مقاصد سورة الأحزاب
مدة
قراءة المادة :
32 دقائق
.
نور البيان في مقاصد سور القرآن"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".
(33) سورة الأحزاب
أيها المسلمون، هذا حديثنا في مقاصد سور القرآن الكريم، نتعرف على مقصد كل سورةٍ على حدة، وموقفنا اليوم على مائدة سورة الأحزاب، تلكم السورة المُحزنة والمفرحة في الوقت نفسه، تلكم السورة التي نتبين من خلالها أن الطريق إلى الله عز وجل وإلى جنات الخلود ليس طريقاً مفروشاً بالياسمين والورود، وإنما هو طريقٌ وعرٌ وصعب، فيه جهد وفيه بذل، فيه تضحيات، وأن هذا الطريق تتنزل على طوله وعلى مدارجه سكيناتٌ ورحماتٌ من ربّ الأرض والسماوات، فالخلق يؤذونكم والرب يرحمكم، فاطمئنوا واثبتوا حتى تؤدوا أمانة ربكم.
السورة عظيمة وجليلة والكلام فيها جليل، ولكن ضيق المقام يتابعني ويلاحقني لأبدأ نقاطها، أما أولها فاسمها: سورة الأحزاب، لم يُعرف لها اسمٌ غير ذلك، لا بتوقيف من الله في قرآن أو سنة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في اجتهادات العلماء، الكلّ سماها الأحزاب، ويقول عامة المفسرين: إنها سميت سورة الأحزاب لأنها ذكرت قصة غزوة الأحزاب، والتي تعرف بغزوة الخندق التي تحزَّب فيها كفار مكة مع كفار الأعراب وقبيلة غطفان مع يهود المدينة كبني قريظة، تكاتفوا جميعًا وتحزبوا واجتمعوا أحزاباً متآلفةً في الظاهر مواجهةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرباً للإسلام والمسلمين، فليس ما ترونه اليوم من تحزُّب جديداً ولا حديثاً إنما هي خطةٌ حربيةٌ قديمةٌ رسمها الشيطان لأصحاب الأيام الخوالي السابقة ويرسمها لأصحاب هذه الأيام وأهل هذه الأزمان وفي كل عصر، ولكن الله أخزاهم وردهم بغيظهم وقتلهم بحقدهم وفرّقهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعزّه ونصره وأيده ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ﴾، فسميت السورة بذلك[1].
ولكن السورة تحدثت عن موضوعات كثيرة غير قصة الأحزاب وغير قصة غزوة الخندق، والاسم لا بد أن يكون عاماً في السورة كلها، مشتملاً على كلّ قضاياها وموضوعاتها، ولذلك بدا لي من كلمة الأحزاب وفي معناها الاجتماع، بدا لي من معانيها في اللغة حَزَب الأمر فلاناً أي: ضاق به واشتد عليه، ألم به كرب، ضاق به أمر، وقعت عنده مصيبة، فنقول: حَزَبه كذا، أي: ضيّق عليه وشدّد عليه وأهمّه هذا الأمر[2]، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله تعالى، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، أو إذا حزبه أمرٌ صلّى[3]، أي ضاق به أمرٌ، فكان يخرج من همومه بالوقوف بين يدي الله عز وجل، يصلي له، فيكشف الله همه وكربه فالسورة أيها الأحباب الكرام حينما نستعرضها وننظر فيها نظرة عربية عبر آياتها نجدها مشحونة بجملة كبيرة من الأحداث المحزنة لرسول الله وللجماعة المسلمة من حوله، بدءاً من جهل الناس وخوضهم في حدود الله، فكان بعضهم يحرِّم زوجته كأمّه وهو المعروف بالظّهار، وكان بعضهم يمشي وراء الخرافات فيزعم أن فلاناً له قلبين، قلباً يفعل به كذا وقلباً يفعل به كذا، وكانت أواصر المجتمع وصلاته وعلاقاته متقطّعة، كل ذلك كان يُحزن النبيّ صلى الله عليه وسلم، تحزُّب الكافرين بأنواعهم لقتاله وحربه وما جاءهم، إلا بما يحييهم حياةً طيبةً في الدنيا، ويورثهم جنةً عظيمةً في الآخرة، فلا يستحق منهم ذلك، فأحزنه هذا.
