أرشيف المقالات

قراءة مختصرة لكتاب طريقنا للقلوب لفيصل بن عبده الحاشدي (1)

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
قراءة مختصرة لكتاب طريقنا للقلوب
لمؤلفه فيصل بن عبده قائد الحاشدي (1)

لكسب قلوب العِباد في الدعوة إلى الله - تعالى - أهميةٌ بالِغةٌ، وقد جمَع كتابُ الله - تعالى - وصحيحُ سنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكثيرَ من وسائل كسْب القلوب وجلْب المحبَّة والمودَّة؛ بل والتنبيه على أصل كسْب القلوب ونشر المحبَّة بين أفراد المجتمع المسلم؛ كما في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَدخُلون الجنَّة حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، أوَلاَ أدلكم على شيءٍ إذا فَعلتُموه تَحابَبتُم؛ أفشوا السلام بينكم))؛ (رواه مسلم عن أبي هريرة - رضِي الله عنه).
 
وكسْب قلوب الناس أوَّلُ وأسهلُ طريقٍ لقبولهم الحقَّ وإذعانهم له؛ لذا تحتَّم على أصحاب السمت المسلم قبل غيرهم التزامُ الآداب النبويَّة الشريفة، كما أنَّنا بحاجةٍ لمجتمعٍ أكثرَ محبَّة ومودَّة وتَسامُحًا وتَعاطُفًا، وهذه الآداب القادِم ذكرُها من أسباب ذلك.
 
وهذا البحث الذي نَعرِض منه نُبَذًا قليلة، قد تَناوَل جملةً من هذه الآداب، الجامِعة للقلوب، المؤلِّفة لها، بعَرْضٍ سَهْلٍ مُختَصَر، شائق جميل، بعيدًا عن مَضايِق الخِلاف، وحَشْدِ الأقوال الضعيفة والشاذَّة، مع ذِكْرِ بعض أطايِب كَلام السلف - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
 
وما مِنَّا من أحدٍ إلا ويَغِيب عنه عادَةً بعضُ هذه الوسائل أو آدابها، أو يحتاج للتذكير بها مَرَّة بعد الأخرى؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].
 
وقد جمع المؤلف - جزاه الله خيرًا - خمسًا وثلاثين وسيلةً لكَسْبِ قُلُوب الناس، وأنا هنا أختَصِر مُحتَواها مع الإبقاء على عَناوِينها وشيء يسيرٍ من مَضمُونها.
 
1- إفشاء السلام:
كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث أبي هريرة السابق: ((أَفشُوا السلام بينكم))، والسلام اسمٌ من أسماء الله - تعالى - كما في الحديث أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((السلام اسمٌ من أسماء الله، وضَعَه في الأرض، فأفشوه بينكم))؛ (رواه الطبراني والبزار، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
ومعنى السلام: التعوُّذ بالله، والدُّعاء بالسلامة، وهو حقٌّ من حقوق المسلم على أخيه؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حقُّ المسلِم على المسلِم ستٌّ: إذا لقيته فسلِّم عليه...))؛ (رواه مسلم)، وردُّه فرض لازم؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].
 
والسلام يكون عند اللِّقاء وعند الفِراق، ففي الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا انتَهَى أحدُكم إلى مجلس فليُسَلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأُولَى بأحق من الآخرة))؛ (رواه أبو داود والترمذي، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة").
 
وقد ورد في فضل السلام وردِّه أحاديثُ كثيرةٌ عظيمة، كما جاء عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوله: ((إنَّ أبخل الناس مَن بخل بالسلام))؛ (رواه ابن حبَّان والطبراني وأبو يعلى، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
ومن جملة آداب السلام المرويَّة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قوله وفعله: أن يبدأ الصغيرُ الكبيرَ بالسلام، والماشي على الجالس، والفرد على الجماعة، ويُجزِئ أن يردَّ عليه واحدٌ منهم فقط، وأن يبدأ به الرجل إذا دخل على أهل بيته، فإنَّه يكون عليه وعليهم بركة، وأن يجمع معه المُصافَحة، الرجال على الرجال، والنساء على النساء، وأن يكون على مَن عرَفت ومَن لم تَعرِف، وأن يكون قبل الكلام.
 
