أرشيف المقالات

كيف نحمي أولادنا من وباء المخدرات؟

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
الأولاد أمانة عندنا، الله سائلنا عن أداء هذه الأمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى سائلُ كلِّ راعٍ عمَّا استرعاه أحفِظَ ذلك، أم ضيَّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»[1].
 
وباء المخدِّرات وخطره على سلامة المجتمع:
تُعتبر ظاهرة انتشار المخدِّرات من أخطر المشاكل التي تواجه الأمَّة، هذه المشكلة الاجتماعية المستشرية تستهدفنا في أعزِّ ما نملك، تستهدفنا في شبابنا وفي مستقبلنا، فهي تمسُّ بدرجة أولى الشباب وصغار السنِّ، فقد أثبتت الدراسات المقامة في الدول العربية انتشار استهلاك المخدِّرات في أوساط صغار السنِّ والشباب من أبناء المجتمع، وأن نِسَب كبيرة من التلاميذ والطَّلبة في المدارس والجامعات تستهلك موادَّ كحوليَّةً وموادَّ مخدِّرةً، وقد وصل هذا الوباء إلى الإطاحة بفئة من الأطفال الذين لم يتجاوزوا بعد سن 13 سنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
ولا تقتصر هذه الظاهرة على فئة دون أخرى؛ فهي تشمل المتعلِّمين ومتوسِّطي التعليم من الرجال والنساء، وقد بيَّنت بحوث ودراسات المختصِّين أن إدمان المخدِّرات في العالم العربي والإسلامي قد زادت في السنوات الأخيرة بنِسَب مرعبة، كما كشفت الدِّراسات عن ارتفاع أعداد قضايا المخدِّرات التي تم ضبطها في الدول العربية والإسلامية، وأعداد المتهمين في قضايا تعاطي المخدِّرات وقضايا التَّرويج والاتِّجار فيها بنسب تفوق 30 في المائة.
 
المخدِّرات محرمة شرعًا:
المخدِّرات داخلة فيما حرَّمه الله تعالى ورسوله من الخمر المسكر لفظًا ومعنى، ولها من المضارِّ الصحية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية فوق ما للخمر، وقد صدرت فتاوى هيئة كبار العلماء بتحريمها، وأنها من الخبائث، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
 
ولما رواه أبو داود عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مُسكرٍ ومفتر"، وقد تضمَّنت فتاوى الهيئة عقوبة مروِّجي المخدِّرات وأنهم من المفسدين في الأرض؛ (انظر الفتوى رقم: 85 بتاريخ 11/11/1401هـ، والفتوى رقم: 138 بتاريخ 7/6/1434هـ).
 
فهي كلها محرَّمة بأنواعها المختلفة مهما كانت: سجائر، حشيشًا، أفيونًا، كوكايين...
وسواء كانت حبوبًا أو أقراصًا أو موادَّ سائلة..
على اختلاف أحجامها وأشكالها.
 
المخدِّرات تُدمِّر العقول، وتبدِّد الأموال، وتُشتِّت الأُسَر، وتُحطِّم المجتمعات، إنها التيَّار الجارف، والبلاء الماحق، والطريق الذي ليس له إلَّا ثلاث نهايات: مرض وجنون، أو سجن وضياع مستقبل، أو موت بطيء.
 
وقد شاعت بين الناس قصص وقعت في بعض العائلات تحكي الآثار المأساوية لهذه السموم، فقد يصل بعض مدمني المخدِّرات إلى حال مروِّعة، ويقدم على ارتكاب أفعال يصعب تصديقها: فهذا يسرق حليَّ أمِّه أو زوجته لشراء جرعات من هذا السمِّ القاتل، وذاك يبيع أثاث المنزل قطعةً قطعةً في سبيل الحصول على المال، وآخر وصل إلى حدِّ بيع شرفه لذلك! ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنهم من يلجأ لاستعمال القوَّة مع والديه للحصول على المال! وكثير منهم يضع أسرته في حالة من الرُّعب والهلع بصفة يوميَّة بسبب إدمانه، وكم من عائلة تفتَّتت وتشرذمت وضاعت بسبب المخدِّرات.
 
أسباب انتشار المخدِّرات بين الشباب:
إن الإحاطة بأسباب انتشار المخدِّرات والعوامل المساعدة لها كثيرة متداخلة ويصعب حصرها، غير أن علاج هذه الظاهرة المرضيَّة يبدأ بلا شك من هنا، وأهم عوامل انتشار المخدِّرات هي:
• إهمال الوالدين وسوء تربيتهم لأولادهم، فحين ينشأ الطفل في المنزل دون أن يجد من يُوجِّهه ويُذكِّره وينصحه، يقع فريسةً لهذا البلاء لجهله بعواقبه، ولغياب الرقيب، كذلك الخلافات والمشاكل الدائمة بين الوالدين تدفع الشَّاب للإدمان سعيًا منه للهروب من الواقع، ولنسيان ما يمرُّ به أو ما يعانيه من مشاكل أسريَّة، فتجده يجري وراء حلم المتعة ونشوة اللَّذَّة الساري في مخيلته.
 
