الاستغفار طريق الأمان من العقوبة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الاستغفار طريق الأمان من العقوبةأيها المسلم الكريم: يدلنا نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم على طريق الأمان من العقوبة والعذاب، وعلى ما يدفع عنا البلاء والنقم، ويرفع الفتن والمحن، ويفرج الهموم، ويجلب الأرزاق، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ))[1].
ومن فضائل الاستغفار أن الله تعالى يغفر لمن استغفره، فقال تعالى:﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
قال قَتَادَة (رحمه الله): "إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ، أَمَّا دَاؤُكُمْ فَذُنُوبُكُمْ، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالِاسْتِغْفَارُ"[2].
ومن وصايا الصالحين من هذه الأمة بشأن الاستغفار:
قال سيدنا الحسن البصري (رحمه الله): (لا تملُّوا من الاستغفارِ، وأكثِرُوا مِنه في بُيُوتِكم، وعَلَى موائِدِكم، وفي طُرُقِكم، وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ)، وقال التابعي الجليل بكر المُزَنيُّ (رحمه الله): (إنَّ أعمال بني آدمَ ترفعُ، فإذا رُفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاءَ، وإذا رُفعتْ ليس فيها استغفارٌ رفعت سوداءَ"[3]، وقال لقمان الحكيم لابنه ذات يوم: (يا بُنيَّ؛ عوِّد لسانَكَ: اللهَمَّ اغفرْ لِي، فإنَّ للَّهِ ساعاتٍ لا يَردُّ فيهنَّ سائلًا)[4].
أخي المسلم، سلْ نفسك، كم نصيبك من الاستغفار في يومك وليلتك؟ إذا كان حبيب الله ورسوله المغفور له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، قال أبو هُرَيْرَة رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً))[5]، وهذا عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: (( إنْ كنَّا لنعُدُّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الوَاحِدِ مائة مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ )[6].
فاذا كان هذا حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع الاستغفار، فماذا نقول نحن وكلنا ذنوب!
شكا رجل إلى الحسن البصـري (رحمه الله) الجدب، فقال له: "استغفر الله"، وشكا رجل آخر الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: "استغفر الله"، فقالوا له في ذلك: أتاك رجالٌ يشكون، فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟! فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح عليه السلام: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12][7].
فما دمنا في ليلة من الليالي الوترية، والتي ربما تكون ليلة القدر، فلنكثر من الاستغفار، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار يوم القيامة.
نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] سنن ابن ماجة، كتاب أبواب الأدب - بَابُ الِاسْتِغْفَارِ: (4/ 721)، برقم (3819)، وسنن أبي داود، كتاب أبواب فضائل القرآن- باب في الاستغفار: (2/ 628)، برقم (1518).
[2] شعب الإيمان للبيهقي:(5/ 427)، برقم (7146).
[3] روائع التفسير لابن رجب الحنبلي: (2/ 653).
[4] لطائف المعارف، لابن رجب الحنبلي: (ص:214).
[5] صحيح البخاري، كتاب الدعوات- باب اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ: (8/83)، برقم (6307).
[6] سنن أبي داود، أبواب فضائل القرآن- باب في الاستغفار: (2/ 627)، برقم (1516)، وسنن الترمذي، كتاب أبواب الدعوات - بَاب مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ: (5/ 372)، برقم (3434) وقال الترمذي: حديث صحيح.
[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (18/ 302).