Warning: Undefined array key "member_user" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/379f6d1c5f54bdd9f12bcbc99cdb8fd8709cb09e_0.file.header_new.tpl.php on line 271
int(336) array(0) { }

أرشيف المقالات

التاجر المسلم والدعوة إلى الله في إفريقيا

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
التاجر المسلم والدعوة إلى الله في إفريقيا
 
لم يكن عمل التاجر في إفريقيا جنوب الصحراء، أو كما سماها مؤرخونا وجغرافيونا المسلمون بلاد السودان مقتصرًا على عمله في التجارة، بل امتد ليشمل الدعوة إلى الله بين أولئك السكان الذين عرَفهم من خلال وجوده بينهم تاجرًا، وهم - أي السودان - لا يعلمون عن الدين الحق شيئًا، فهم بين تقديس الأصنام التي وصلتهم عبادتها من مشركي شبه الجزيرة العربية، ولا سيما المناطق الواقعة في شرق إفريقيا، وبين تقديس الأفاعي والخراف والبوم والتمساح، وشجرة الجميز التي بمجموعها تشكل ما يُعرف بتاريخنا المعاصر بالطوطم، وبين تقديس حُكامهم من الملوك والأمراء التي وصلتهم عبادتها عن طريق مصر الفرعونية، وبين تقديس أرواح أجدادهم التي ربما كانت من بناة أفكارهم، ولمكانة الجد الأعلى ورئيس القبيلة المتوفى، الذي كانوا ينظرون إلى روحه على أنها المراقب والمحاسب لكل تصرُّفاتهم، فيما تفرد البعض بعبادة إله السماء الذي لم يكن واحدًا فردًا، وإنما اشتركت معه وساعدته آلهة أصغر قد تصل لحد أن يكون الكاهن ممثلًا لها لسهولة الاتصال به.
 
نقول أمام كل ذلك: كان التجار المسلمون يصلون تباعًا إلى المنطقة، ولا سيما تلك الواقعة في السودان الغربي، أو كما تسمى اليوم بغرب إفريقيا، فكان وصوله وعمله هناك يمتد لأسابيع وربما لأشهر، حتى ينتهي من بيع بضاعته وشراء ما يرغب بشرائه من بضائع السودان، وخلال تلك المدة كان لا بد له من الاحتكاك بالتجار السودان، ومن ثم العامة من الباعة وكذلك المتسوقون، وكان التاجر الإفريقي ينظر إلى ذلك التاجر المسلم باستغراب لما يرتديه من ملابس، فيسأله: لماذا ترتدي هذه الملابس الطويلة المحتشمة النظيفة؟ فيجيب التاجر أن ديني هو الذي يأمرني بذلك، فقد دعاني إلى النظافة ويشرح له النظافة بصورة مبسطة مؤيدًا كلامه بأدلة على أهمية النظافة، ثم يسأل الإفريقي ذلك التاجر المسلم عن سبب الاحتشام؟ فيشرح التاجر للإفريقي سبب ذلك الاحتشام والدعوة الإلهية للناس بالاحتشام وضرورة تغطية العورة، فينبهر الإفريقي بكلام التاجر مما يشجعه للتقرب منه أكثر وسماع كلامه.
 
ذلك التلاقي بين الجانبين ساعَد في استمرار التواصل، فالإفريقي بدأ بمشاهدة ذلك التاجر المسلم في السوق، وهو يتقدم من الماء، ويقوم بحركات لم يعتد الإفريقي على مشاهدتها ويسأل التاجر: ما الذي يعنيه هذا؟ فيجيب التاجر هو الوضوء الذي لا بد منه قبل الصلاة التي أمرنا بها الله تعالى وهي فرض علينا، وحينما يصلي يتابعه الإفريقي ويبدأ بفهم ما تقوم عليه تلك الصلاة من التاجر.
 
كل ذلك يحصل بشكل يومي، فضلًا عن ذلك فإن الإسلام دعا الناس إلى الصدق في المواعيد وأداء الأمانة، فنرى التاجر الإفريقي يعجب لمدى الالتزام بمواعيد وصول البضائع التي يجلبها التاجر المسلم، وهو ما لم يعتد عليه التاجر الإفريقي، فهو يتعامل مع الآخرين وسط ضياع كامل للمواعيد وعدم مصداقية، وكل ذلك قربه أكثر من التاجر المسلم، كما أن امتناع التاجر المسلم عن الربا ودعوته الجميع للابتعاد عنها بسبب تحريمها وخطورتها على المجتمع، قرب الأفارقة منه.
 
وفي المحصلة فإن تلك التصرفات التي صدرت عن التجار المسلمين، كانت عفوية دون تصنُّع، ولا هي نابعة من وظيفة تبشير يَمتهنها التاجر، ففي الإسلام لا يوجد مبشرون، وإنما الجميع يصلحون دعاةً إلى الإسلام؛ مما ساعد في ديمومة العمل الدعوي العفوي في بادئ الأمر، وتحوُّله إلى أيدي الفقهاء فيما بعد، والدليل على تقبُّل الأفارقة لأولئك التجار المسلمين، هو انتشارهم في إفريقيا وازدياد أعدادهم للحد الذي أصبح لهم في عاصمة مملكة غانة اثنا عشر مسجدًا، وأحد هذه المساجد تُقام فيه الجُمع والجماعات، كما أن في القسم الذي يسكنه ملك غانة الوثني هناك مسجد يصلي فيه من يفد عليه من المسلمين، وهو دليل على تقبل الملك للإسلام والمسلمين.
 
وبسبب اختلاط التجار بالسكان الأفارقة في عاصمة غانة، بدأ السكان بالدخول في الإسلام، ولا سيما بعد أن عرفوا من أولئك التجار الدعاة أن الدخول في الإسلام سهل جدًّا ولا يستوجب أي عناء على عكس النصرانية مثلًا، فالدخول في الإسلام لا يحتاج سوى النطق بالشهادتين، فدخل فيه الأفارقة بسهولة وسرعة؛ مما مكَّن التجار المسلمين من التقرب أكثر من العامة والخاصة، وبالتالي الوصول إلى قصر الملك الذي نصحه أفراد حاشيته للاستعانة بخبرات أولئك التجار، فمنهم من يصلح وزيرًا، ومنهم من صلح مترجمًا من العربية إلى اللغات الإفريقية والعكس، ومنهم من يفهم في الأمور المالية، ولهذا قال المؤرخ والجغرافي البكري عن ذلك الملك: "إن صاحب بيت ماله ووزراءه وتراجمته من المسلمين".
 
ونتيجة لذلك الانتشار للتجار الدعاة في عاصمة غانا، انتشر الإسلام بسلاسة ويسر وبدون أية معارك، بمحبته في قلوب الناس وبتسامح وحسن أخلاق ناشريه؛ ليصبح فيما بعد دين الكثيرين من السكان الأفارقة الذين أصبحوا هم أنفسهم دُعاة للإسلام.

شارك المقال