2- التبسُّم:
فعن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة))؛ (رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة")، والتبسُّم مِفتاح من مَفاتيح فتح القلوب وكسْبها، وعن عبدالله بن الحارث - رضِي الله عنه - قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ (رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني).
 
وجعل - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقاء الناس بوجْه طليق - أي: بَاسِمٍ مُتَهلِّل بالبشْر والترحاب - من قَبِيل المعروف؛ فعن أبي ذرٍّ - رضِي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلقَى أخاك بوجهٍ طلق))؛ رواه مسلم.
 
والتبسُّم غير الضَّحِك، وإكثار الضَّحِك مذموم؛ لأنه يُمِيت القلب ويُلهِيه؛ كما في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَقِل الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُمِيت القلب))؛ (رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع")، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - "قليل الضحك"؛ (رواه أحمد من حديث جابر بن سمرة - رضِي الله عنه - وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
3- التنادِي بأحبِّ الأسماء:
فإنَّ ممَّا يُحبِّب المرءَ إلى الناس، ويُقرِّبه من قلوبهم - التنادِيَ بأحبِّ الأسماء، فليس ثَمَّة شيءٌ أحبَّ للإنسان من نفسه، وحفظك لاسمه دليلٌ على تقديرك لشخصه.
 
وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُنادِي الواحد من أصحابه بكنيته؛ توقيرًا منه وإكرامًا له؛ بل حتى الأطفال يكنيهم، كما قال أنس - رضِي الله عنه -: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عمير، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا جاء يقول له: ((يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَيْر؟))"؛ رواه البخاري ومسلم.
 
والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكني، وإكرام له، كما قيل:






أَكْنِيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ
وَلاَ أُلَقِّبُهُ مَا أَسْوَأَ اللَّقَبَا






 
وكما أن التنادي بأحبِّ الأسماء يُقرِّب المرء من القلوب، ويزرع الوُدَّ والمحبَّة، فإنَّ بضدِّه التنابُز بالألقاب، والمُنادَاة بما يكره المرء ممَّا يُورِث الشَّحناء والبَغضاء؛ لذا حرَّمه الله - تعالى - بقوله: ﴿ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
 
والمؤمن إذا قُبِضَتْ رُوحه الطيِّبة، وصَعدتْ بها الملائكة إلى السماء، فلا يمرُّون على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الرُّوح الطيِّب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يُسَمُّونه بها في الدنيا، أمَّا الكافِر فعكس ذلك.
 
4- المُصافَحة:
المُصافَحة من أعظم أسباب كسْب القلوب وجلْب المودَّة والمحبَّة، يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من مسلمَيْنِ يلتَقِيان فيَتصافَحان، إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرَّقَا))؛ (رواه أبو داود والترمذي، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع").
 
وقال أنس بن مالك - رضِي الله عنه - : "كان أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قَدِمُوا تعانَقُوا"؛ رواه الطبراني.
 
إلا أنَّه لا يجوز مُصافَحة الرِّجال للنِّساء، أو النِّساء للرِّجال؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأَنْ يُطعَن في رأس رجلٍ بِمِخْيَطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلُّ له))؛ (رواه الطبراني في "الكبير"، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
5- حُسْنُ السَّمت وطِيب الرائحة:
حسن السمت - أي: الهيئة والمظهر - وطِيب الرائحة، من أسباب ميل القلوب إليك، وفي الحديث أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال))؛ رواه مسلم.
 
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتِصاد - جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النبوَّة))؛ (رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
ولبعضِ السلف عنايةٌ خاصَّةٌ بمظهرهم كعنايتهم بمخبرهم، ولا غرو؛ فديننا مظهر وجوهر في الوقت نفسه.
 
6- التفسُّح في المجالس:
قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 11].
 