ما كان من أمر التبني وتحقيق الله لهذا الأمر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من الزواج بامرأة متبناه وماذا يقول عنه الناس في ذلك، وقد قالوا قولاً مفترًى عظيماً كثيرًا هذا آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل في صدره حرجًا[4].
إسراف أصحابه في محبته حتى آذوه بذلك: ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾، فكانوا يُطيلون الجلوس معه ويأخذون من وقته الكثير والكثير، ووراءه أعباء وأعباء لا يجد لها وقتًا.
كان الكافرون يؤذونه إيذاءً شديداً وكثيراً ومتلوناً بما قد يغري بعض المؤمنين أن يؤذوا به النبي صلى الله عليه وسلم ولو بدون فهمٍ أو قصد، ولذلك قال الله لهم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ﴾، يا مؤمنون لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقعوا في إيذائه، ذلك من انتشار الأذى حول رسول الله عليه الصلاة والسلام، فربما يظنه مؤمنٌ أنه أمرٌ عادي يمكن القول فيه والخوض فيه، فنهاهم الله عن ذلك، تأذيه صلى الله عليه وسلم وحزنه من كفر الناس رغم أن العهد صار في المدينة ونزل من القرآن ما نزل ورسِّخت العقيدة ولا يزال كثيراً من الناس ينكرون يوم القيامة ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾، ﴿ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾..
وهكذا، يسألون سؤال استبعادٍ واستنكار ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾، حزنه عليه الصلاة والسلام وكان هذا يحزنه جداً حينما يرى الناس يفرطون في أمانة الله ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾، وحينما طُلب منه تنفيذها وأداؤها بخل بها فكان أكثر الناس في مكة كافرين معاندين معارضين، وفي المدينة منافقون مَرَدوا على النفاق، ومن حولهم كذلك في الأعراب، واليهود كذلك أصحاب الكتاب السماوي السابق أيضاً هم الآخرون فرطوا في أمانة الله حينما طُلبت منهم..
وهكذا.
هذا الجو جوٌ مشحونٌ بالأحزان، ولذلك تجد ربك سبحانه وتعالى يهدهد على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتكلم معه بما يواسيه ويؤازره في هذه الشدائد والأحزان، كأنه يعزيه ويسليه ويسري عنه، فيقول سبحانه وتعالى ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني لا تبخلوا بأنفسكم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو أولى بكم من آبائكم وأمهاتكم، قولوها قولاً وعملاً، قلباً وقالباً، نحن فداك يا رسول الله، أنفسنا فداك، هذا يُفرح النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم في مسألة التبني وما كان فيها من حرج، يرفع الله الحرج عنه أمام الناس ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾، هذا شأن الله في الأنبياء السابقين أيضاً، فحينما يفرض الله على نبيه أن يتزوج بزينب بنت جحش زوجة متبناه زيد بن حارثة رضي الله عنهم، فلا أحد يلومه على ذلك، ولا أحد يحرِّج عليه ولا يأخذ عليه، فإنه مأمورٌ في ذلك من ربه ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ﴾، ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ ﴾، هذا يرفع الحرج عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
في غزوة الأحزاب وتحزب الكافرين نصره الله وأعزه وأعلى أمره ورايته ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ﴾، كذلك يبدو أن بعض الكافرين قالوا إن النبي عليه الصلاة والسلام، أو إن محمداً تزوج زينب قبل أن تقضي عدتها من زيد، فتكلم الله في شأن العدة وأن المرأة المدخول بها لابد لها من عدة، وهذا تشريعٌ جاء به النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فلا يُعقل ولا يُصدق ولا يكون أن يأتي بهذا التشريع ويكون أول المخالفين له، لا يمكن هذا، إنما اعتدت وبرأ رحمها من زيد ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا كيف تزوج زينب لقد رغب فيها، لقد رآها فطمع فيها..