• ضعف الإيمان وانعدام الخوف من الله سبحانه وتعالى عند كثير من الشباب وضعف الوازع الديني والقيمي، وضعف التمسُّك بحبل الله، هو السَّبب الرئيسي لهذا البلاء، فإنَّ الطفل إذا لم يتربَّ على مراقبة الله في كل أعماله، وأنه سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة، وأنه سيقف غدًا بين يدي من لا تخفى عنه خافية، فلا يهمُّه بعد ذلك ما يقدم عليه.
 
• الفقر المعوز وانتشار البطالة بين الشباب الذين هم الهدف الأول لعصابات تُجَّار المخدِّرات، إضافة للظروف المعيشيَّة الصعبة من أهم عوامل انتشار الاستهلاك بين الشباب.
وكلما زاد الفقر في المجتمع ازدادت معه الجرائم؛ كالسرقة والنَّصب وبيع المخدِّرات؛ بحثًا عن الكسب السَّريع وجريًا وراء حلم الارتزاق السهل والثَّراء، ويهمل الشاب لذلك النظر إلى المخاطر.
 
• سوء معاملة الأولاد وتدليلهم وتلبية كل مطالبهم، فوفرة المال أحيانًا بين يدي الشاب قد يكون سببًا رئيسيًّا للإدمان، فعندما يجد الشَّاب كل شيء متوفِّرًا بين يديه يظهر الكسل واللامبالاة والغفلة عن محاسبة النفس فيتردَّى إلى هاوية الإدمان، فكثيرًا من الوالدين يستجيبون لكل طلبات أبنائهم خاصة في سنِّ المراهقة الصعبة حين يزداد تذمُّر الشاب أو الشابَّة على كل صغيرة أو كبيرة، فتجد الأولياء يستجيبون لكلِّ طلباته للوقاية من شرِّه، فيصبح الشاب وليَّ أمرَ نفسه ويحسُّ بالتَّحرُّر وبضعف الوالدين، فيصنع ما بدا له، ويرتكب كلَّ ما يقدر عليه من الحماقات ومنها المخدِّرات، وطبعًا ليس كل غنيٍّ منحرِفًا وليس كل فقير مدمنًا.
 
• الجهل يمنع صاحبه من اليقظة ومن التفطُّن لما هو واقع فيه، ويكون عادة فريسة سهلة للمجرمين ولتجار المخدِّرات وحتى لمن هم في مثل سنِّه من الشباب الذين يسعون للكسب السريع للمال بكل الوسائل ولو ببيع المخدِّرات، خاصة أن الجاهل لا يحيط بأضرار هذه السموم، ولا يُقدِّر حقيقة عواقبها المؤلمة، وصدق المثل القائل: "يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوُّ بعدوِّه".
 
• رفقاء السوء من أعظم أسباب الانحراف والإدمان، فإن حب الاستطلاع والتجربة وحب مجاراة الأصدقاء ومجاملتهم عند الصغار، خطر يجب أن يتنبَّه له الأولياء.
فهذا يروي أن قصة إدمانه بدأت بنَفَس من سيجارة خبيثة أغراه بها أصحابه وانتهت بإدمانه على الحشيش، وهذا أقنعه زملاؤه باستعمال الحبوب المنبِّهة، وأنها تفيد في السَّهر وفي مذاكرة الدروس، ثم بدأ في استعمال أنواع أخرى من الأدوية المخدِّرة والحشيش حتى صار من المدمنين، وكلٌّ منهم يعتقد أن المخدِّرات ستحل جميع مشاكله.
 
• محاكاة بلاد الغرب بانتشار وسائل الإعلام الغربية في بعض البلاد الإسلامية، وعملها على الإثارة الجنسية لشبابنا بالأفلام الهابطة، وبجعلهم من يسمونهم فنانين ولاعبين نجومًا يقلِّدهم ويقتدي بهم أبناؤنا، وأكثرهم مصابون بداء شرب الخمور وإدمان المخدِّرات، وكذلك سماح بعض البلدان الإسلامية بانتشار الحانات ودور المراقص والفجور، والسماح لبعض السُّياح بجلب المخدِّرات من بلدانهم إلى البلاد العربية والإسلامية وخصوصًا الذين قنَّنت بلدانهم الاستهلاك الشخصي للمخدِّرات، فيسمح لهم بالدخول للبلاد دون تفتيش أمتعتهم في الموانئ والمطارات الجوية وعلى الحدود البرية بدعوى تشجيع وحماية السياحة.
 
