ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾آيةٌ كريمةٌ تُخبِرُنا وتُجلِّي لنا حالَ المعْرِض العاشي عن ذِكْر الرحمن، هذا الذي كَفَرَ، وأعرَض عن ذِكْر الرحمن، ذكر كامنٌ جَلِيٌّ ظاهر على الإنسان، يعيه ويَبْلُغُه فِطرةً وملاحظة، فكان لزامًا على الإنسان عدمُ الإعراض والغفلة عن ذكر الرحمن ربِّ الإنسان وخالقه وفاطره وهاديه، وإعلان العبوديَّة والخضوع والتسليم له، والنظر إلى آياته ونِعَمِه، وما يَستتبع ذلك من عملٍ صالحٍ، وتَقَيُّدٍ بالمنهج السليم الذي فُطِر عليه الإنسان، فتكون بذلك نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة.
كذلك الآية الكريمة كشفَتْ لنا حال هذا العاشي المعرِض عن ذكر الرحمن، فإعراضُه وكُفْره يكونان سببًا في تقييض شيطانٍ، فهو له قرين، فكأن هذا الذي يعشو ويُعرِض عن ذِكْر الرحمن قد ابتعَد عن المنهج الحقِّ؛ منهج الخير والصلاح والعقيدة الفطريَّة السليمة والصحيحة، فأصبح الشيطانُ له قرينًا.
فما بعد سبيل الله سبحانه - سبيل الحق والرشاد - إلَّا سبيل الشيطان والضلال والعصيان والطُّغْيان، فالنفس المؤمنة غير المعرضة عن ذِكْر الرحمن الطائعة، هي نَفْسٌ عدوةٌ للشيطان، ساعيةٌ إلى ابتغاء مرضات الله سبحانه، عكس النفس البعيدة المعرضة عن ذِكْر الرحمن عز وجل، فبُعْدُها وإعراضُها كان سببًا حتميًّا في أن يكون عملُها وفعلُها مُندرِجًا في خانة الضلال والعصيان وعبادة الشيطان؛ إذًا هي آيةٌ كريمةٌ شخَّصَتْ لنا حالة الإنسان التي لا مفرَّ منها، ولا بدل عنها؛ فإما أن يكون ذاكرًا للرحمن وآياته، مؤمنًا مسلمًا بذلك حجَّةً ويقينًا وصِدْقًا وعملًا صالحًا، وإما أن يكون مُعْرِضًا عاشيًا كافرًا بذِكْر الرحمن؛ فيكون بذلك عابدًا للشيطان، ويكون عملُه وفعلُه مُنافيًا للمنهج الحقِّ وللعقيدة السليمة.
حالٌ ووضعيَّةٌ بيَّنَتها لنا هذه الآية الكريمة، فيجب على المؤمن تدقيقُ النظر إليها واستيعابها، ناظرًا بذلك إلى نفسه وأعماله وأفعاله، مُشخِّصًا لحاله ووضعه في ظلال هذه الآية العظيمة.
هل هو ذاكرٌ للرحمن، ناظر متوقِّف عند آياته ونِعَمه، وما يستتبعه من عقيدة صافية، وعملٍ صالحٍ؟ أو أنه مُعرضٌ عن ذِكْر الرحمن؛ ولذلك فقد ظهر وقُيِّض له شيطانٌ فهو له قرين، وبان ذلك من خلال أفعاله وأعماله؟!