لقد..
لقد..، كلام من هذا القبيل على أنه فُتن بها عليه الصلاة والسلام[5]، تكلم الله بعد ذلك ليرفع عنه الحرج، أن الله تعالى أحل له نساءً وحرم عليه نساء ﴿ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ...
﴾ إلى آخره، وفي آية بعدها ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام يتزوج أو لا يتزوج في إطارٍ له حدان حدهما الله عز وجل، إنا أحللنا لك، لا يحل لك.
فلا يتزوج إلا من أحلها الله له، لا يتزوج بشهوته ولا برغبته ولا بنزوة الرجال والبشر، إنما يتزوج بتوجيه من الله سبحانه وتعالى..
وهكذا.
بل يأمر المؤمنين أن يصلوا ويسلموا عليه ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾، وكم يُسعد هذا قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤكد على نبوته حتى لا يؤذيه ولا يحزنه كلام الناس من المنافقين والكافرين إنه مفترٍ وكذاب وما إلى ذلك ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، كل هذا يرفع الحزن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً كأن السورة سميت الأحزاب، وإن أشارت إلى غزوة الأحزاب، إلا أنها تشير إلى أمور اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحزنته وحزبته وضيقت عليه فأخذ الله يهدهد عليه ويسليه ويواسيه في هذه الأحزان، فكان اسم الأحزاب على هذه السورة اسماً دالاً دلالةً بليغةً صريحة لما فيها من موضوعات وأحداث.
هذه السورة نزلت بعد الهجرة، بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فلذلك فهي سورةٌ مدنيّة كلها[6]، وكان نزولها – كما حرر العلماء ذلك – فيما بين غزوة بدر الكبرى، فيما بعدها إلى ما قبل صلح الحديبية الذي كان قبل فتح مكة بسنة تقريباً[7]، وحددها البعض بأنها كانت في السنة الرابعة أو الخامسة من الهجرة، لكنها استغرقت قرابة الثلاث سنوات من بدئها حتى ختامها وربما أكثر من ذلك؛ لأن أبي بن كعب رضي الله عنه حدَّث وأقسم على ذلك، إن كانت سورة الأحزاب أكبر من سورة البقرة في طولها، وكان منها: "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم"[8]، كانت هذه آية من سورة الأحزاب وتعرف بآية الرجم، رجم الزاني الذي تزوج وسبق له الزواج الحلال، إذا زنى بعد ذلك فيرجم حتى الموت، رجلاً كان أو امرأة من الأحرار[9]، فرُفِع منها ما رُفع أي نسخ الله منها ما نسخ حتى بقيت هكذا بهذا الحجم المعروف في مصاحفنا، ولله أن يفعل ما يشاء، القرآن قرآنه والشرع شرعه والعبيد عبيده سبحانه وتعالى، فكانت سورة الأحزاب طويلة ولكن نسخ الله منها آيات كثيرة لحكمة أرادها فبقي هذا القدر منها هو سورة الأحزاب، فمن قرأ الآيات الموجودة في المصحف فيما بين سورة السجدة وسورة سبأ فهي سورة الأحزاب، ليست ناقصة هذا كمالها كما سكت الوحي وانتهى على ذلك.
سورة الأحزاب بدأت في موضوعاتها بتوجيه الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك ويعتصم بأصول منهج الدعوة والنبوة، فكل داعية بل كل مسلم عليه أن يتمسك بهذه الأشياء حتى يرفع عن نفسه حرج الطريق وصعوبة الأمر، أمره الله بتقواه اتقي الله، وبمخالفة أعداء الله وطريقهم ونظامهم ﴿ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾، ثم أمره باتباع وحي الله ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾، كما أن الله عز وجل أمره بالتوكل عليه، إذاً تقوى الله مع مخالفة الكافرين والتبرؤ من حالهم مع اتباع وحي الله مع التوكل على الله تصل إلى هدفك بإذن الله تبارك وتعالى، هذا نظامٌ ومنهجٌ لسلوك أي طريق، وخاصة طريق الدعوى، وخاصة طريق الإسلام ونشره.
