أرشيف المقالات

خواطر إيمانية حول منظومة سلم الوصول (12)

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
خواطر إيمانية حول منظومة سلم الوصول (12)


قال الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله -:
فصْل في كون الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية،
وأنَّ فاسق أهل الملَّة لا يكفر بذنب دون الشِّرْك إلا إذا استحلَّه،
وأنه تحت المشيئة، وأنَّ التوبة مقبولة ما لم يُغرْغر
 






226- إِيمَانُنَا يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ
وَنَقْصُهُ يَكُونُ بِالزَّلاَّتِ


227- وَأَهْلُهُ فِيهِ عَلَى تَفَاضُلِ
هَلْ أَنْتَ كَالأَمْلاَكِ أَوْ كَالرُّسُلِ


228- وَالْفَاسِقُ المِلِّيُّ ذُو الْعِصْيَانِ
لَمْ يُنْفَ عَنْهُ مُطْلَقُ الإِيمَانِ


229- لَكِنْ بِقَدْرِ الْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي
إِيمَانُه مَا زَالَ فِي انْتِقَاصِ


230- وَلاَ نَقُولُ إِنَّه فِي النَّارِ
مُخَلَّدٌ بَلْ أَمْرُه لِلْبَارِي


231- تَحْتَ مَشِيئةِ الإِلَهِ النَّافِذَهْ
إِنْ شَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَا آخَذَهْ


232- بِقَدْرِ ذَنْبِه وَإِلَى الْجِنَانِ
يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الإِيمَانِ


233- وَالْعَرْضُ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ فِي النَّبَا
وَمَنْ يُناقَشِ الْحِسَابَ عُذِّبَا






 
لا خِلافَ بين أهل السنة أنَّ الإيمان قول وعمل، يَزيد وينقص؛ يَزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي والزلاَّت، وأَّن أهل الإيمان يتفاضلون فيه، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ﴾ [المدثر: 31]، ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، ﴿ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للنساء: ((ما رَأَيْتُ مِنْ ناقِصاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ))؛ مسلم (250).
 
وأهلُ الإيمان يتفاضلون؛ فإيمان الرُّسل والأنبياء والملائكة ليس كإيمانِ البشر، وظاهر كلام الشيخ تقديمُ الملائكة على البشر، وليس هذا على إطْلاقه؛ بل صالِحو البشر على المآل في الجنَّة أفضلُ من الملائكة، وإنْ كان الملائكة أفضلَ منهم في الجملة وهم في الدنيا.
 
والفاسِق الملِّي - وهو مَن كان مرتكبًا لكبيرة، وهو على التوحيد، ولم يرتكبْ ما يكفِّره - مؤمِن ناقص الإيمان، ولا يختلف أهلُ السنة في عدم تكفيره، ولم يقل بتكفير مرتكِب الكبيرة إلا أهلُ البِدع؛ كالخوارج، والمعتزلة (ومَن تبع نعقَهم من المعاصرين) الذين يقولون بأنَّه في منزلة بيْن المنزلتين، وهو في الآخِرة مخلَّد في النار.
 
فاحمَدِ اللهَ على أنْ جعلَك على المنهج القويم، والطريق المستقيم.
 
وبقدر معصية العبْد ينقُص إيمانُه.
 
وهنا نُثبِت فائدةً مهمَّة في التعامل مع الناس: فالمؤمِنُ الكاملُ الإيمانِ يُحَبُّ من كل وجه، حتى إنَّ الشجر والحجر يحبُّه، والكافر يُبغَض من كل وجه، والمؤمن العاصي يُحبُّ لإيمانه، وتُبغض فيه معصيتُه فقط (ومَن منا بغير معصية؟!)، فإذا كان للإنسان صَديق مصلٍّ مدخِّن، فإنه يُحِبُّ منه صلاته، ويُبغِض فيه تدخينه، وهكذا المقياس في التعامل مع الناس والإخوان، وقد يُهجَر الأخ من أجْل زجْرِه، وقد يُنهى، ولكن الصبر والدعوة لازمان في هذه الأزمان.
 
وهناك معاصٍ تُكفِّرها الصلوات والمكفِّرات، أما الكبائر فتختصُّ بتوبة.
 
والذي مات مصرًّا عليها، فهو تحتَ المشيئة؛ أي: إنَّ الله إنْ شاء عفَا عنه ابتداءً، وإنْ شاء عذَّبه بقَدْر ذَنْبه، ثم مآلُه إلى الجنة.
 
