أرشيف المقالات

إذا أجر رقيقه مدة ثم أعتقه في أثنائها

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2إذا أجر رقيقه مدة ثم أعتقه في أثنائها
صورة المسألة: أن يؤجر السيد رقيقه لمدة سنة، ثم يعتقه بعد ستة أشهر، فهل تنفسخ الإجارة أو لا؟ قولان للعلماء.   اختيار ابن تيمية: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الإجارة تنفسخ إلا أن يستثنيها في العتق، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].   أقوال العلماء في المسألة: القول الأول: أن العتق ينفذ والإجارة لا تنفسخ حتى تتم المدة. وهذا مذهب الشافعية [2]، والحنابلة [3].   القول الثاني: أن الإجارة لا تنفسخ، والعتق لا ينفذ حتى تتم السنة. وهذا مذهب المالكية [4].   القول الثالث: أن العتق ينفذ، والعبد بالخيار إن شاء أمضى وإن شاء فسخ، فإن فسخ فأجر ما مضى للمولى، وإن أمضى فأجر ما يستقبل للعبد، إلا إن كان المولى قبض الأجرة كاملة فلا شيء له. وهذا مذهب الحنفية [5].   القول الرابع: أن العتق ينفذ، والإجارة تنفسخ إلا أن يستثني الإجارة في العتق فلا تنفسخ [6]. وهذا قول ثانٍ عند الشافعية [7]، وهذا اختيار ابن تيمية.   أدلة القول الأول: 1- أنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق، فيطرد حكمها بعده [8]. 2- القياس على ما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول الزوج بها [9]. 3- أن عقد الإجارة عقد لازم عقده على ما يملكه فلا ينفسخ بالعتق، كما لو زوج أمته ثم باعها [10]. 4- أما نفاذ العتق فلقوة العتق في السريان، كما لو أعتق شركاً له في عبد فإنه ينفذ لتشوف الشارع إلى العتق.   أدلة القول الثاني: 1- استدلوا على عدم فسخ الإجارة بأدلة القول الأول السابقة. 2- واستدلوا على عدم نفاذ العتق؛ لأنه لم يصادف محلاً فمنفعة العبد مستحقة للغير، ولو عتق لأدى إلى بطلان ما التزم به للمستأجر، والالتزام الأول سابق على الالتزام الثاني بالعتق فلا يبطله، وقد ارتبط بحق آدمي، وهي مبنية على المشاحة.   أدلة القول الثالث: 1- القياس على الصبي إذا بلغ، فإنه بالخيار [11]. 2- أما العتق فينفذ؛ لأنه صدر من أهل في محل مملوك، ونفاذ العتق لا يقف على إمكان التسليم، بدليل إعتاق الآبق [12]. 3- وأما ثبوت الخيار للعبد؛ فلأن العقد على المنافع ينعقد شيئاً فشيئاً على حسب حدوثها، فيصير بعد الحرية كأنه عقد عليه ابتداءً فكان له خيار الإمضاء والفسخ، فإن فسخ بطل العقد فيما بقي وسقط عن المستأجر الأجر فيما بقي، وكان أجر ما مضى للمولى لأنها بدل منفعة استوفيت على ملك المولى بعقده، وإن أجاز وأمضى فالأجرة فيما يستقبل إلى تمام السنة تكون للعبد؛ لأنها بدل منفعة استوفيت بعد الحرية فكانت له.   أدلة القول الرابع: 1- أما نفاذ العتق، فلما سبق من الأدلة. 2- وأما فسخ الإجارة؛ فلأنه من لوازم نفاذ العتق، إذ الحر ليس لأحد عليه يد، ولا يجوز لأحد أن يؤجره ولا يتصرف فيه، فالحر له حرمة لا تنتهك [13]. أما إذا شرط ذلك في العتق فله شرطه كالتدبير والعمرى والرقبى. 3- القياس على ما لو أجر الولي الصبي مدة ثم بلغ في أثنائها، فإنه ينفسخ كما هو وجه في مذهب الحنابلة [14].   الترجيح: والراجح - والله أعلم - هو القول الرابع: 1- لقوة أدلته وظهورها، ولأنه أقرب للنص كما في حديث "من أعتق شركاً له في عبد..." الحديث [15]، حيث يعتق العبد من نصيبه، فيدل على قوة العتق وسريانه، وإذا ثبت العتق لزم منه فسخ الإجارة؛ لأنها لم تصادف محلاً وهي مما ينعقد شيئاً فشيئاً، ومن شروط صحة الإجارة: أن تكون مما يباح إجارته، والحر لا يجوز العقد عليه إلا بإذنه.   2- أن الضرر الحاصل على الرقيق بعد عتقه بالإجارة أعظم من الضرر الحاصل على المستأجر؛ إذ المستأجر يعطى حقه المتبقي ويستأجر غيره.   3- سلامته من التناقض، لأن من لوازم القول بنفاذ العتق: انفساخ الإجارة أو العكس، فمن قال بعدم نفاذه لزمه صحة الإجارة ونفاذها.   وسبب الخلاف: الخلاف في قاعدة فقهية مذهبية وتقريرها وهي عند الحنابلة: أن استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها كالاستثناء في العقد، ولهذه القاعدة فروع منها مسألتنا هذه [16].   ومن ثمرات المسألة: نفقة الرقيق أثناء مدة الإجارة على مَنْ تكون، وكذلك الأجرة لمن تكون؟ هل تكون للسيد أو للرقيق؟ [17].


[1] انظر: قواعد ابن رجب: (42 ق 34)، الإنصاف: (6/38)، حاشية ابن قاسم: (5/300). [2] انظر: مغني المحتاج: (2/486)، حاشية قليوبي: (3/86)، أسنى المطالب: (2/414، 433). [3] انظر: المغني: (8/47-48)، قواعد ابن رجب: (42 ق 34)، الإنصاف: (6/38)، كشاف القناع: (3/567)، شرح المنتهى: (2/363)، مطالب أولي النهى: (3/620)، حاشية ابن قاسم: (5/300). [4] انظر: المدونة: (2/446)، منح الجليل: (7/528)، حاشية الخرشي: (7/33)، التاج والإكليل: (7/567). [5] انظر: بدائع الصنائع: (4/199)، تبيين الحقائق: (5/141)، الجوهرة النيرة: (1/266)، البحر الرائق: (8/37)، مجمع الأنهر: (2/396)، حاشية ابن عابدين: (6/77). [6] انظر: قواعد ابن رجب: (42 ق 34). [7] انظر: أسنى المطالب: (2/414-433)، حاشية قليوبي وعميرة: (3/86)، تحفة المحتاج: (6/173)، مغني المحتاج: (2/486)، نهاية المحتاج: (5/306)، تحفة الحبيب: (3/216). [8] انظر: المغني: (8/47). [9] انظر: المغني: (8/47)، قواعد ابن رجب: (42). [10] انظر: المغني: (8/47). [11] انظر: المغني: (8/47)، بدائع الصنائع: (4/199). [12] انظر: بدائع الصنائع: (4/199)، البحر الرائق: (8/37)، تبيين الحقائق: (5/141). [13] انظر: قواعد ابن رجب: (42). [14] انظر: قواعد ابن رجب: (42). [15] سبق تخريجه ص: (281). [16] انظر: قواعد ابن رجب: (42). [17] انظر: المغني: (8/47، 48)، بدائع الصنائع: (4/199).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