والتفسُّح في المجالس ممَّا يزرع في قلب المُتَفسَّح له المودَّةَ والمحبَّة، ويقول عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه -: "ممَّا يُصَفِّي لك وُدَّ أخيك: أن تبدَأَه بالسلام إذا لقيته، وأن تدْعوه بأحبِّ الأسماء إليه، وأن تُوَسِّع له في المجالس"؛ "أدب المجالسة".
 
وقال الأصمعي: "كان الأحنف إذا أتاه إنسانٌ وسَّع له، فإن لم يجد موضعًا تحرَّك ليريه أنه وسَّع له"؛ "عيون الأخبار".
 
7- الهديَّة:
للهديَّة أثر عظيم في كسب القلوب واستِجلاب محبَّة الناس، وقد حثَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الإهداء بقوله: ((تهادوا تحابُّوا))؛ (رواه البخاري في "الأدب المفرد" وأبو يعلى عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" لشواهده).
 
ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَجِيبُوا الداعي، ولا تَرُدُّوا الهديَّة))؛ (رواه أحمد وابن أبي شيبة، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
يقول ابن حبَّان - رحمه الله -: "وإني لأستَحِبُّ للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم؛ إذ الهدية تُورِث المحبَّة، وتُذهِب الضغينة"؛ "روضة العقلاء".
 
8- التقدير:
لا شكَّ أنَّ تقديرك لشخصيَّة أيِّ إنسان هو مِفتاح الدُّخول إلى قلبه، وخابَتْ أُمَّة وخَسِرَتْ لم تَتبادَل خُلق التقدير فيما بينها؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يَحقِر أخاه المسلم))؛ مسلم.
 
فكلُّ مسلمٍ حريٌّ بالتقدير لإسلامه أولاً، ثم يَتفاوَت الناس بعد ذلك بحسب مَراتِبهم؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس مِنَّا مَن لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويَعرِف لعالمنا حقَّه))؛ (رواه أحمد والحاكم، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أتاكم كريمُ قومٍ فأكرِموه))؛ (ابن ماجه من حديث ابن عمر - رضِي الله عنهما - وصحَّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه").
 
9- التواضُع:
وهو سبيل لاكتساب القلوب، والرفعة في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا، وما تَواضَع أحدٌ لله إلا رفَعَه الله))؛ مسلم.
 
وقد يُراد بهذه الرِّفعة رِفعةُ المقام والجاه في الدنيا بين الناس، أو رِفعة الآخرة في الدرجات العُلَى، أو الرِّفعتان معًا.
 
وقد قيل: "ثمرة القَناعة الرَّاحة، وثمرة التواضُع المحبَّة"؛ "غذاء الألباب".
 
10- حفظ اللسان:
مَن يحفَظ لسانه عمَّا حرَّم الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُحِبه القلوب، وتهفو إلى مثله النفوس، وبضدِّه مَن يَتخَوَّض في القول الباطل، ويلتَقِط الهفوات، ويتصيَّد السقطات.
 
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلم مَن سَلِمَ المسلِمون من لسانه ويده))؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تكلَّم بكلامٍ تعتَذِر منه))؛ (رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
وكثرة الكلام مذهبةٌ للهَيْبَة والوَقار، مَدْعَاةٌ لكثرة الأخطاء وطُول الحساب، ومَن كَثُرَ كلامُه مَلَّهُ الناس، وأعرَضُوا عن حديثه، فلا يَشتَهُونَه غالبًا، وإلى ذلك أرشَدَنا نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((مَن كان يُؤمِن بالله واليوم الآخر، فليَقُل خيرًا أو ليَصمُت))؛ البخاري ومسلم.
 






تَكَلَّمْ وَسَدِّدْ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّمَا
كَلاَمُكَ حَيٌّ وَالسُّكُوتُ جَمَادُ


وَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَوْلاً سَدِيدًا تَقُولُهُ
فَصَمْتُكَ مِنْ غَيْرِ السَّدَادِ سَدَادُ






 
وللحديث بقيَّة - إن شاء الله تعالى.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١