أرشيف المقالات

المحيط جل جلاله، وتقدست أسماؤه

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
الْمُحِيطُ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المُحِيطِ):
حَاطَهُ يَحُوطُهُ حَوْطًا وحَيْطَةً وَحِيَاطَةً: حَفِظَهُ وَتَعَهَّدَهُ، واحَتَاطَ الرَّجُلُ: أَخَذَ في أُمُورِهِ بالأَجْزَمِ.
 
وَمَعَ فُلُانٍ حِيْطَةٌ لَكَ - ولا تَقُلْ: عليك - أَيْ: تَحَنُّنٌ وتَعَطُّفٌ.
 
والحَائِطُ: الجِدَارُ؛ لَأَنَّهُ يَحُوطُ ما فيه، والحُوَاطَةُ: حَظِيرَةٌ تُتَّخَذُ للطَّعَامِ.
 
وَكُلُّ مَنْ أَحْرَزَ شَيْئًا كُلَّه، وَبَلَغَ عِلْمُهُ أَقْصَاه ُفَقَدْ أَحَاطِ بِهِ، يُقَالُ: هذا الأَمْرُ ما أَحَطْتُ بِهِ عِلْمًا.
 
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ [النمل: 22]؛ أَيْ: عَلِمْتُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَأُحِيطَ بِفُلَانٍ: إذ دَنَا هَلاَكُهُ فهو مُحَاطٌ بِهِ، قَالَ عز وجل: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ [الكهف: 42]، أَيْ: أَصَابَهُ مَا أَهْلَكَهُ وَأفْسَدَهُ[1].
 
وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «الُمحِيطُ في اللُّغَةِ اسْمُ الفَاعِلِ، مِنْ قَوْلِهم: أَحَاطَ فَلَانٌ بِالشَّيْءِ فهو مُحِيطٌ بِهِ إِذَا اسْتَوْلَى عليه، وضَمَّ جَمِيعَ أَقْطَارِهِ وَنَوَاحِيهِ، حَتَّى لا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ ولا فَوْتُه»[2].
 
وُرُودُه في القُرْآنِ الكَرِيمِ:
وَرَدَ الاسْمُ ثَمَانيَةَ مَرَّاتٍ؛ مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 19].
وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 126].
وَقَوْلُهُ: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾ [فصلت: 54].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ [البروج: 20].
 
مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ ابنُ جَرِيرٍ: ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾: «بِمَعْنَى جَامِعُهم فَمُحِلٌّ بِهِمْ عُقُوبَتَهُ»[3].
 
وَقَالَ في قَوْلِهِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾: «يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الكُفَّارُ في عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، مِنَ الفَسَادِ والصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَالعَدَاوَةِ لأَهْلِ دِينِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصٍ اللهُ، مُحِيطٌ بِجَمِيعِهِ حَافِظٌ لَهُ، لا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ حَتَى يُوَفِّيهَم جَزَاءَهم عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، ويُذِيقَهم عُقُوبَتَهُ عَلَيْهِ»[4].
 
وَقَالَ فِي: ﴿ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾: «يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ مُحِيطٌ عِلْمًا بِجَمِيعِهِ وقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، لا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ أَرَادَه فَيَفُوتُهُ، ولَكِنَّهُ المُقْتَدِرُ عَلَيْهِ العَالِمُ بِمَكَانِهِ»[5].
 
وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «...
فاللهُ عز وجل مُحْيطٌ بالأَشْيَاءِ كُلِّهَا؛ لأَنَّها تَحْتَ قُدْرَتِهِ، لَا يُمْكِنُ شَيْئًا مِنْهَا الخُرُوجُ عَنْ إِرَادَتِهِ فيه، ولا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى عز وجل: ﴿ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، أَيْ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ، بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؛ فَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ عِلْمِهِ.
 
وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾، قَالَ الُمفَسِّرُونَ: تَأْويلُهُ: مُهْلِكُ الكَافِرِينَ، حَقِيقَتُهُ أَنَّهم لا يُعْجِزُونَهُ وَلَا يَفُوتُونَه، فهو مُحْيطٌ بهم»
.
 
ثُمَّ قَالَ: «وحَقِيقَةُ الإِحَاطَةِ بالشَّيءِ ضَمُّ أَقْطَارِهِ ونَوَاحِيهِ وتَصْيِيرِهِ وَسَطًا، كإحَاطَةِ البيتِ بِمَنْ فِيهِ، والأَوْعِيةِ بِمَا يَدُورُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اتَّسَعَ فيه...»[6].
 
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(المُحِيطُ) هو الذي أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وهو الذي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شيءٍ عَدَدًا»[7].
 
وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «وَمِنْهَا (الُمحِيطُ) وَمَعْنَاهُ: الذي لا يُقْدَرُ على الفِرارِ منه، وهذه الصِّفَةُ لَيْسَتْ حَقًّا إِلَّا للهِ جَلَّ ثَنَاؤُه، وهي رَاجِعَةٌ إِلَى كَمَالِ العِلْمِ وَالقُدْرَةِ، وانْتِفَاءِ الغَفْلَةِ والعَجْزِ عَنْهُ»[8].
 
وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(الُمحِيطُ) بِكُلِّ شَيْءٍ عَلْمًا وَقُدْرَةً وَرَحَمَةً وَقَهْرًَا»[9].
 
ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ:
1-إِنَّ اللهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِعِبَادِهِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى فَوْتِهِ أَوِ الفِرَارِ مِنْهُ، بَلْ «لَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ»، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم في دُعَاءِ الوِتْرِ وَغَيْرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَخَافُ مِنْهُ تَفِرُّ مِنْهُ إِلَّا اللهَ تَعَالَى، فَإِنَّكَ تَفِرُّ إِلَيْهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]، وَذَلِكَ لِتَمَامِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ [الإسراء: 60].
 
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33].
 
أَيْ: لَا تَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا مِنْ أَمْرِ اللهِ وَقَدَرِهِ، بَلْ هو (مُحِيطٌ) بِكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ حُكْمِهِ، وَلَا النُّفُوذِ عَنْ حُكْمِهِ فِيكُمْ، أَيْنَما ذَهَبْتُمْ أُحِيطَ بِكُمْ، وَهَذَا في مَقَامِ الحَشْرِ، الملائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِالخَلَائِقِ سَبْعَ صُفُوفٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الذَّهَابِ ﴿ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾؛ أَيْ: إِلَّا بَأَمْرِ اللهِ: ﴿ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾ [القيامة: 10 - 12].
 
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 27][10].
 
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].
 
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ ويَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الَملِكُ، أَيْنَ مُلوكُ الأَرْضِ؟»[11].
 
2- إِنَّه سُبْحَانَهُ لا يَغِيبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ صغيرًا كَانَ أو كَبِيرًا، ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، فإنَّه كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ: ﴿ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾ [فصلت: 54][12].

[1] الصحاح (3/ 1121)، واللسان (2/ 1052) مادَّة (حوط).

[2] اشتقاق أسماء الله (ص: 46).

[3] جامع البيان (1/ 122).

[4] المصدر السابق (4/ 45).

[5] المصدر السابق (25/ 5).

[6] اشتقاق أسماء الله (ص: 46، 47).

[7] شأن الدُّعاء (ص: 102).

[8] المنهاج (1/ 197، 198) وذكره في الأسماء التي تتبع نفْي التشبيه عن الله تعالى جدُّه، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 40).

[9] تيسير الكريم (5/ 302).

[10] تفسير ابن كثير (4/ 274)، وانظر اسمه (القدير).

[11] أخرجه البخاري (8/ 551)، وفي التوحيد (13/ 367 - 393)، ومسلم في صفات المنافقين (4/ 2148) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] انظر اسمه (العليم).

شارك الخبر

المرئيات-١