تفسير الربع الأخير من سورة مريم
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] تفسير الربع الأخير من سورة مريم
الآية 66، والآية 67: ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ ﴾ المُنكِر للبعث: ﴿ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ من قبري؟، فرَدَّ اللهُ عليه قائلاً: ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ أي لم يكن له جسد ولا اسم ولا صفة؟ إذاً فليعلم أن الذي خَلَقه من العدم، قادرٌ سبحانه على أن يَبعثه بعد الموت (لأن إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة).
من الآية 68 إلى الآية 72: ﴿ فَوَرَبِّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ﴾: أي لَنَجمعنَّ هؤلاء المُنكِرين للبعث يوم القيامة، مع الشياطين الذين كانوا يُضلونهم، ﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم، لا يَقدرونَ على القيام، لشدة ما هم فيه من الخوف، ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ أي: ثم لَنأخذنَّ مِن كل طائفةٍ - تعاونتْ على الباطل - أشدَّهم تمردًا وعصيانًا للهِ تعالى وظلماً لعباده، فنبدأ بعذابهم، (ولعلَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ هنا صفة "الرحمن" لتفظيع تَمَرُّدهم وظُلمهم، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق جديرٌ بالشكر له والإحسان، لا بالكفر به والطغيان).
♦ وحتى لا يَزعم أحدٌ منهم أنّ غيره أشدّ عِصياناً منه، فقد أخبر سبحانه أنّه يَعلم ما يَستحقه كل واحد منهم من العذاب، فقال: ﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ﴾ أي نحن أعلم بالذين هم أَوْلى بالاحتراق بالنار ومُقاساة حَرّها (فأولئك يدخلون النار قبل غيرهم ثم يَدخل بَقيّتهم بعدهم)، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ يعني: وما منكم مِن أحدٍ - أيها الناس - إلا وسوف يَمُرّ مِن على الصراط الممدود فوق جهنم، كلٌ بحسب عمله - كما ثبت ذلك في صحيح مسلم - فمَن وقع: هَلَك، ومَن لم يَقع: نَجا، ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾: أي كانَ ذلك أمرًا قضاه اللهُ سبحانه، ولابد من وقوعه، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ - بامتثال أوامر ربهم والبعد عن مَعصيته - فنُنجيهم من النار (وذلك بمرورهم سالمينَ من على الصراط)، ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ ﴾: أي ونترك الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي - بعدما سقطوا من على الصراط - ﴿ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم في النار، لا يستطيعون الحركة (وذلك من شدة ما يُصيبهم مِن هَولها وعذابها).
الآية 73، والآية 74: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: يعني وإذا تُقرأ على الناس آياتنا الواضحة في حُجَجها ودلائلها - على التوحيد والنُبُوّة والبعث -: ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ﴾ - منَّا ومنكم - ﴿ خَيْرٌ مَقَامًا ﴾ يعني أفضل مَسكناً ومَنزلةً، ﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾: يعني وأحسن مَجلسًا ونادياً للاجتماع والتشاور فيه؟
♦ والمعنى أنهم عندما تُقرأ عليهم آيات القرآن، يَتعزّزون بالدنيا ويقولون: (إنْ كُنّا على الباطل، فلماذا نحن أكثر أموالاً وأكثر أعواناً منكم؟)، وذلك لأنهم كانوا يُقارنون بين دار "الأرقم بن أبي الأرقم" التي يجتمع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وبين منازل أغنياء مكة ونادي قريش (الذي هو مَجلس مَشورتهم وتبادل آرائهم).
♦ فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾: يعني ولقد أهلكنا - قبل هؤلاء الكفار - كثيرًا من الأمم الذين كانوا ﴿ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ أي كانوا أحسن منهم متاعًا وأجمل منظرًا، (إذاً فلا يَغُرَّهم هذا الذي يَتبجَّحون به، فإنه لن يدوم لهم إذا استمروا على العناد ومحاربة الحق).
الآية 75: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء الكفار: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ ﴾: يعني مَن كان مُصِرّاً على ضلاله، غير مُتِّبع لطريق الهدى: ﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ﴾: أي فاللهُ تعالى يَمُدّ له في ضلاله، (فإنّ مِن عقوبة الضَلالة: الضَلالة بعدها، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾، فالإزاغة الثانية كانت عقوبة لهم على زَيغهم، وعلى العكس من ذلك، فإنّ مِن ثواب الهدى: الهدى بعده، كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ .
♦ ويَظَلُّونَ على هذا الضلال ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ ﴾: يعني حتى إذا رأوا - يقيناً - ما توعَّدهم الله به: ﴿ إِمَّا الْعَذَابَ ﴾ العاجل في الدنيا، ﴿ وَإِمَّا السَّاعَةَ ﴾ التي تقوم فيها القيامة: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ - حينئذ - ﴿ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ أي شرٌ منزلةً ومَسكناً ﴿ وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾ أي أقل أنصاراً (أهُم الكافرون أم المؤمنون؟)، وذلك حين لا يَنفعهم العِلم.
