لمحات من آداب البشارة وفوائدها في الإسلام
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
لمحات من آداب البشارة وفوائدها في الإسلامهناك جملة من الآداب المهمة التي تدور حول البشارة والُمبشِر والُمبشَر، ومن أهم هذه الآداب ما يلي:
أولًا: أن البشارة بالخير مستحبة، فقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتسابقون عليها، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث: (...
فإذا رَجُلٌ قائمٌ يُصَلِّي في المسجدِ، فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم يَستَمِعُ قِراءَتَهُ، فلمَّا كِدْنا أنْ نَعْرِفَهُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم: مَن سَرَّهُ أنْ يَقْرَأَ القُرآنَ رَطْبًا كما أُنزِلَ، فلْيَقْرَأْ على قراءَةِ ابنِ أُمِّ عَبْدٍ، قال: ثُمَّ جَلَس الرَّجُلُ يَدْعو، فجَعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم يقولُ: سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ، قال عُمرُ: قلتُ: واللهِ لأَغْدُونَّ إليه فلَأُبَشِّرَنَّهُ، قال: فغَدَوْتُ لِأُبَشِّرَهُ، فوجَدْتُ أبا بكرٍ قد سبَقَني إليه فبَشَّرَهُ، ولا واللهِ، ما سَبَقْتُهُ إلى خيرٍ قَطُّ إلَّا وسَبَقَني إليه).
ثانيًا: أن يقدم المبشَر مكافأة أو هدية للمبشِر على بشارته، وفي قصة كعبٍ بن مالك رضي الله عنه، عندما تخلف عن غزوة تبوك، ثم جاءه البشير بالتوبة، نزع لـه ثوبيه، وكساهما إياه نظير بشارتـه[1].
ثالثًا: في بعض أنواع البشارة يحبذ التمهيد لها، لا أن تكون دفعة واحدة، فإن ذلك قد يضر المبشَّر.
قاله الرازي - رحمه الله تعالى - في معـرض تفسير قـول الله تعالى: ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيـمٍ ﴾[2]، حيث قال: ومن أدب البشارة أن لا يخبر الإنسان بما يسره دفعة؛ فإنه يورث مرضًا، يدل عليه أنهم جلسوا، واستأنس بهم إبراهيم عليه السلام، ثم قالوا: نبشرك ثم ذكروا أشرف النوعين وهو الذكر، ولم يقتنعوا به حتى وصفوه بأحسن الأوصاف.
رابعًا: على من يبشَّر بخبرٍ سارٍّ أن يحمد اللّه تعالى ويثني عليه؛ لما روي عن عمرو بن ميمونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حين أرسـل ابنه عبد اللّه إِلَى عَائِشَـةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قال: (فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنِّي لَسْتُ الْيــَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَـعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَـاءَ.
قَالَ: ارْفَعُـونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَـالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ) [3].
خامسًا: نزول المبشِّر على المبشَّر؛ لأن الملائكة أرسلهم الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، فنزلوا عنده في بيته، وبشروه بإنجاب الولد.
سادسًا: أن تكون البشارة حقيقية وصادقة وواقعية وممكنة.
سابعًا: أن يكون المبشر معروفًا بالصدق والأمانة؛ حتى تُقبل بشارته، بخلاف ما لو كان عكس ذلك.
فوائد البشارة:
للبشارة فوائد عظيمة: دينية، وتربوية، ونفسية، واجتماعية، واقتصادية.
ومن أهم هذه الفوائد:
1- فيها تأسٍّ بعباد الله الصالحين، وفي مقدمتهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن سار على نهجهم؛ قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].
2- البشارة تجلب الطمأنينة وسكون النفس.
3- البشارة تؤلف بين القلوب، وتزيد الألفة والمحبة بين الناس.
4- حب المبشر لمن يبشره واستئناسه به.
5- حصول المثوبة والأجر العظيم من الله تعالى؛ نظير إدخال السرور والفرح على قلب أخيه المسلم.
6- دليل على صفاء القلب ومحبته للآخرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] ( انظـر: صحيح البخاري، حديث رقم: 4066، كِتَاب: الْمَغَازِي، بَاب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة: 118].
[2] ( الذاريات: 28)
[3] (صحيح البخـاري، حديث رقم: 3424، كِتَاب: الْمَنَاقِبِ، بَاب: قِصَّةِ الْبَيْعَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفِيهِ مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).