أرشيف المقالات

نظرة إلى الداعية في العصر الحاضر

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
نظرة إلى الداعية في العصر الحاضر
 
الداعية إلى الله له مكانةٌ عظيمة، وأهمية بالغة، وشرف تام؛ وذلك لما يقوم به مِن الدعوة إلى دين الله عز وجل وعبادته، وبيان وتوضيح أحكام شريعة الإسلام وأخلاقه وآدابه وفضائله، وما يكفُله من سعادة وهناء في الدنيا والآخرة، فالداعية وارثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والقائم مقامه في إبلاغ دين الله وشرعِه.
والداعيةُ إلى الله في هذا العصرِ واجباتُه كبيرة، ومسؤولياته عظيمة، وهو يختلف عن الداعية السابق من حيث ظروف المدعوِّين، ووسائل الدعوة وأساليبها، ولا شك أن ظروف الدعوة وأحوال المدعوين تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال، فلكل زمان خصائصُه، ولكل مكان ملامحُه، ولكل مجتمع سماته وطبائعه، فالاختلاف بين الداعية في هذا العصر وبين الداعية السابق ليس في موضوع الدعوة ومحتواها؛ لأن موضوع الدعوة مستمد مما جاء به الله سبحانه وتعالى في كتابه أو على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالدعاة إلى الله تعالى في الماضي والحاضر منهجُهم ودعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى توحيد الله والإيمان به، على نور وبصيرة، كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]، فالاختلاف إذًا في الظروف والأحوال المتعلِّقة بالواقع المعاصر، وكذلك في الوسائل والأساليب المتجددة والمختلفة، والتي كان لها الأثر على طبيعة الدعاة وإعدادهم وتكوينهم في هذا العصر.
إضافة إلى ذلك "فإن ما تُواجِهُه الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر من العداء السافر بوسائلَ جديدة لم تكن في السابق، فالصراعُ بين الحق والباطل باقٍ إلى قيام الساعة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، فقُوى الشرِّ والفساد في العصر الحاضر يتفقون مع سابقيهم في الهدف، ولكنهم يختلفون عنهم في الوسيلة؛ فتارة بالعداء السافر، وأخرى بالكيد المستتر، ومرة بالقنبلة والصاروخ، وثانيةً بالصوت والصورة، ولا تفُوتُهم الحروبُ الاقتصادية، أو الضغوط السياسية، فضلًا عن محاولات التشويه والتشكيك في هذا الدين الحنيف"[1].
والداعية في هذا العصر يعيش في زمن يشنُّ أعداء الدِّين حربًا مسعورة عليه، بما زحف على العالم العربي من إلحاد؛ نتيجة لما اصطدم به العقل العلميُّ هناك من متناقضات صارخة في الدين الذي يدين به، فساء ظنُّه بكل دين، وانتشرت المذاهب والآراء التي تستخفُّ بالدين وتزدري بالمتدينين، وتدعو إلى الكفر بالحياة الآخرة، وما يتخايل للناس منها من سراب خادع، كما يزعم الماديون والعلمانيون وغيرهم، فمهمة دعاة الإسلام اليوم هي العمل في ميدانينِ في وقت واحد:
الأول: هو دفع الآراء والأفكار والمذاهب المنحرفة الوافدة علينا من الغرب، وكشف باطلها، وتبصير الشباب المسلم بزيفها وخداعها.
الثاني: هو نقل حقائق الإسلام إلى العالم الغربي الذي فرَّغ كيانه من الدين، وإزاحة هذه الغواشي التي غشَيتْه من الكفر والإلحاد والانحلالِ والضياع[2].
كما أن من مهمة الدعاة إلى الله في هذا العصر "مناظرة أهل العلوم الذين فتَحَتْ لهم علومُهم آفاقًا من التفكير في حقيقة هذا الكون ومدبِّره؛ كعلوم الفلك والكيمياء والأحياء والطب، واستغلال ما توصَّل إليه العلم من اكتشافات حديثة، وأسرار عجيبة في هذا الكون؛ لإثبات مقدرة المولى جل وعلا وأحقيتِه بالعبادة"[3].
