أرشيف المقالات

هل في الجنة موت؟

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
سؤال يبحث عن إجابة
هل في الجنَّة موت؟

الجواب: لا، وإذا كان الجواب بالنفي، فما معنى قوله - تعالى -: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 56]؟
 
قال ابن الجوزي - رحمه الله - في "زاد المسير" (7/351 - 352): "قوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن ﴿ إِلَّا ﴾، بمعنى "سوى"، فتقدير الكلام: لا يذوقون في الجنَّة الموت سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا، ومثله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [النساء: 22]؛ بمعنى: سوى ما قد فعل آباؤكم؛ (هذا قول الفراء والزجَّاج).
 
والثاني: أن السعداء حين يموتون يصيرون إلى الرَّوح والرَّيْحان، وأسباب من الجنَّة يَرَوْن منازلهم منها، وإذا ماتوا في الدنيا، فكأنهم ماتوا في الجنَّة؛ لاتصالهم بأسبابها، ومشاهدتهم إياها؛ (قاله ابن قتيبة).
 
الثالث: أن "إلا" بمعنى "بَعْد" كما ذكرنا في أحد الوجوه في قوله: ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [النساء: 22]؛ (وهذا قول ابن جرير)؛ اهـ.
 
وقال ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره":
وقوله: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ﴾ [الدخان: 56]، هذا استثناء يؤكِّد النفي، فإنه استثناء منقطع، ومعناه: أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا، كما ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُؤتَى بالموت في صورة كبشٍ أملح، فيُوقَف بين الجنَّة والنار، ثم يُذبَح، ثم يقال: يا أهل الجنَّة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت))، الموتُ حق على الجِنِّ والإنس.
 
قال الشيخ عمر سليمان الأشقر - رحمه الله - كما في "القيامة الصغرى" (ص 18):
"الموت حتم لازم، لا مناصَ منه لكل حي من المخلوقات؛ كما قال - تعالى -: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، وقال: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 26 - 28]، ولو نجا أحدٌ من الموت لنجا منه خيرة الله من خلقه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقد واسى الله رسولَه بأن الموت سنتُه في خلقه، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34].
 
وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية"، والحاكم في "المستدرك" وغيرهم عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عِشْ ما شئتَ فإنك ميِّت، وأحبِبْ مَن شئت فإنك مفارقُه، واعمل ما شئتَ فإنك مجزيٌّ به، واعلم أن شرفَ المؤمن قيامُه الليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس))؛ (صحيح الجامع: 73).
 
وجاء في كتاب "الزهد والرقائق" لابن المبارك (ص 88) عن أبي الدرداء - أو أبي ذر - قال: "تُولَدون للموت، وتعمرون للخراب، وتحرصون على ما يفنَى، وتذرون ما يبقى".

شارك الخبر

المرئيات-١