تفسير آية: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ...)
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
تفسير: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ...)♦ الآية: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: النساء (35).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وإنْ خفتم ﴾ (علمتم) ﴿ شقاق بينهما ﴾ علمتم خلافاً بين الزَّوجين ﴿ فابعثوا حكماً ﴾ أَيْ: حاكماً وهو المانع من الظُّلم من أقاربه ﴿ وحَكَماً من أهلها ﴾ حتى يجتهدا وينظرا الظَّالم منهما فيأمراه بالرجوع إلى أمر الله أو يُفرِّقا إنْ رأيا ذلك ﴿ إن يريدا ﴾ أَي: الحكمان ﴿ إصلاحاً يوفق الله بينهما ﴾ مِن الزوج والمرأة بالصَّلاح ﴿ إنَّ الله كان عليماً خبيراً ﴾.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ﴾، يعني: خلافا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخَوْفُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِيَسْتَطْلِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ إِنْ كانت رغبته في الصلح أَوْ فِي الْفُرْقَةِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَ﴿ ابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا أَصْلَحا ﴾، يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ، ﴿ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما ﴾، يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً ﴾، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهِلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: تدريان ما عليكما؟ عَلَيْكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، قَالَتِ الْمَرْأَةُ رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلَيْسَ لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ إلا بإذنه، ولا لحكم المرأة أن يخلع على ما لها إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، قَالَ: كَذَّبْتَ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ.
فَثَبَتَ أَنَّ تَنْفِيذَ الْأَمْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَرِضَاهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ دُونَ رِضَاهُمَا، فيجوز لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ دُونَ رضاه ولحكم المرأة أن يختلع دُونَ رِضَاهَا، إِذَا رَأَيَا الصَّلَاحَ فيه كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلرَّجُلِ: حَتَّى تُقِرَّ، أَنَّ رِضَاهُ شَرْطٌ بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لمّا رَضِيَتْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، يعني: ليست الفرقة فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كذبت، حيث أنكرت أن تكون الْفُرْقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ هِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يَشْتَمِلُ عَلَى الْفِرَاقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْوِزْرِ وَذَلِكَ تَارَةً يكون بالفراق وتارة بإصلاح حالهما في الوصلة.
تفسير القرآن الكريم