ثم تسمي السورة بعد ذلك بالإشارات السريعة إلى بعض العادات الباطلة أو الأمور التي ينبغي أن تصحح، منها الخرافات ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾، ومنها ما كان يخطئ فيه البعض ولا يزالون يصفون زوجاتهم بأمهاتهم تحريماً لهن ﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ وهذا كثيرٌ في الناس اليوم، يقول لها أنت حرامٌ عليَّ كأمي وأختي، هذا حرام وزور وبهتان وعلى الرجل أن يجتنب امرأته فقد حرمت عليه كأمه، ويحرم عليه استبقاؤها كذلك، فبالتالي ينبغي أن يطلقها ويفارقها لتتزوج غيره، إن كان يريد أن يستحلها من جديد فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، كل ذلك قبل أن يمسها مجرد لمس، هي حرامٌ عليه حتى يفعل هذه الكفارة[10]، واليوم صارت الموضة بين الناس، صار الرقي، صار الإيتيكيت وصارت الحضارة أن يقول لها يا ماما يا ماما يا ماما، طول النهار والليل يا ماما وهي تقول له يا بابا، هذه الكلمة منه لها يا ماما هذه تشبه كلمة الظهار فلنحذرها، هو لا يقصد ظهاراً ولا يقصد تحريماً، إنما يقول إنه يقصد تكريماً لها، لا، لا تكرمها بوصفها بأمك، فإذا وصفتها بأمك فليست زوجة وبالتالي حرمتها من أعظم شيء تريده منك أن تكون لك زوجة، فأبطلت زوجيتها، احذر من هذه الكلمة، قل لها يا أم فلان يا زوجتي يا حبيبتي، بأي كلمةٍ أخرى.
﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ هذا كان في الجاهلية يتبنون من لا نسب له إليهم ويعطونه نسبهم ويصير واحداً منهم، نهى الله عن هذا وعدله وبينه في هذه السورة، وللأسف بعد هذا البيان المحكم كثيرٌ من البيوت اليوم فيها هذا الفساد، يأتون بولدٍ من ملجأ أو غيره ويتبنونه لا لمجرد الكفالة ولكن يعطونه اسمهم ونسبهم ويُكتب باسمهم في السجلات الرسمية فيصير رسمياً وفي المحكمة وفي القضاء وفي كل مكان يصير أمام القضاء ولداً من أولادهم، وخالاً لهذا في المستقبل، وعماً لهذا، وقريباً لهذا، وهذا جده، وما له جدٌ ولا عمٌ ولا خالٌ ولا أبٌ ولا شيء، وهذا مما نهى عنه الإسلام ﴿ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾، أشار الله إلى هذا سريعاً، وأشار إلى العلاقة بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين الأمة ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾، وبين أزواجه وبين الأمة ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ طلقات سريعة إشارة إلى أوضاع خاطئة ينبغي أن تصحح.
ثم تكلمت السورة عن غزوة الأحزاب حديثاً طويلاً إلى حد ما، ثم تحدثت عن آدابٍ تخص النساء، في أنها ينبغي أن تكون مع زوجها لا لماله ولا لمنصبه وإنما لتقيم معه حدود الله، ولتطيع معه وبه ربها ورسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾، هذا منهج للأمة جميعاً، بدءاً من نساء رسول الله علي الصلاة والسلام وانتهاءً بكل النساء.
