوة الآيات يَنبغي أن يتلوَها على وَفق أحكام التجويد، وليبتعِد عن رفع الصَّوت؛ لأنَّ ذلك موضعه الخطبة، ومن فوائد التأنِّي في الإلقاء أنَّه يعطي فرصةً للمعلِّم والموجِّه في أن يتذكَّر أو ينقدح في ذِهنه معنًى جميل، وفيه فائدة للمستمِع لأجل أن يَستوعِبَ ما يُلقى إليه.
 
♦ يلاحظ أنَّ الدرس لا يَتجاوز في المقدار الزَّمني 10 دقائق، وهذا أفضل؛ لأنَّ التطويل يورِث الملَل؛ إلَّا إذا أضفى عليه ما يشوِّق، ورأى في الحاضرين رغبةً إلى ذلك.
 
♦ جاهزيَّة المادة عن ظهْر قلبٍ أو الارتجاليَّة، لها وقْعُها المؤثِّر في النَّفس لدى المستمعين؛ ليتمكَّن الدَّارسُ من مراقبة أحوال الحاضِرين، والتفاعلِ مع الحديث.
 
نص الدرس: العنوان (آداب قراءة القرآن).
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأرسل رسولَنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالآيات هاديًا وبشيرًا، والصَّلاة والسلام عليه وعلى آله وصحبه كثيرًا.
 
وبعد:
فقد قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].
 
وقال المولى سبحانه أيضًا: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121].
 
♦ عن ابن مسعود في تفسير قوله: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾: أن يحلَّ حلالَه ويحرِّمَ حرامه، ولا يحرِّفه عن مواضعه.
 
وأمرنا المولى بالاستِعاذة من الشيطان الرَّجيم عند إرادة تلاوة القرآن فقال: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].
 
وحثَّنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على تَحسين الصَّوت عند تلاوة آياته وتزيينِه بالصَّوت الحسَن قدْر المستطاع؛ فعن البراء بن عازب: ((زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم))؛ أي: أصواتكم بالقرآن.
 
وعن عقبة بن عامر: ((الجَاهِرُ بالقُرآن كالجاهر بالصَّدَقة، والمُسرُّ بالقُرآن كالمُسرِّ بالصَّدقة))؛ رواه الترمذيُّ وغيره، والعمل الصَّالح إذا كان سرًّا كان أدعى للقبول، إلَّا إذا دعَت الحاجة؛ مثل أن يرى من النَّاس تكاسلًا وتثاقلًا عن تلاوة القرآن، فيَجهر من أجل اقتداء النَّاس به.
 
وفي بيان الثَّواب والأجر المترتب على تلاوة آيات القرآن والذِّكر - عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قرَأ حرفًا من كتاب الله فلَه به حسنَة، والحسنةُ بعشْر أمثالِها، لا أقول: ﴿ الم ﴾ حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ رواه الترمذي.
 
أيها الأحبَّة:
إنَّ تلاوة القرآن دواءُ القلوب وأمراضِها، وشفاءُ النفوس وأدوائها، وبهجةُ الأرواح ونورُها، وهو مأدُبة الصَّالحين، وقرَّة عيون المتقين، وهو من أفضل الأعمال التي تقرِّب العبدَ إلى ربِّ العالمين؛ ولذلك فالأجر المترتب على قراءة القرآن عظيم، وفضل ذلك في الأحاديث وفي كلام السَّلفِ كثير، ومن أجل ذلك فإنَّ جملةً من الآداب المرعيَّة، والسنن الزكيَّة، استنبطها سلفُنا الصَّالح من كتاب الله وسنَّةِ رسوله عليه الصلاة والسلام، على المسلم المحبِّ لكلام الله سبحانه أن يَعتنيَ بها ويهتمَّ بتحصيلها، ومنها:
1 - الطَّهارة من الحدَث الأصغر؛ فلا يجوز للقارئ أن يمسَّ القرآنَ وهو محدِث؛ إجلالًا له وتعظيمًا لشأنِه، أمَّا تلاوته من غير مسٍّ فجائزة؛ لقول عائشةَ رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذكر اللهَ على كلِّ أحيانه".
 