كيف نحمي أولادنا من المخدِّرات؟
إن التصدِّي لهذه الظاهرة الخطيرة مسؤوليتنا جميعًا فلا بُدَّ من بذل كل الجهود الضرورية للتصدِّي لهذه الآفة والحيلولة دون زيادة انتشارها بين أفراد المجتمع من الشباب وغيرهم، فعلى المجتمع أن يستيقظ لحجم هذا الخطر الذي يحدق بفئاته، ويتصدى لكل المجرمين الذين يتاجرون بأمن وسلامة أبنائه بكل حزم، وأن توضع المشاريع والخطط لمواجهة هذه الظاهرة، فإن الأموال الطائلة التي تدرُّها تجارة المخدِّرات تعمل على تغذية الفساد وتعزيز الشبكات الإجرامية، وتوجد في البلاد جوًّا من الخوف وعدم الاستقرار، وتحدُّ من التنمية...ويمكن علاج هذه الظاهرة بـ:
• السعي لتقوية إيمان أولادنا وتقوية الوازع الديني لديهم بدفعهم للمواظبة على الصلوات وعلى تقوى الله، وتعريفهم أنهم سيقفون بين يدي العليم الخبير الذي لا تخفى عنه خافية صغيرة ولا كبيرة، ويكون ذلك باستخدام كل الوسائل المباحة شرعًا لغرس الإيمان في نفوسهم وتحبيب الدِّين إليهم، فأن يكون الشَّاب من روَّاد المساجد أفضل من أن يكون مُتخفيًا في بعض الأزقَّة المظلمة بصدد التدخين خفية مع بعض المنحرفين، وهذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا ضرورة العناية بعقيدة أولادنا، يقول لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام، إنِّي أعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله...»[2].
 
• تنشئتهم على الأخلاق الحميدة وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة فهي أساس الدِّين بعد الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما بُعِثت لأُتمِّم صالحَ الأخلاق»[3].
 
• تعليمهم الحرص على الصُّحبة الصالحة، ومتابعتهم في ذلك، ومعرفة أصدقائهم، وعدم السَّماح لهم بالسهر لأوقات متأخِّرة من الليل، وعدم السَّماح لهم بالسفر مع الشباب الذين هم في مثل سِنِّهم، فإنَّه في حال غياب الرَّقيب يكونون عرضةً لخبثاء النفوس المروِّجين لمثل هذه السموم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلَّا مؤمنًا»[4] و«المرء على دين خليله فلينظر أحدُكم من يُخالِل»[5].
 
• تجنيبهم المشاكل الأسريَّة والخلافات التي تنشأ في بعض البيوت بين الوالدين، وملء أوقات فراغهم بما ينفعهم من علم نافع أو عمل صالح أو ترفيه بريء.
 
• إقامة دورات توعية وتوجيه للطلبة للإحاطة بمخاطر المخدِّرات الهدَّامة على مستقبلهم، وحماية الوسط المدرسي والجامعي باستعمال وسائل وأدوات المراقبة الحديثة؛ كالتصوير بكاميرات الفيديو لساحات المدارس والجامعات.
 
• تأطير العائلات وتوعية أفراد المجتمع على مخاطر السموم البيضاء على أبنائهم وبناتهم، والتأكيد على دور الأمِّ خصوصًا في هذه المهمَّة، فإن عدم تصريح الأمَّهات للآباء بما يلاحظنه من تغيُّر في سلوك وطباع أبنائهن، ومن علامات وأعراض تعاطي المخدِّرات أو السُّكر؛ كفقدان الشهيَّة للطعام، والنحافة، والضعف مصحوبًا باصفرار الوجه، وقِلَّة الحيويَّة والنشاط، وما يجدنه أحيانًا مخفيًّا في ملابس الأولاد من حبوب وغيرها خوفًا من ردَّة فعل الوالد، يمنع العائلات من العلاج المبكِّر لبعض حالات الإدمان ممَّا من شأنه أن يساهم في استفحال الداء وضياع الأبناء، قال صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئول عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيَّتِها»[6].
 
أسأل الله العظيم أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من هذه الشرور، وأن يردَّ الذين خدعوا إلى رشدهم، ويصلح شأنهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 [1] أخرجه النسائي، وابن حِبَّان في صحيحه.
[2] رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
[3] رواه الإمام أحمد.
[4] رواه أحمد والترمذي.
[5] حديث صحَّحه الحاكم.
[6] رواه  البخاري  ومسلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