ثم ينهى الله عن الخضوع في القول والترقيق في الصوت، ينهى الله تعالى عن كثرة الخروج بغير داعي، خروج النساء، وما أكثر الفساد من خروج النساء بغير داعٍ، لم تخرج لسوقٍ تشتري طلباتها، ولم تخرج لمسجدٍ تصلي فرضها، ولم تخرج لدرس علمٍ أو حفظ قرآن وغير ذلك، لم تخرج لصلة رحم، إنما خرجت لتشم الهواء وتتفسح، وهذا يلزمه أن تتزين وتظهر زينتها على الناس، من لم يتزوج يتفرج، وكل شيء مباح، نسأل الله العفو والعافية، لذلك قال تعالى ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ وإن كان ولابد من الخروج فالتزمي أيتها المرأة ﴿ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾، وماذا نفعل في البيوت ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾..
وهكذا، وللمرأة أن تدعو إلى الله تعالى وأن تُعلم بدءاً من أولادها إلى جيرانها إلى من تستطيع، ولو كانت صاحبة درسٍ في مسجد فلا مانع ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾.
ثم تتكلم السورة عن قضية التبني وتفصل فيها بالحكم القاطع، في تجربةٍ..
الذي تحمل العناء فيها هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يعاتبه الله في ذلك، يأمره أن يتزوج بزوجة متبناه وتلك مصيبةٌ في العرب يومها، وماذا يقول الناس وقد قالوا ولا يزالون يقولون في هذه القضية قولًا مفترًى على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يتحمله لنتعلم من ورائه وبسببه صلى الله عليه وسلم[11].
ثم تحدثت السورة بالمناسبة عن عدة النساء المطلقات، ثم عمن تحل بالزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن تحرم، فهذا كله من شرع الله عز وجل لا بهواه صلى الله عليه وسلم، ولما كان هذا الكلام الذي افتراه الكافرون مؤذياً للنبي صلى الله عليه وسلم تحدثت السورة عن حكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل الله إيذاءه إيذاءً لله، فلم يبلغ هذا الخلق لله أبداً، ولكن جعل الله إيذاء رسوله من إيذائه هو سبحانه وتعالى فقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾.
ثم تشير إلى من يكفر بيوم القيامة، ومظهر ذلك من يتساءل عنها سؤال استبعاد واستنكار، ثم توجه المؤمنين إلى عدم المشاركة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما انتشر الأذى ﴿ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾.
ثم تنتهي السورة بتذكير الأمة بأمانة ربها التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأشفقن منها بعد أن أبين حملها من ثقلها ﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ أي خفن من حملها، خافت السموات والأرض والجبال، إنما قام لها الإنسان، قال أنا أنا أحملها، أنا بطل، أنا شديد، أنا قوي، أنا لها، وهو يجهل قدر نفسه وبالتالي حمَّل نفسه ما لا يطيق، ولو رضي أن يذهب لله خاضعاً ذليلاً كالسماوات والأرض لا يملك اختياراً من نفسه ولا يملك رأياً لكان له أحسن، لكان له أفضل ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾، وفي الآخرة يجد جزاءه على ما اختار وعلى ما فعل.
هذا تنظيم السورة أو نظامها وسياقها من أولها إلى آخرها.
أما تناسب هذه السورة مع ما سبقها من سورة السجدة فإنها مناسباتٌ كثيرة في الحقيقة أجتزئ منها على ما يذكرني الله به، سورة السجدة كما عرفنا من خلال اسمها السجدة، إنما كأنها تقول للناس أو يقول الله من خلالها اخضعوا لله بمنهجه الذي أنزله لا ريب فيه ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 2]، هذا المعنى الذي استقيناه وأخذناه من سورة السجدة معنى منشور في السورة، ليس له نصٌ محدد، جاءت صياغته في نصٌ محدد في سورة الأحزاب ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا ﴾، إذاً ما شرحته وفصلته سورة السجدة أجملته سورة الأحزاب في هذه الآية.