2 - أن يستقبل قبلة المسلمين عند تلاوة آيات القرآن الكريم، وأن يجلس في مكانٍ طاهِر؛ فلا يقرأ في الحمَّام أو قارعة الطَّريق ونحوه، والمقصود صيانةُ كتاب الله وتعظيمُه، وأن يَجلس جلسةَ الوقار والخشوع ما أمكنه.
 
3 - أن يبدأ عند التلاوة بالاستعاذة من الشيطان الرَّجيم، وأن يبتدئ السورةَ بالبسملة، ثمَّ الشروع في القراءة، إلا إذا قرأ التوبةَ ﴿ بَرَاءَةٌ ﴾ [التوبة: 1] من بدايتها، فيَكتفي بالاستعاذة دون البسمَلَة.
 
4 - أن يَعتني بالمقصود من التلاوة؛ وهو الخشوع وتدبُّر المعنى، والتغلغُل في المقصد والمبنى؛ لأجل الحصول على ثمرَته وفوائده، والاستفادةِ من أنواره وعلومه؛ لأنَّ ذلك المقصود الأعظم من نزوله، والهدف الأسمى من بيانه.
 
5 - تحسين الصَّوت ممَّا اعتنى به السلَف رضوان الله عليهم؛ لأنَّ التغنِّي بالقرآن يُعين ويساعد على إدراك حلاوته، وتذوُّقِ معانيه، وإدراكِ ما احتوى من أسرار وفرائد، ومحاسِن وفوائد، وأن يَكون الاعتناءُ بمخارج الحروف وصِفاتها مما يتعلَّق بأحكام التجويد بُغيةَ القارئ، لا أن يُجري الصوتَ على وَفق المقامات الموسيقيَّة، أو التكلُّف في موافقته للأنغام والألحان البدعيَّة؛ فإنَّ ذلك يُخرجه عن حقيقة ما أُنزِل القرآنُ لأجله.
 
6 - أن ينقطع عن التلاوة إذا عرض له عارض؛ من تثاؤب أو نعاس أو حدَث، ثمَّ بعد زواله يُعاود التلاوةَ، وإذا سلَّم عليه أحد من المارَّة قال العلماء رحمهم الله: يستحبُّ أن يردَّ السَّلامَ، ثمَّ يعود للتلاوة؛ تحصيلًا لأجر السَّلام وأجرِ التلاوة معًا.
 
على أنَّ هناك كتبًا ومصنفاتٍ قيِّمة، اهتمَّت ببيان آداب القرآن، وحمَلَةِ كتابه، وفَصَّلَت القولَ البيِّن، ووضحَت كلمةَ الفصل؛ يَنبغي على المحبِّ لكتاب الله مراجعتُها، والانتِفاع منها، ومن أجَلِّها كتاب "آداب حمَلَة كتاب الله"؛ للإمام النَّووي عليه الرَّحمة.
 
دعاء:
اللهمَّ اجعل القرآنَ العظيم شفاءً لصدورنا، وعلاجًا لأمراضِنا، ودواء لأسقامِنا، وجلاء لهمومنا وغمومِنا، اللهمَّ اجعلنا ممَّن يقيم حروفَه وحدودَه، ولا تجعلنا ممَّن يقيم حروفَه ولا يقيم حدودَه، اللهمَّ علِّمنا بالقرآن، واجعله لنا حجَّةً ولا تجعله حجَّةً علينا يوم القيامة، اللهمَّ ألبِسنا به الحلَل، واعصِمْنا به من الزَّلل، اللهم نوِّر به أبصارنا، وارفع به درجاتنا، اللهمَّ علِّمنا به ما نُسِّينا، وارزقنا تلاوتَه آناء الليل وأطرافَ النَّهار.
 
وصلى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وصحبه، ومن اقتفى أثرَه وسارَ على نهجه إلى يوم الدين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