أرشيف المقالات

مبنى العبادة في الشريعة الإسلامية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
مبنى العبادة في الشريعة الإسلامية

مبنى العبادة في الشريعة الإسلامية يقوم على قاعدتين مهمتين:
الأولى: ألا يعبد إلا الله وحدَه.
الثانية: ألا يعبد إلا بما شُرِعَ على لسان رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

فالعبودية لله - تعالى - هي غاية الوجود الإنساني في الحياة الدُّنيا، وقد تعرَّض القرآن الكريم لها، وبَيَّنَ ما اشتملت عليه من المقامات العالية، وأشار القرآنُ إليها في كثيرٍ من آياته، ودعا إليها، وحَثَّ عليها، ومدح أهلَها القائمين بها وبحقوقها، وأثنى بها على أنبيائه ورُسله - عليهم السلام - ووعدهم بالأمن يومَ القيامة من الفزع والأهوال، وبالفوز بجنَّات النعيم في دار الخلود الأبدي، ومن ثَمَّ أمر بها عبادَه الصالحين، بَدْءًا من الأنبياء والمرسلين، وشرعها لهم ولأتباعهم من بعدهم، وأمرَهم بالإخلاص فيها، وجعل دعوتَهم جميعًا إليها:
كما قال الله - سبحانه -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36].

وبهذه العبادة أرسل جميع الرسل، كما قال نوح - عليه السَّلام - لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم - عليهم السلام - لأقوامهم.

وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 24]، وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]، وقال أيضًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، واليقين هنا هو: الموت.

كما وصف - سبحانه - ملائكتَه وأنبياءَه بالعبودية، فقال تعالى: ﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19 - 20].

وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].

ومن هنا ندرك - أيُّها الشباب - أنَّ تقريرَ حقيقةِ العبودية في حياة الناس يُصحِّح تصوراتِهم ومشاعرهم، كما يصحح حياتهم وأوضاعهم، فلا يُمكن أن تستقرَّ التصورات والمشاعر، ولا أن تستقر الحياة والأوضاع على أساسٍ سليم قويم، إلاَّ بهذه المعرفة وما يتبعها من إقرار، وما يتبع الإقرار من آثارٍ عندما تستقر هذه الحقيقة بجوانبها في نفوس الناس، وفي حياتهم يلتزمون بمنهجه وشريعته، ويستشعرون العِزَّةَ أمام المتجبرين والطُّغاة، حين يخرون لله راكعين ساجدين يذكرونه، ولا يذكرون أحدًا إلا الله، تصلح حياتهم وترقى، وتكرم على هذا الأساس.

إنَّ استقرارَ هذه الحقيقة الكبيرة في نفوسِ المسلمين، وتعليق أنظارهم بالله وحدَه، وتعليق قلوبهم برضاه، وأعمالهم بتقواه، ونظام حياتهم بإذنه وشرعه ومنهجه دون سواه، في هذه الحياة.

فأما ما يجزي الله به المؤمنين المقربين بالعبودية العاملين للصالحات في الآخرة، فهو كرم منه وفضل في حقيقة الأمر، وفيض من عطاء الله[1].

من هنا نعلم جيدًا أن الغاية الكبرى، والمنطلق القويم إنَّما هو من العبادة وللعبادة والتوحيد الخالص لله -تعالى- لأنَّ تَحقيق هذه الغاية، وهذا المنطلق هو طريقُ إقامة خلافة الإسلام الراشدة على مِنْهاجِ النبوة، كما أخبر -تعالى- في كتابه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 55 - 56].

[1] "في ظلال القرآن"، (2 /280).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