الحق والباطل
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
خواطر في الدعوة
الحق والباطل
محمد العبدة
وصف الباطل في القرآن الكريم بأنه (زهوق) ، أي: من طبيعته أن يتلاشى
ويضمحل، وتخرج أنفاسه مرة بعد مرة، والتعبير بالفعل الثلاثي (زهق) دليل على
أن الهلاك من طبيعته، ومن معاني الحق: الثبات والصحة، [خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ] [الزمر: 5] ، [وكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ] [القمر: 3] ، (أي: كل
شيء إلى غاية، فالحق يستقر ثابتاً ظاهراً، والباطل يستقر زاهقاً ذاهباً) [1] ،
وهذا من سنن الله الكونية والشرعية، [بلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا
هُوَ زَاهِقٌ] [الأنبياء: 18] وقد جرت سنته في خلقه بأن الضعيف ينتصر بالحق
على القوي، وأن الحق أكبر من أن يُكافَح، ولئن ثبت الباطل أمامه مرة، فقلما
يثبت أخرى [وَيَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ] [الشورى: 24] ، أي: من عادته
ذلك، وقال (تعالى) : [إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] [يونس: 81] أي: لا
يثبته ولايديمه، ولكن يسلط عليه الدمار.
فإذا كانت هذه سنته في خلقه، وإذا كان الباطل بهذه المثابة وهذه المنزلة،
فلماذا نجد أهل الحق مدفوعين مقموعين؟ ولماذا نجد أن حقوقهم مهضومة وأمورهم
ضعيفة؟ ولماذا نرى الباطل قويّاً منتفشاً، قد زرع الأرض طولاً وعرضاً، وصال
وجال حتى ظُن أن لن يبيد! ... أيتغلب الباطل على الحق؟ والكون كله قائم على الحق [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً] [آل عمران: 191] ونواميس الطبيعة وقوانينها قائمة على الحق، والشريعة المنزلة قائمة على الحق، فالكل من عند الله. لا بد أن المسلمين مقصرون في اتباع الحق والتمسك به، فسنن الله لا تتخلف [ومَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً] [طه: 112] ، بل إن المسلمين يقومون بأعمال تفسد عليهم أصل الحق الذي معهم، حتى كثر الباطل في هذه الأيام، وعربد وتكبر (وإنما ثبات الباطل وتماسكه إنما يكون بالتوكؤ على أركان من الحق: كالنظام، ومراعاة سنن الله في الخلق، والأخلاق والسجايا الفاضلة، كالصدق والأمانة، فالحق ثابت في نفسه، والباطل ثابت به، فلو تداعت أركان الحق عند هؤلاء لسقط الباطل) [2] ومن الأشياء المشاهدة لكل ذي بصيرة، والتي يراها الإنسان في كل آن: أن العاقبة للمتقين، لأهل الصدق والعدل والأمانة، وإن ظهر في البداية أهل الظلم والفساد. __________ (1) تفسير ابن عطية، ج14 ص142. (2) مجلة المنار، مجلد 2 ص 646.