النار الحاشرة للناس
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
من أشراط الساعةالنار الحاشرة للناس
فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ: وَآخِرُ ذَلِكَ: "نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ"، وَفِي لَفْظٍ: "وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تُرَحِّلُ النَّاسَ"[1].
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "قُعْرَةٍ" وَبِالقَافِ مَضْمُومَةٌ أَيْ: مِنْ أَقْصَى قَعْرِ أَرْضِ عَدَنٍ[2].
وَ"عَدَن": هِيَ المَدِينَةُ المَعْرُوفَةُ فِي اليَمَنِ جَنُوبَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، وَيُسَمَّى اليَوْمَ البَحْرَ العَرَبِيَّ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ - أَوْ مِنْ نَحْوِ حَضْرَ مَوْتَ - قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، تَحْشُرُ النَّاسَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ"[3].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ سُؤَالَاتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ"[4].
وَالجَمْعُ بَيْنَ مَا جَاءَ أَنَّ هَذِهِ النَّارَ هِيَ آخِرُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الكُبْرَى، وَمَا جَاءَ أَنَّهَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنَّ آخِرِيَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الآيَاتِ الوَارِدَةِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَأَوَّلِيَّتَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَوَّلُ الآيَاتِ الَّتِي لَا شَيْءَ بَعْدَهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَصْلًا، بَلْ يَقَعُ بِانْتِهَاءِ هَذِهِ الآيَةِ النَّفْخُ فِي الصُّورِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الآيَاتِ الوَارِدَةِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ؛ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا أَشْيَاءُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا[5].
• كَيْفَ حَشْرُهَا النَّاسَ؟
أَوْضَحَتِ السُّنَّةُ كَيْفَ تَحْشُـرُ هَذِهِ الـنَّارُ النَّاسَ، فَعَـنْ أَبِي هُـرْيَرَةَ رضي الله عنه، عَـنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةً عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشْرَةً عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا"[6].
• هَذَا الحَشْرُ فِي الدُّنْيَا:
قَالَ النَّوَوِيُّ رضي الله عنه مُعَلِّقًا عَلَى الحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ:
"قَالَ العُلَمَاءُ: وَهَذَا الحَشْرُ فِي آخِرِ الدُّنْيَا، قُبَيْلَ القِيَامَةِ، وَقُبَيْلَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "تَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ وَتُصْبِحُ وَتُمْسِي"، وَهَذَا آخِرُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ" اهـ[7].
فَهَذَا حَشْرٌ فِي الدُّنْيَا، وَقَبْلَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ، كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ الحَشْرِ الَّذِي سَيَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَعْدَ البَعْثِ مِنَ القُبُورِ، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
أَمَّا هَذَا الحَشْرُ فَسَيَكُونُ فِي أَرْضِ الشَّامِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ"[8].
وَرَغَّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سُكْنَى الشَّامِ، عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِاليَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالعِرَاقِ"، قَالَ ابنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بَيَمَنِكُمْ"[9].
أشراط أخرى:
• طلوع الشمس من مغربها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158].
• خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ:
الخَسْفُ مَعْنَاهُ: الذَّهَـابُ فِي الأَرْضِ، يُقَالُ: خُسِـفَ المَكَانُ يُخْسَفُ خَسْفًا، إِذَا ذَهَبَ فِي الأَرْضِ وَغَابَ فِيهَا[10].
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الخُسُوفَاتِ الثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ: "لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ - فَذَكَرَ مِنْهَا -: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ"[11].
[1] صحح: أخرجه مسلم (2901).
[2] "شرح مسلم" للنووي (9/ 215).
[3] أخرجه الترمذي (2217) وقال: حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، وأحمد (5146)، وصححه الألباني في "المشكاة" (6565)، وَقَالَ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
[4] أخرجه البخاري (3329).
[5] "فتح الباري" (13/ 82).
[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (6522)، ومسلم (2861).
[7] "شرح مسلم" (9/ 179).
[8] تقدم تخريجه.
[9] أخرجه أبو داود (2483)، وصححه الألباني.
[10] انظر "لسان العرب" (9/ 67).
[11] تقدم.