أرشيف المقالات

شريعة الله

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
شريعة الله

إن الشريعة الإسلامية صنع الله الذي أتقن كل شيء، والفرق بينها وبين شرائع البشر، كالفرق بين صنع الله وصنع البشر، قد يصنع البشر من الطين تماثيل جامدة ولكنهم لن ينفخوا فيها الروح، وسيبقى الفارق بين الإنسان الذي صنعه الله من قبضة من طين، فإذا هو هذا المخلوق العاقل الحي السميع المبصر، وبين التمثال الذي يصنعه الإنسان - أن التمثال صورة ليس لها حقيقة الإنسان.
 
وما أنزل الله من تشريع إنما هو روح ونور وحياة ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52]، وما يصنعه البشر من شرائع إنما هو نصوص جامدة لا روح فيها، تلفها ظلمات بعضها فوق بعض.
 
أليس من العجيب ألا يبصر بعض الناس ضوء الشمس ساطعة ظاهرة ليس دونها غمام! إن العيب في العيون التي يعشها النهار بضوئه، لا في الشمس التي ترسل النور والضياء فتغمر الكون بأشعتها.
 
وكذلك الشريعة إنما هي شمس، وأولو الألباب لا يخفى عليهم نورها، وإنما يعمي ضوءها أعين خفافيش البشر:
مثل النهار يزيد أبصار الورى ♦♦♦ نورا ويعشي أعين الخفاشِ
 
والذين ألفوا الظلام لا يريدون أن يبصروا النور؛ لأنهم لا يعيشون إلا في الظلام:
خفافيش أعماها النهار بضوئه ♦♦♦ ووافقها قطعٌ من الليل مظلمُ
 
إن الذين ينظرون في هذه الشريعة نظرة خالية من التعصب والهوى، قاصدين التعرف على الحق - لن يجدوا فيها عيبًا، ولن يبصروا فيها نقصًا، وإذا رام أفذاذ الرجال أن يجدوا فيها شيئًا من ذلك فإن البصر ينقلب خاسئًا وهو ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [الملك: 3، 4]، السماوات السبع صنع الله وصنع الله لا عيب فيه، والشريعة أمر الله، والله هو صاحب الخلق والأمر ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، ولن يجد البصر في صنع الله عيبًا، ولن يجد الفكر في أمر الله قصورا ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ [الأنعام: 115].
 
إن شريعتنا الإسلامية كلها محاسن، وكيفما تأمل فيها المتأمل فإنه واجدها كما قال الشاعر:
كالبدر من حيث التفت وجدته ♦♦♦ يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبًا
لقد أتم الله هذه الشريعة المباركة، وحاول الكفار الذين أعمى ضوء الشريعة أعينهم أن يكيدوا لهذه الشريعة وأن يطمسوا ضوءها، ولكن أنى تستطيع الأفواه الضعيفة أن توصل زفيرها إلى الشمس في عليائها، ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ وقد تحطمت مؤامرات الكفرة على صخرة الإسلام القوية الراسخة:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ♦♦♦ فلن يضرها وأوهى قرنه الوعلُ[1]
 
إن الشريعة الإسلامية هي مجموع الأحكام التي شرعها الله لعباده، وذلك من خلال كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد اختصت هذه الشريعة بخصائص، ومن شأنها حمل أهلها على الانقياد لأوامر الله واجتناب نواهيه، وذلك مع الرضا التام والقبول لأحكام الشريعة.
 
وأهم هذه الخصائص:
1- أنها من عند الله:
ومعنى ذلك أن مبادئ الشريعة وأحكامها منزهة عن الظلم والنقص، لأن الذي شرعها هو الله تعالى، والله له الكمال المطلق الذي هو من لوازم ذاته، وبالتالي ستكون أحكام الشريعة لها من الهيئة والاحترام، والتعظيم ما لها في نفوس المؤمنين، فيدفعهم ذلك إلى تنفيذها والالتزام بها.
 
2- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي:
والجزاء الدنيوي يعمل على استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، ويشيع جوا من الأمن والأمان في ربوع المجتمع بأسره، وينعم فيه أهله بالراحة والطمأنينة والسكينة، وأما الجزاء الأخروي فبهه تنزجر النفوس عن مخالفة القانون الإسلامي إما بدافع الاحترام له واستشعار الحياء من الله، وإما بدافع الخوف من العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾.
 
3- عموم الشريعة وبقاؤها:
فالشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾، وهي باقية لا يلحقها نسخ ولا تغير، وحيث إن الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع، ومحمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا يتصور أن ينسخها أو يغيرها شيء.
 
وعموم الشريعة وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل، كل ذلك يستلزم عقلا أن تكون قواعدها وأحكامها على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان، ويفي بحاجاتهم ولا يضيق بها، ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه المجتمع، وهذا كله متوفر في الشريعة الإسلامية، لأن الله تعالى وهو العليم إذ جعلها عامة في المكان والزمان وخاتمة لجميع الشرائع، جعل قواعدها وأحكامها على نحو يجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وهذا ما يدل عليه واقع الشريعة، ومصادرها، وطبيعة مبادئها وأحكامها، وما ابتنت عليه هذه الأحكام)[2].
 
والدليل على ما سبق:
1- ابتناء الشريعة على جلب المصالح ودرء المفاسد.
 
2- مبادئ الشريعة وطبيعة أحكامها سواء كانت على شكل أحكام تفصيلية أو على شكل قواعد ومبادئ عامة، فإنها جاءت على نحو يوافق كل مكان وزمان، ويتفق مع عموم الشريعة وبقائها.
 
3- تتسم مصادر الأحكام بالمرونة، فالكتاب والسنة جاءت أحكامهما على نحو ملائم لكل زمان بالإضافة إلى الإجماع، والاجتهاد بأنواعه كالقياس والاستحسان وغيرهما.
وهذه المصادر تمدنا بالأحكام اللازمة لمواجهة الوقائع التي يأتي بها نص صريح وتعتبر الأحكام المستفادة من هذه المصادر جزءًا من الشريعة باعتبار أن مصادرها مشهود لها بالحجية من قبل الشريعة نفسها.
 
4- شمول الشريعة لجميع شؤون الحياة، فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان، وتبين له أصول العقيدة، وتنظم صلته بربه، وتأمره بتزكية نفسه، وتحكم علاقاته مع غيره، وهكذا لا يخرج من حكم الشريعة أي شيء[3].
 
لذا فإنه يجب على المرأة المسلمة أن تستقبل أحكام الشرع برضاً وتسليم، وألا يخالجها شيء في صدرها منها فتكون بذلك على خطر عظيم.
 
وعليها أيضاً أن تعي تماماً أن الله عز وجل ما حرم عليها شيئًا إلا لمصلحتها، وما أحل لها شيئا أو أوجبه عليها إلا لما ينفعها في الدنيا والآخرة، لذا فيجب عليها المبادرة بامتثال ما أمر الله به من أوامر، واجتناب ما نهى الله عنه من نواه، وألا تتعدى حدوده، فيصح إيمانها بالله، وتكون بذلك المرأة الصالحة التقية.



[1] خصائص الشريعة الإسلامية للدكتور عمر الأشقر.


[2] المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان (46).


[3] المصدر السابق باختصار وتصرف.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١