أرشيف المقالات

ويؤثرون

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
ويؤثرون


خُلُق الإيثار، وما أدراك ما خلق الإيثار؟!
إنه لعزيزٌ، ندَر أن تجده في زماننا هذا، قد شح به الكثير، بل قد لا يعرفه أيضًا الكثير من البشر، فنداء المصالح، وتبادُل المنافع، هو أكثر ما عُرف في زماننا هذا، والمشتكى إلى الله وحده.
 
الإيثار خُلق أصيل، لا يتولد عن موقف أو تجرِبة، أو فعل أحدهم، أو رد جميل، فحسبُ، لا، بل هو خُلق استحق أن يجاهد الإنسان من أجله، وحق له ذلك، هذا الخلق الذي يطمع فيه الكثير، ويبغيه الإنسان مِن كل مَن حوله، ولا يفكر في تحصيله لنفسه أو حتى تعلُّم كيف يكون ومتى يفعله هو!
 
إن حدث معنا كان بها ونِعْمَت، وإن طُلِب منا فعله، أو تحتم علينا ذلك في بعض المواقف، اختلف الأمر تمامًا من جميع الجهات، وقد ننسى قول الله عز وجل: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، اقترن الفلاح في الآية الكريمة بالإيثار، مع وجود الحاجة الملحة التي قد تمنعنا منه، وهي الخصاصة! فأين نحن مِن هذا الخُلق العظيم؟ الذي بدوره قد يدفعنا إلى أخلاق كريمة شتى، نتعلم منه أن نربي أنفسنا، وأنْ لا شيء يستطيع إيقافنا عن غايتنا، وأن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله هي الجنة، رزقنا وإياكم الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب.
 
فهل يستحقُّ هذا منا أن نجاهد أنفسنا، وأن نسبح ضد تيار الحياة والمشتهيات الدنيوية البحتة؟!
هل مِن قائل: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]؟
هل نُؤثر رضا الله وما يحبُّه على ما نشتهي مِن مُتع الدنيا؟!
 
أليس منا مَن يفقه أن هذه الدنيا هي الجسر الذي نعبر عليه للآخرة، وليست هي دار القرار، حتى نُشيِّدها ونبنيها، ونتقن الصنيع في الفانية، ونترك الباقية؟!
 
أليس منا رجل رشيد؟!
ألا يستحق الأمر وقفة محاسبة مع النفس قبل أن نحاسب الآخرين؟!
الإيثار ليس خلقًا فرديًّا فحسب، بل قد يكون مَن تحلى به أجملَ في الأخلاق الأخرى، فلا يمكن أن يوجد هذا الخُلق وحدَه في أي إنسان كان؛ لأنه يحتاج إلى مساندة مِن باقي الأخلاق، لا يمكن إلا بالمجاهدة والمثابرة، وإنكار الذات، والتخلي عن معظم الشهوات وحظ النفس والشيطان، والتدريب والمثابرة، واحتساب الأجر، والإخلاص لله الواحد القهار.
فاللَّهم حبِّب إلينا الإيثار، فللإيثار حلاوة لا يعرفها إلا مَن ذاقها؛ فمَن ذاق عرَف، ومَن عرَف فقد نال الشرف.
 
دمتم في طاعة

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