أرشيف المقالات

الداعية وقوة الإيمان

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
الداعية
وقوة الإيمان بالله
والرغبة الصادقة في الدعوة إليه
 
وهذه من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها الداعية، ويعتبر تحققها في الداعية شرطاً لا صفة فقط، وهي قوة اليقين بأن الإسلام هو الدين الحق، الذي هداه الله إليه، وأنه هو الحق الخالص، وما عداه باطل وضلال قطعاً، فيحصل منه التسليم التام لله تعالى، من غير ارتياب أو حرج، وتكون الدعوة إلى الله تعالى وإلى شريعته نابعة من قوله وفعله[1].
 
فإيمان الداعية القوي يجعله ثابتاً لا يتزعزع، مهما صادفته المحن والشدائد، ومهما بلغ عليه حال عدوه من البأس والشدة ومهما طال أمامه الطريق.
 
ومن لوازم الإيمان بالله:
الدعوة إليه تعالى، وإلى دينه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والدعوة إلى أصل الدين، والدعوة إلى التزام شرائعه، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك يكمل العبد نفسه، ويكمل غيره، لأن الدعوة نفسها من أكبر مقويات الإيمان، وذلك بسبب ما يسعى به الداعية في سبيل نصرتها وتحقيقها بالأدلة والبراهين، وأيضا فإن الجزاء من جنس العمل، فكما يسعى إلى إصلاح العباد وتكميلهم ونصحهم، وصبر على ذلك، لا بد أن يجازيه الله ويؤيده بنور منه وقوة إيمان[2].
 
فقوة الإيمان بالله تنتج في نفس الداعية إيمانا بأهمية الدعوة إلى دينه، حين يرى حاجة الناس إليه، كما يوقد في نفسه لهيب الحماس والحيوية التي تحتاجه الدعوة، ويولد لديه شعورا ذاتيا بمسئولية العمل للإسلام، واستعدادا كاملا لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد والوقت والمال، أداء للواجب تجاه هذا الدين الذي ينتسب إليه، ورغبة في الجزاء الأخروي.
 
والقلب الخاوي من الإيمان، لا يملأ قلبا آخر بالإيمان، والموت لا ينشئ حياة، وكما قيل: ( فاقد الشيء لا يعطيه)[3]، فمن صدق إيمانه، صدق عطاؤه، وأعطى للدعوة ثمارا مباركة، وظهرت به آثار الإيمان والتي منها:
الإخلاص لله تعالى:
وهو:( تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه)[4]، وحقيقته: تصفية العمل عن ملاحظة الخلق، وتحديد الإرادة بالعمل لله وحده، دون شيء آخر سواه، وبهذا المعنى وحده تتحقق نجاة الإنسان من سوء الذنوب وسوء الدنيا بوجه عام، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [5][6].
 
وهو روح الدين ولباب العبادة، وأساس أي دعوة لله، فأي عمل لا يرتفع ما لم تصحبه النية الصالحة، وما لم يقترن بإرادة وجه الله وحده، فإذا كان هذا العمل هو الدعوة إلى الله، فهذه فريضة آكد، وعقدة أوثق، فإن العمل لنشر دين الله وسيادته، وإلى تحكيم شرع الله تعالى، إنما هو عبادة وقربة إلى الله من ناحية، ومن ناحية أخرى هو جهاد في سبيل الله، وتجريد النية لله في ذلك أمر أساسي لقبول العمل ولنجاحه معا، فالنية المدخولة تفسد العمل، وتلوث النفس، وتضعف الصف، وتحبط الأجر، والنية الصالحة تصلح العمل، وتقوي العزم، وتعين على إزالة العقبات[7].
 
والمخلص لله تعالى، قد ذاق من حلاوة عبوديته لله تعالى ما يمنعه من عبودية غيره، إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا أطيب من حلاوة الإيمان، المتضمنة عبوديته لله، وإخلاص الدين له، فيصير قلبا منيبا لله، بين خوف منه ورجاء، كما قال تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [8].
 
وإذا كان العبد مخلصا اجتباه ربه، وصرف عنه السوء والفحشاء[9]، ومتعه بثمرات الإخلاص، كالنصر والنجاة من عذاب الآخرة ورفع المنزلة في الآخرة، وزاده هدى على هداه، ووضع له الحب في أهل السماء، والقبول عند أهل الأرض، وغير ذلك من ثمرات الإخلاص[10].
 
وأما من لم يخلص قلبه لله، فإنه يتشبث بما يهواه، كالغصن إذا مرَ به أي نسيم عطفه وأماله، فيجذبه تارة الشرف والرئاسة، وترضيه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق، وتارة يستعبده الدرهم والدينار[11]، وينال من ويلات الرياء، فتصيبه الهزيمة وزيادة الضلال في الدنيا، وبغض أهل السماء له، وبغض أهل الأرض، ويعيش قلقا شقيا، عدا ما يلقاه في الآخرة من العذاب والفضيحة على رؤوس الخلائق[12].
 
لذلك اشترط النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين الجدد النية الصالحة والإخلاص لله تعالى، فبذلك تتحقق لهم النجاة، ويدركون ما فاتهم من أجر الهجرة والجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم :(( لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية))[13]، وكانت بنود البيعة هي: الإسلام والإيمان والجهاد[14].
 
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: يجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل، وألا يريد بدعوته رياء أو سمعة، أو ثناء الناس وحمدهم له، إنما يدعو الله يريد وجهه، كما قال تعالى ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [15][16].




[1] بتصرف، أصول الدعوة ص 333، وانظر الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها ص 441.


[2] بتصرف، المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي، فصل التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص 118.


[3] بتصرف، مقال بعنوان: بعض سمات الدعوة المطلوبة في هذا العصر: الشيخ أبو الحسن الندوي ص 410 ضمن أبحاث اللقاء الخامس لمنظمة الدعوة الإسلامية 1402هـ.


[4] التعريفات ص 34.


[5] سورة يوسف جزء من آية 24.


[6] بتصرف، مكفرات الذنوب وموجبات الجنة: ابن الديبع الشيباني ص 98، هذبه: عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام للطبع والنشر ط: بدون، 1396هـ 1876م.


[7] بتصرف، مع الله ص 201، وانظر في الطريق إلى الله، النية والإخلاص: د.
يوسف القرضاوي ص 95، مكتبة وهبة القاهرة ط:1، 1416هـ 1995م.


[8] سورة الإسراء آية 57.


[9] بتصرف، العبودية ص 140.


[10] بتصرف، الإخلاص: حسين عوايشة ص 66-69، المكتبة الإسلامية عمان الأردن ط:2، 1403هـ.


[11] بتصرف، العبودية ص 141.


[12] بتصرف، الإخلاص ص 70- 72.


[13] سبق تخريجه ص 173.


[14]انظر الحديث ص 136.


[15] سورة يوسف آية 108.


[16] بتصرف، الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص 38، وانظر مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، مفهوم ونظر وتطبيق: سعيد بن علي بن وهف القحطاني ص 283، مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان الرياض، ط:1، 1415هـ 1994م.

شارك الخبر

المرئيات-١