وعُصاة أهل التوحيد على ثلاث طبقات:
1- طائفة رجَحتْ حسناتُهم على سيِّئاتهم، فهؤلاء يدخلون الجَنَّة ابتداءً.
 
2- طائفة رجَحتْ سيِّئاتهم على حسناتهم، فهؤلاء يُعذَّبون بقَدْر ذنوبهم، ثم يُخرَجون منها ويُدخَلون الجنة.
 
3- طائفة تساوتْ حسناتهم وسيَّئاتهم، فهؤلاء (أهل الأعراف) فيُوقَفون على الأعراف، ثم يؤذَنُ لهم في دخولِ الجنة بعد ذلك.
 
وكل الناس سيقِفُ عند ربِّه ويُسأل، ولكن مَن نُوقِش الحساب عذِّب.
 
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 8]، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَيْسَ ذاكِ الْحِسَاب، إِنَّما ذاكِ الْعَرْضُ؛ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عُذِّبَ))؛ رواه مسلم.
 
قال الشيخ - رحمه الله -:






234- وَلاَ تُكَفِّرْ بِالْمَعَاصِي مُؤمِنَا
إِلاَّ مَعَ اسْتِحْلاَلِهِ لِمَا جَنَى


235- وَتُقْبَلُ التَّوْبةُ قَبْلَ الغَرْغَرَهْ
كَمَا أَتَى فِي الشِّرعَةِ الْمُطَهَّرَهْ


236- أَمَّا مَتَى تُغلَقُ عَنْ طَالِبِهَا
فَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا






 
وهذا مقرَّر عندَ أهل السنَّة، كما قال الإمام الطحاويُّ في عقيدته المتلقَّاة بالقَبول: "ولا نُكفِّر أحدًا من أهل القِبْلة بذنب ما لم يستحلَّه، ولا نقول: لا يضرُّ مع الإيمان ذنب لِمَن عمله".
 
يعني: ما دام على أصْل التوحيد، فلا يكفر، إلا أن يستحلَّ مُحرَّمًا عُلِم تحريمه من الدِّين بالضرورة، كمَن يقول: إنَّ الزِّنا حريَّة شخصية، بل يقول: العقيدة حريَّة، ولكلِّ أحد أن يعتقدَ ما شاء!
 
وإذا مات على ذلك فهو في النار، والكُفر كما يكون بنقْض بعض أعمال القلوب - كما بينَّا من قبل - يكون أحيانًا بالقول، أو الفعْل، فمَن فعل فعلاً، أو قال قولاً يدلُّ على نقض توحيده، كَفَر، كمن سبَّ الدِّين، أو سجَدَ لصنم من دون الله.
 
ويُعتبر في تكفير المعيَّن في الغالِب استيفاءُ شروط، وانتفاء موانع.
 
وموانعه ثمانية: الجهل، والخطأ، والنِّسيان، والصِّغر، والسُّكْر، والجنون، والإكراه، والتأويل.
 
والتوبة يقبَلُها الله - عزَّ وجلَّ - إنْ كانت في الوقت المناسِب، وترَك العبد الذنب وندِم، وعزَم على عدم العودة، وأحسَن فيما بعد، ويُغلَق باب التوبة غلقًا خاصًّا بغرغرة العبد، قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يقبل توبةَ العبد ما لم يُغرغرْ))؛ صحيح الترمذي.
 
وتُغلَق غلقًا عامًّا بطلوع الشمس من مغرِبها؛ قال - تعالى -: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158].
 
وأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّ التوبة تُقبَل ما لم تطلعِ الشمس من مغرِبها.
 
وقد قال ابن القيم عن التوبة في "مدارجه":
ومنزل التَّوْبة هو أوَّل المنازل، وأوسطها، وآخرُها، فلا يفارقه العبدُ السالك، ولا يزال فيه حتى الممات، وإن ارْتَحل لمنزل آخرَ ارْتحل به، واستصحَبه معه، ونزَل به، فالتوبة هي بداية العبْد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضروريَّة، كما أنَّ حاجته إليها في البِداية ضرورية، وقد قال - تعالى -: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
 
وهذه الآية في سورة مدنيَّة، خاطَبَ الله بها أهلَ الإيمان وخِيارَ خلْقه أن يتوبوا إليه بعدَ إيمانهم وصَبْرهم، وهِجرتهم وجهادهم، ثم عَلَّق الفلاح بالتوبة تعليقَ المسبَّب بسببه، وأتى بأداة (لعلَّ) المشعِرة بالترجِّي؛ إيذانًا بأنَّكم إذا تُبتم كنتُم على الفلاح، فلا يرجو الفلاحَ إلا التائبون - جعلَنا الله منهم؛ انتهى.
 
قال الشيخ - رحمه الله -:
فصل في معرفة نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتبليغه الرِّسالة،
وإكْمال الله لنا به الدِّين، وأنه خاتم النبيِّين، وسيِّد ولد آدمَ أجمعين،
وأنَّ مَن ادَّعى النبوةَ من بعده فهو كاذب
 






237- نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنْ هَاشِمِ
إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي


238- أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا مُرْشِدَا
وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدَى


239- مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ
هِجْرَتُهُ لِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَهْ


240- بَعْدَ ارْبَعِينَ بَدَأَ الْوَحْيُ بِهِ
ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ


241- عَشْرَ سِنِينَ: أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبًّا تَعَالَى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا


242- وَكَانَ قَبْلَ ذَاكَ فِي غَارِ حِرَا
يَخْلُو بِذِكْرِ رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى


243- وَبَعْدَ خَمْسِينَ مِنَ الأَعْوَامِ
مَضَتْ لِعُمْرِ سَيِّدِ الأَنَامِ


244- أَسْرَى بِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الظُّلَمْ
وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وَحَتَمْ


245- وَبَعْدَ أَعْوَامٍ ثَلاَثَةٍ مَضَتْ
مِنْ بَعْدِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ وَانْقَضَتْ


246- أُوذِنَ بِالْهِجْرَةِ نَحْوَ يَثْرِبَا
مَعْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ قَدْ صَحِبَا






 
بعد أنْ تكلَّم الشيخُ عن توحيد الله، تكلَّم في هذا الفصْل عن النبيِّ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونسبه، وذَكَر بعضًا من سيرته وهديه.
 
إنَّه محمد بن عبدالله بن عبدالمطَّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعْب بن لؤي بن غالِب بن فهْر بن مالك بن النَّضْر بن كنانة بن مُدْركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من وَلَد إسماعيل الذَّبيح، وما ذُبِح، ولكن فداه الله بذِبْح عظيم، وابتلاه وأباه، ورفَع درجاتهما.
 
مِن هذا الأصْل الطيب كان نبينا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أرْسله الله للثقلَيْن جميعًا على حين فتْرة من الرُّسل، وبعد أن نظَرَ الله إلى أهْل الأرض جميعًا، فمَقَتهم؛ عربَّهم وعجمَهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، فأرْسله رحمةً مهداة، مبشرًا ونذيرًا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45 -46]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
 
وُلِد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مكة بعدَ وفاة والدِه بقليل، وسرعان ما ماتتْ أمُّه أيضًا، ومنذ الحمل، والولادة، والطفولةِ، والقرائنُ وعلامات النَّجابة والتفرُّد تلاحِق هذا المولودَ المبارك.
 
وشب النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يكن كغيره من الشبَّان؛ بل كان في غاية من الأخلاق الكريمة، والتمسُّك بالفضيلة، واشتهر بصِدْقه وأمانته، حتى أُطلِق عليه الصادق الأمين.
 
وتزوَّج خديجة - رضي الله عنها - التي كانتْ دُرَّة قريش وسيِّدتها الفُضْلى بعد وفاة أزواجها، وكان يذهَب لغار حِراء؛ ليتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، ويُناجي ربَّه، ويتقرَّب إليه.
 
وبعْدَ أعوام، وحينما ناهَز محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأربعين من العُمر أرسل الله إليه الملَكَ؛ ليبلغه وهو في غار حِراء أنَّه رسولُ الله إلى الناس جميعًا، ومن ساعتها قام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبلِّغ الرسالة، ويؤدِّي الأمانة، وينصح الأمَّة، حتى كشَف الله به الغُمَّة، وظل ثلاث سنين في مكة يدعو سرًّا إلى ربه - عز وجل - ثم أذِن الله له في الجهر بالدعوة، ثم بعْد عشرة أعوام من الدعوة، وبعد أن بلَغ خمسين عامًا من العمر، أسْرى الله - عز وجل - به (بالرُّوح والجسد) إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السَّماء، حيث فرَض الله عليه الصلواتِ الخمسَ، التي هي خمسٌ في العمل، وخمسون في الأجْر، ثم بعد ثلاث سنين من الإسراء، أذِنَ الله له بالهجرة إلى يثربَ، التي سُمِّيت بعد ذلك المدينة المنورة (طيبة)، وهاجَر معه كلُّ مسلِم آمن به، تاركًا الأموالَ والأولاد، ضاربين أروعَ الأمثلة في التضحية لأجل الدِّين.
 
وأسَّس النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أركانَ الدولة الإسلامية الجديدة، التي بلغَتْ في عهد الراشدين أعْلى ما يمكن أن تصل إليه دولةٌ في سنوات قلائل من التوسُّع، والعدل، والرقي، والحضارة.
 
قال الشيخ - رحمه الله -:






247- وبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ
لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ وَالضَّلاَلِ


248- حَتَّى أَتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا
وَدَخَلوا فِي السِّلْمِ مُذْعِنِينَا


249- وَبَعْدَ أَنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَهْ
وَاسْتَنْقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَهْ


250- وَأَكْمَلَ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَا
وَقَامَ دِينُ الْحَقِّ وَاسْتَقَامَا


251- قَبَضَهُ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى
سُبْحَانَهُ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى


252- نَشْهَدُ بِالْحَقِّ بِلاَ ارْتِيَابِ
بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ


253- وَأَنَّهُ بَلَّغَ مَا قَدْ أُرْسِلاَ
بِهِ وَكُلَّ مَا إِلَيْهِ أُنْزِلاَ


254- وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى
نُبَوَّةً فَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَى


255- فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْلِ بِاتِّفَاقِ
وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الإِطْلاَقِ






 
بعْدَ أنْ صار للإسلام دولةٌ وشَوْكة، كلَّف الله - عز وجل - نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقِتال أهْل الشِّرْك الذين أبَوا الدخول في الإسلام، بل وعذَّبوا أهلَه، فكانت موقعة بدر الكبرى يوم الفرقان يوم الْتقى الجَمْعان، حيث علِم الكافرون أنَّ الإسلام قوةٌ لا يُستهان بها، وأرادوا الكَرَّةَ على الإسلام، فجاؤوا في أُحُد بقَضِّهم وقضيضهم، وزُلْزِل المسلمون في هذه الوقعة، وكادوا ينهزِمون، وما ذلك إلا بمخالفة البعض لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
 
ولكن الله - عز وجل - نجَّى المؤمنين، ونجَّى رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد أنْ كُسِرت رَباعِيَتُه، وشُجَّ وجهه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يثبت معه إلا نفرٌ قليل، وخرَج من الغد إلى حمراء الأسد لِقتال المشركين بمَن معه من المؤمنين المُثْخَنين ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172].
 
وظلَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قِتال، حتى فتَح الله عليه مكَّةَ، ودخَل أُناسٌ في دِين الله أفواجًا، وكان هذا إيذانًا بوفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمين بعدَ أن أدَّى الرسالة، وأكْمل الله به الدِّيانة، وكانتْ سورة ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ نعيَ النبي - عليه الصلاة والسلام - وبعد أنْ قال الله في القرآن: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
 
ومات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأظْلَم كلُّ شيءٍ في المدينة بوفاته، بعد أنْ أضاء فيها بمَقْدَمِه مِن قبلُ كلُّ شيء، وكاد المسلِمون يُفتَنون، لولا أن قيَّضَ الله لهم أبا بكر حين قال: مَن كان يعبُد محمدًا، فإنَّ محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإنَّ الله (في السماء) حيٌّ لا يموت.
 
وكلُّ إنسان حتى يصحَّ إيمانُه لا بدَّ أن يُقرَّ ويشهد أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلَّغ الرسالة كاملةً، وأنه خاتم النبيِّين والمرسَلِين؛ أي: آخرهم لا زِينتهم كما يقول بعضُ الضُّلاَّل، وأنَّ مَن ادَّعى النبوة بعده فهو كاذِب ضال، مارِقٌ من الدِّين، وقد حذر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الناس، وأعلَمهم أنه سيكون من بعده كذَّابون يدَّعون النبوة، فقال: ((لا تقوم الساعَةُ حتى يُبعَث دجَّالون كذَّابون، قريبٌ من ثلاثين، كلُّهم يَزعُمُ أنه رسولُ الله))؛ متفق عليه.
 
وقد حَدَث بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنِ ادَّعى بعض الرجال - بل والنساء - النبوَّةَ، وقاتلَهم المسلِمون، فأوبقوا دُنياهم وأخراهم، فنعوذ بالله من الخذْلان.
 
وفَّقَنا الله وإيَّاكم لما يحبُّ ويَرْضى، وللحديث بقيَّة - إنْ شاء الله.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١