أرشيف المقالات

أسماء القرآن (1) الفرقان

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
أسماء القرآن (1)
الفرقان

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
♦ معنى «الفرقان» في اللغة:
جاءت لفظة: «الفرقان» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:
الفرقان: يقوم على ثلاثة حروفٍ أصول، هي الفاء والراء والقاف، وهو كما يقول ابن فارس: «أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييزٍ وتنزيلٍ بين شيئين.
مِنْ ذلك الفَرْق: فَرْقُ الشَّعَر، يُقال: فَرَقْتُه فَرْقًا...
والفُرْقان: الصُّبْح، سُمِّي بذلك؛ لأنه به يُفْرق بين اللَّيل والنَّهار، ويُقال: لأَنَّ الظُّلْمة تتفرَّق عنه»
[1].
و«فَارَقَ فلان امرأَته مُفَارقةً وفِراقًا: بَايَنَها»[2].
 
والفَرْقُ يُقارب الفَلْقَ في المعنى، لكن الفَلْقُ يقالُ اعتبارًا بالانْشقاق، بينما الفرقُ يقالُ اعتبارًا بالانفصال، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ ﴾ [البقرة: 50].
 
والفُرقان أبلغ من الفَرْقِ؛ لأنه يُستعمل في الفرق بين الحق والباطل فَرْقًا جليًا بغير شبهة، بينما الفَرْقُ يستعمل في هذا المعنى وفي غيره [3].
 
«والفرقان في الأصل مصدر فرَق؛ كالشُكران والكُفران والبُهتان، ثم أُطلق على ما يُفرق به بين الحق والباطل، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ [الأنفال: 41].
وهو يوم بدر»
[4].
 
♦ معنى «الفرقان» اسمًا للقرآن:
سمَّى الله تعالى القرآنَ فرقانًا في أربع آيات من كتابه المبارك، وهي:
1- قوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
2- قوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 4].
3- قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
4- قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
 
قال الشَّوكاني رحمه الله: «قرأ عليٌّ وابن عباس وابن مسعود وأُبيُّ بن كعب وقتادة والشَّعبي ﴿ فَرَّقْنَاهُ ﴾ بالتَّشديد؛ أي: أنزلناه شيئًا بعد شيء لا جملةً واحدة.
 
وقرأ الجمهور ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ بالتخفيف؛ أي: بَيَّناه وأوضحناه، وفَرَقْنا فيه بين الحق والباطل»
[5].
 
واختلف المفسِّرون في سبب تسمية القرآن بالفرقان على أقوال [6]:
1- سُمِّي بذلك؛ لأن نزوله كان مُتَفَرِّقًا أنزله تعالى في نَيِّفٍ وعشرين سنة، في حِين أَنَّ سائر الكتب نزلت جملة واحدة [7].
وتَشْهَدُ له قِراءةُ التَّشديد: ﴿ فَرَّقْنَاهُ ﴾.
 
2- سُمِّي بذلك؛ لأنه يَفْرُقُ بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والخير والشَّر، والهدى والضَّلال، والغي والرَّشاد، والسَّعادة والشَّقاوة، والمؤمنين والكافرين، والصَّادقين والكاذبين، والعادلين والظَّالمين، وبه سُمِّي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفاروق.
وتشهد له قراءة الجمهور: ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ بالتَّخفيف.
 
وقد بَيَّن ابن عاشور رحمه الله سبب تسمية القرآن بالفرقان بقوله: «ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السَّماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإنَّ القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وَحَسْبُك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجد مِثْلَه في التوراة والإنجيل كقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]» [8].
 
والقرآن العظيم فارِقٌ بين نهجٍ في الحياة ونهج، وبين عهدٍ للبشرية وعهد، فهو يُقرر منهجًا واضحًا لا يختلط بأي منهج آخر مما عرفته البشرية قبله.
فهو فرقان بهذا المعنى الواسع الكبير.
فرقان ينتهي به عهد الخوارق المادية ويبدأ به عهد المعجزات العقلية، وينتهي به عهد الرِّسالات المحلِّية الموقوتة ويبدأ به عهد الرسالة العامة ﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
 
3- قيل: الفرقان هو النَّجاة، وهو قول عكرمة والسُّدِّي، سُمِّي بذلك؛ لأن الخلق في ظلمات الضلالات، وبالقرآن وَجَدوا النَّجاة.
وعليه حَمَلَ المفسِّرون قولَه تعالى: ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 53] [9].
 
وسواءٌ كانت سببُ تسمية القرآن العظيم بالفرقان؛ لأنَّ نزوله كان متفرِّقًا في نَيِّفٍ وعشرين سنة، بينما سائر كتب الله تعالى نزلت جملةً واحدة، أم سُمِّي بذلك؛ لأنه يَفْرُقُ بين الحقِّ والباطل؛ أو لأنَّ فيه نجاةً من ظلمات الضَّلالات.
فهذا الاختلاف في التَّنوُّع يدلُّ دلالةً صريحة على عظمة القرآن، ورفعة منزلته عند الله تعالى، وعلوِّ شأنه.

[1] معجم مقاييس اللغة (2/ 350)، مادة: «فرق».
وانظر: مختار الصحاح (ص209)، مادة: «ف ر ق».

[2] لسان العرب (10/ 300)، مادة: «فرق».

[3] انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني (ص379، 380)، مادة: «فرق».

[4] التحرير والتنوير (3/ 11).

[5] فتح القدير (3/ 377).

[6] انظر: التفسير الكبير، للرازي (24/ 40)، تفسير ابن كثير (3/ 309)، تفسير السمعاني (4/ 5)، معاني القرآن، للنحاس (5/ 8)، فتح القدير (1/ 312)، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير (13/ 7-10)، أضواء البيان، للشنقيطي (6/ 5، 6)، تفسير السعدي (1/ 577)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1/ 279)، الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/ 145)، الهدى والبيان في أسماء القرآن، للبليهي (2/ 37-40).

[7] وقد ذَكَرَ الرازي في: «التفسير الكبير» (24/ 69)، أَوْجُهَ الحكمة في نزول القرآن مُنجَّمًا ومُفرَّقًا خلافًا للكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة، ذَكَرَ ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [الفرقان: 32].
فَلْيُراجَعْ، فهو كلامٌ نَفِيس ومن الأهمية بمكان.

[8] التحرير والتنوير (1/ 71).

[9] انظر: التفسير الكبير، للرازي (2/ 14).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