ولا يمكن للدعاة في هذا العصر أن يؤدُّوا واجبهم المناط بهم إلا إذا أُعِدُّوا إعدادًا جيدًا، وفق منهج علمي متكامل، يحتوي على دراسات إسلامية مبنيَّة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح، مع العناية بالسيرة النبوية، وكذلك يحتوي على دراسات لغوية وأدبية تُعين على فهم الإسلام وحُسنِ عرضه بأسلوب بليغ، وكذلك دراسات التاريخ الإسلامي بما فيه من أمجاد وبطولات، واستخلاص العِبَر منه، خصوصًا من سير الأبطال ورجال الفكر والدعوة في الإسلام، وكذلك دراسة قدرٍ مناسب من الثقافة العامة والعلوم الحديثة وخاصة العلوم الإنسانية والطبيعية، إضافة إلى دراسة الأديان والمذاهب المعاصرة، وحاضر العالم الإسلامي وأبرز قضاياه، والقوى المعادية للإسلام والفِرَق المنشقة عنه، وكذلك دراسة اللغات الأجنبية؛ حتى يستطيع الدعاة تبليغ رسالة الله لكل إنسان تحقيقًا لعالميَّة الرسالة[4].
فالإعداد الجيد المتكامل المدروس للدعاة إلى الله في هذا العصرِ - يقضي على كثير من المشاكل والعقبات التي تعترض طريق الدعاة، وتسبِّب لهم مشكلات كثيرة ومتنوعة، بعضُها من أنفسهم والأخرى من غيرهم، والتي منها على سبيل المثال: الجهل وهو أسوَؤها؛ لأن عدم العلم بالدين، وعدم العلم بأمور الدنيا، وعدم معرفة الداعي ما يجري حوله من أحداث، وغفلته عن ذلك كلِّه - يجعله قاصرًا ومقصرًا في معرفته الدعوية، وتَحُدُّ من معالجته لمشكلة المدعوِّين.
ومن العقبات والمشكلات اليأسُ والقنوط، وهذا مترتب على قلة العلم، وضحالة الفقه، الذي يُبَصِّر الداعية بما يلزم أن يقوم به حيال الدعوة، فلو كان عالمًا لَما تَسرَّبَ إليه هذا النوعُ من الفتور الدعوي، والخمول الديني، ولَما وجد إليه طريقًا.
وكذلك من المشكلات عدم التثبُّت والتبيُّنِ عند كثير من الدعاة في الأقوال والأفعال والأحوال الصادرة عن الآخرين.
ومن المشاكل أيضًا التشددُ والغلو في غير محلِّه، وكذلك عدم المبالاة والجد في الأمور أو ما يسمى بالتسيب، وهو نوع من الفتور في الهمة، أو عدم الدقة في التخطيط.
ومن المشكلات التي تواجه الدعاةَ في هذا العصرِ الخلافاتُ التي تنشأ بسبب التعصب والحزبية[5].
وغيرها من المشكلات والعقبات التي تواجه الدعاةَ، وتحتاج إلى وقفة جادة وحازمة لمعالجة هذه الأخطاء والمشكلات، وذلك بالحرص على تربية الدعاة تربية صحيحة، وأن ينشؤوا في محاضنَ تربوية صالحة وسليمة، كما نوصي الدعاة أنفسهم والعلماء ورجال الفكر أن يلتقوا ويجتمعوا لبحث القضايا والمشكلات الدعوية، ومحاولة علاجها وحلِّها من خلال عقد اللقاءات والمؤتمرات والندوات، بل واللقاءات الشخصية والتواصل الأخوي، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، أو الجماعات أو الحكومات الإسلامية، والخروج بحلول وتوصيات واقتراحات وإجراءات عملية مثمرة لصالح الدعوة والدعاة.
 

 
[1] منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، د.
سليمان العيد ص 493 مرجع سابق.
 
[2] انظر علي صالح المرشد: مستلزمات الدعوة في العصر الحاضر، ص 55، طبعة مكتبة لينة للنشر والتوزيع، مصر، الطبعة الأولى 1409هـ.
 
[3] منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، سليمان العيد ص 494 مرجع سابق.
 
[4] انظر علي بن صالح المرشد: مستلزمات الدعوة في العصر الحاضر، ص 109 مرجع سابق.
 
[5] انظر محمد زين الهادي العرمابي: الدعوة الإسلامية الشمول والاستيعاب، ص 341 -345، مرجع سابق.
 

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن