أرشيف المقالات

إتحاف الأنام ببعض فضائل وخصائص شهر الصيام

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2إتحاف الأنام ببعض فضائل وخصائص شهر الصيام   مقدمة: الحَمْدُ للهِ خَالِق الأنام، فضَّل شَهَر رمضَان على سَائر الشُّهورِ والأيَّام، وجَعلهُ شَهر صِيامٍ وقيامٍ، وشَهرَ عتقٍ وتطهيرٍ من الآثَام، وأُصلِّي وأُسلِّم على النَّبيِّ المصطفى الإمَام، خير من صَامَ وقَامَ، وعلى آله وصَحَابتهِ الكِرَامِ، مَنْ هُمْ في خَيرِ مَقامٍ وأسعدِ مُقامٍ، أما بعد:
فإنه من فضل الله وإنعامه على هذه الأمة، أنه سبحانه وتعالى أكرمها بمواسم الطاعات والقربات، وبأوقات فاضلة تزكو فيها الأعمال الصالحات، وذلك فضلًا منه ونعمة، ومن هذه المواسم: موسم شهر رمضان الذي تتنزَّل فيه الرحمات، ويعم فيه الخير والبركات، وقد حاولت في هذه الورقة أن أجمع جملة من فضائل وخصائص شهر رمضان، راجيًا من الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
أقول: إن شهر رمضان هو خير الشهور عند الله تبارك وتعالى: ♦ فهو شهر أنزَل الله فيه القرآن؛ ليكون هداية إرشاد لبني الإنسان؛ قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
♦ وهو شهر شُرِعَ فيه الصيام؛ ليكون وسيلة للتقوى وتطهيرًا من الآثام؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
♦ وهو شهر يُسَنُّ فيه القيام؛ رغبةً في الأجر وعلوًّا في المقام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[1].
♦ وهو شهر يضاعف فيه الأجر والثواب؛ ليعظُم قدر المؤمنين وينالوا عطايا الملك الوهاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ عمل ابن آدمَ يُضاعف، الحسنةُ بعشر أمثالِها إلى سبعمائة ضِعْف؛ قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصومَ فإنَّه لي، وأنا أجْزي به، يَدَع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي)[2].
♦ وهو شهر فيه تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار، وتُصفَّد الشياطين؛ تحفيزًا للمؤمنين، وترغيبًا للقيام بين يدي رب العالمين، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ)[3].
♦ وهو شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ"[4].
♦ وهو شهر فيه يُستجاب دعاءُ المؤمنين والمؤمنات؛ قضاءً للحاجات ودفعًا للآفات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ)[5].
♦ وهو شهر زيارة البيت الحرام، فيه تعدل حجة للوافدين الكرام،فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا، قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ، وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ[6]).
♦ وهو شهر فيه ينادي مناد على العباد؛ ليكونوا من أهل الخير والرشاد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِر"[7].
♦ وهو شهر فيه تعتق الرقاب؛ ليكتب لها الخلاص من العذاب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ[8].
♦ وهو شهر خُلُوف أفواه الصائمين فيه أطيب عند الله من رائحة المسك والرياحين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ[9].
♦ وهو شهر فرح للصائمين، بالتوفيق للطاعة والقرب من رب العالمين، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)[10].
♦ وهو شهر تهذب فيه الأخلاق والسلوك؛ لتزكو النفس وتخضع لملك الملوك، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم: (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يصخب، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)[11].
♦ وهو شهر الإطعام فيه من أفضل الخصال، وأجل وأعظم الأعمال، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا)[12].
خاتمة: بعد مَا سَبقَ ذِكْرُه مِن فَضَائل وخَصائِصَ لِشَهر رمَضَان، أقول: إن مَنْ لم تنلهُ رحمةُ الله في هذا الشَّهر لَهُو المحروم الذي حُرم خيري الدنيا والآخرة، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَلَمَّا نَزَلَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتُ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، قَالَ:إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ[13].
اللَّهُمَّ اجْعَلنَا ممَّن يصُومُ ويقُومُ رمضَان إيمانًا واحْتِسَابًا، اللَّهُمَّ آمين


[1] صحيح البخاري - كتاب الصوم - باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونية. [2] بحر الفوائد رقم 57. [3] صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب فضل شهر رمضان. [4] سنن ابن ماجه - كِتَاب الصِّيَامِ - بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ. [5] سنن الترمذي - كتاب الدعوات - باب في العفو والعافية. [6] صحيح البخاري - كتاب العمرة - باب عمرة في رمضان. [7] سنن الترمذي- كِتَاب الصَّوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَان. [8] سنن الترمذي- كِتَاب الصَّوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ. [9] صحيح البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم. [10] صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب فضل الصيام. [11] صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب فضل الصيام. [12] سنن الترمذي - كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في فضل من فطر صائمًا. [13] فضائل شهر رمضان لابن شاهين - بَابٌ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ فيه من البركة والرحمة، وينظر: البر والصلة لابن الجوزي - البَابُ الثَّالِث عَشَرَ فِي إِثْمِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