هدف سورة السجدة منصوصٌ عليه بكلمات محددة في سورة الأحزاب، وهذه علاقةٌ جيدةٌ جدّاً، فليس لمؤمن رجل ولا مؤمنة امرأة مهما كان حالهم وأمرهم ونسبهم، ليس لأحدٍ منهم إذا قضى الله ورسوله أمراً بحلٍ أو بحرمة، افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا، في القرآن أو في السنة، ﴿ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ أن يقول سأفعل كذا، لن أفعل كذا، لا ما عاد لنا اختيار، اخترت الإسلام، اخترت أن تخضع لله عز وجل، كما في سورة السجدة؟ نعم، أنا مسلم، اعترافك هذا يوجب عليك أن تستسلم لكل أَمْر أَمَر الله به ولكل نهي نهى الله عنه أو رسوله لصلى الله عليه وسلم، فلا تجادل بعد ذلك في الحلال والحرام، ولا تناقش بعد ذلك في ثوابت الدين، فلا تقل لماذا حرم الله كذا؟ ولماذا كان كذا واجباً؟ ولماذا كان هذا الأمر منهياً عنه؟ ولماذا..
ولماذا..
وكيف، لا لا لا، التزم أولاً، ابدأ بقولك سمعنا وأطعنا ونفذ وتلمس حكمة الله في هذا الأمر فيما بعد، يظهر لك على مدى الطريق أن الله أمرك بالحكمة الكاملة، وأن الله نهاك عن الشر الذي يضرك وأمرك بالخير الذي ينفعك.
في سورة السجدة - في أواخرها - ذكر الله وذكَّر بموسى عليه السلام ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [السجدة: 23]، في سورة الأحزاب وفي أواخرها أيضاً يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ﴾، في السورتين في أواخرهما ذكر الله حال الكفار مع يوم القيامة، حيث يستبعدون وقوعه، هناك يقولون ﴿ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، وهنا ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾، في سورة السجدة - في أواخرها - ذكر الله تعالى وذكَّر بإهلاكه للكافرين من الأمم السابقة ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ [السجدة: 26] آيات يعني يعتبر بمصير السابق، لينتبه هو ويسلك طريق النجاة، ولكن الكافرين لم يفتحوا أعينهم ولم يفتحوا قبولهم ولم يفهموا العبرة مما حدث فوقعوا فيما وقع الأولون فيه، أهلكهم الله تعالى أيضاً، كفار هذه الأمة وذلك كان في غزوة الأحزاب حين تحزَّبوا واجتمعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردهم الله شر ردة وأخزاهم أعظم خزي ونصر عليهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم[12].
وهكذا ترتبط السورتان بارتباطات عظيمة، بقي لنا الإشارة إلى هدف السورة، وهذا هو الأمر الأهم، نتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير، ونفعنا بكل علم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
♦ ♦ ♦
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد..
أحبتنا الكرام، فلقد عرفنا أن هدف السورة، تلك الرسالة المختصرة الموجزة في كل سورة، تتلمس وتلتقط من خلال اسم السورة وطرفيها - أولها وآخرها - فأول السورة أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله ومخالفة المشركين واتباع الوحي والتوكل على الله، هذه الأربعة، وفي آخر السورة يأمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين فينهى الله المؤمنين عن اتباع طريق الكافرين من أهل الكتاب في إيذاء نبيهم عليه السلام ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾، كما يأمرهم بتقوى الله فقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾، ويذكرهم بالأمانة التي هي وحي الله، فالتكاليف الشرعية التي خيرنا الله في القيام بها، تركها لاختيارنا حتى تذهب إلى الله باختيارك، برأيك، بإرادتك، بهمتك، دون جبرٍ من أحد ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وأنت أيها المؤمن من أشرف الإنسانية بتحملك رسالة ربك فأدها كما ينبغي.
فأمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، وكما أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير والكثير في هذا الطريق فاعلم يا مؤمن أيضاً أن طريقك هذا ليس سهلاً، ليس ميسوراً، لا تتمنّ ولا تُؤمِّل أن تدخل الجنة وأنت نائمٌ في البيت، تعيش في الظل، تتوارى بين الناس، لا تواجه مشكلةً، ولا تعاني من إيذاء، إنما الطريق هكذا، فهذه السورة اسمها الأحزاب وعرفنا أن من معنى الأحزاب، من معناها حَزَب بمعنى أحزن، فهذا الأمر شديد ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، ولذلك لما ابتلي المؤمنون في غزوة الأحزاب فزلزلوا زلزالاً شديداً، ولما رأى المؤمنون الأحزاب يتحزبون حولهم ويواجهونهم بقوتهم واجتماعهم ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ هذا هو الذي وعدنا الله به، ووعدنا به رسوله عليه الصلاة والسلام، خطورة الطريق، وعورة الطريق، المشكلات التي تقابلنا في طريق الجنة، هذا منها ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾، لكن أحدنا وهو ذاهبٌ إلى المسجد إذا سمع شائعةً كاذبة خاف ورجع إلى بيته، واختبأ في بيته، ولا يري أن يواجه مشكلةً في سبيل دينه، يريد جنةً سهلة، يريد جنةً دانيةً في يده يأخذها بركعة، يأخذها بسجدة، قد يعطيك الله تعالى بصدق نية، ولكن الأصل ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾.
الأصل ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾، لابد من دفع الثمن، "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة"[13]، فكأن السورة تقول لنا في اختصار، يا أيها الذين آمنوا عليكم باتباع الوحي، وهو أمانة الله عندكم، اتبعوا الوحي الذي جاءكم وأدوه كما ينبغي ولا تتبعوا فيه طريق المخالفين الكافرين والمنافقين من أية أمة، واستعينوا على ذلك بتقوى الله، وفي تحقيق النتائج المستقبلة توكلوا على الله، هذه هي الأسباب وأما الوصول إلى الجنة بالتوكل على الله، تبلغون إن شاء الله تعالى جنة ربكم ورضا ربكم.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لهذا الفهم، ولتحقيقه في حياتنا عملاً فنلتزم بما أمرنا الله به، وننتهي بما نهى الله عنه.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباع، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اخذل واهزم وعذب ورد عنا كيد الكائدين، والأحزاب الكافرين، بحولك وقوتك يا قوي يا متين، اجعلنا أهلاً لنصرك وعزتك، اللهم اجعلنا أهلاً لنصرك وعزتك ولا تذلنا بيد غيرك، اللهم لا نرضى بالذل إلا لك، ولا نريد العز إلا منك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، فاغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريبٌ سميعٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات يا رب العالمين، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.
عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم..
وأقم الصلاة.
[1] انظر: التحرير والتنوير (21/ 245).
[2]انظر: لسان العرب (1/ 308).
[3] أخرجه أحمد (22689)، وأبو داود (1126)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4703).
[4] انظر: خواطر الشعراوي (19/ 11924)، قضايا الفقه والفكر المعاصر، وهبة الزحيلي: (ص77-79)، وراجع موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، مسألة التبنّي، الشيخ عطية صقر.
[5] انظر: تفسير القرطبي (14/ 190)، وتفسير ابن كثير (6/ 424).
[6] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 375).
[7] انظر: التحرير والتنوير (21/ 245).
[8] أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (21207)، وعبد الرزاق في المصنف (5990)، وابن حبان في صحيحه (4428)، والحاكم في "المستدرك (8068)، والبيهقي في السنن (16911)، وابن حزم في المحلى (12/ 175)، وصححه، وحسنه ابن كثير (6/ 335).
[9] الرجم شريعة ثابتة، بإجماع المسلمين، والشبهات حوله واهية، قال في المغني (9/ 39): "ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وانظر: فتح الباري (12/ 120)، مجموع الفتاوى (20/ 398-399)، الرسالة للشافعي: (133، 134).
[10] انظر: المغني (11/ 60).
[11] انظر: زاد المعاد (4/ 266)، والداء والدواء (ص528).
[12] انظر: البداية والنهاية (4/ 105)، زاد المعاد (2/ 288)، السيرة النبوية لابن هشام (3/ 237)، جوامع السيرة، لابن حزم: (ص185)، غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل.
[13] أخرجه الترمذي (2450)، والحاكم (7851)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، والصحيحة: (954), (2335).