الآية 76: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ ﴾ عباده ﴿ الَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ إلى دينه ﴿ هُدًى ﴾ على هُداهم، وإيماناً على إيمانهم، وتوفيقاً للعلم النافع والعمل الصالح، ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾: يعني والأعمال الصالحة - وخاصةً قول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) - ﴿ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ﴾ في الآخرة مِمّا يَتفاخر به المشركون من متاع الدنيا الزائل، ﴿ وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾: أي خيرٌ مَرجعًا وعاقبة (وهو نعيم الجنة).
♦ والمقصود من الآية أنه إذا كانت تلاوة القرآن تَزيد المشركين كِبراً وعِناداً، فإنّ المؤمنين المهتدين يَزدادونَ بها هِداية ورَشاداً، لأنهم يَرونَ ما تَحمله الآيات من الدلائل والحُجَج والعظات والهدى، فيَزداد إيمانهم، وتزداد هدايتهم بأداء الفرائض واجتناب النَواهي، (وفي هذه الآية تصبيرٌ للرسول والمؤمنين بأنّ ما يَتفاخر به المشركون من المال وأثاث المنازل لا يُساوي شيئاً أمام الإيمان والعمل الصالح، لأنّ المال يَفنى، وثواب الصالحات باقٍ في الجنة).
من الآية 77 إلى الآية 80: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ﴾ - أيها الرسول - هذا الرجل ﴿ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا ﴾ (وهو العاص بن وائل وأمثاله)؟ إذ كَفَرَ بآيات اللهِ وكذَّبَ بها ﴿ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ يعني وقال: سآخذ في الآخرة أموالا وأولادًا!، فرَدَّ اللهُ عليه بقوله: ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ يعني هل نَظَرَ في اللوح المحفوظ فرأى أنه سيُعطَى مالاً وولدًا يوم القيامة؟ ﴿ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ بذلك؟ ﴿ كَلَّا ﴾: أي ليس الأمر كما يَزعم ذلك الكافر، فلا عِلمَ له من الغيب، ولا عهدَ له عندنا، بل ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ مِن الكذب والافتراء على اللهِ تعالى ﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴾: أي وسنَزيده في الآخرة من أنواع العقوبات، ونُضاعف له العذاب، كما ازدادَ هو في الضلال ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾: أي وسوف نَسلب منه مالَه وولده - الذي يَفتخر به - ونَرثه بعد موته، ﴿ وَيَأْتِينَا ﴾ يوم القيامة ﴿ فَرْدًا ﴾ لا مال معه ولا ولد.
الآية 81، والآية 82: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً ﴾ من الأصنام، فعَبَدوها ﴿ لِيَكُونُوا لَهُمْ ﴾ - في نظرهم الفاسد - ﴿ عِزًّا ﴾ أي شفعاءَ لهم عند اللهِ تعالى، ليَعتزوا بهم ولا يُهانوا، ﴿ كَلَّا ﴾: أي ليس الأمر كما يَزعمون، فلن يكونوا لهم عِزًّا، بل ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾: أي ستكفر هذه المعبودات في الآخرة بعبادة مَن عبدهم (حيث يُنكِرون أنهم أمَروهم بعبادتهم)، ﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ أي وسيكونون شُهداءَ ضِدّهم، بخلاف ما ظنوهُ مِن أنهم سيَشفعون لهم.
الآية 83، والآية 84: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ أي سلَّطْناهم عليهم ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾؟ أي تُحَرِّكهم تحريكاً شديداً نحو الشهوات والمعاصي والجرائم والمَفاسد، إذاً فلا تَعجبْ مِن مُسارعتهم إلى الشر والفساد والكفر والضلال، وكذلك ﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي لا تستعجل بطلب العذاب الفوري على هؤلاء الكافرين، فـ ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ ﴾: أي نَعُدّ أعمارهم وأعمالهم ﴿ عَدًّا ﴾ لا تفريطَ فيه ولا تأخير، ثم نُحاسبهم على كل ذلك ونُجازيهم به، (فإنهم كلما ازدادوا ظلماً، ازدادَ عذابهم يوم القيامة).
♦ واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يَستعجل العذاب بقومه إلا في الظروف الخاصة الطارئة، كما حَدَثَ عندما قُتِلَ سبعون مِن حَفَظة القرآن، وأما في غير الظروف الخاصة، فكان يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يَعلمون)، وكانَ يقول: (أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابهم مَن يَعبد اللهَ وحده لا يُشرِك به شيئاً).
الآية 85، والآية 86، والآية 87: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ ﴾ أي اذكر - أيها الرسول - يوم القيامة، حينَ نَجمع المتقين ﴿ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ أي وفودًا مُكَرَّمين، تَحُوطُهم الملائكة حتى يَنتهوا إلى ربهم، فيكونوا في جواره في الجنة، ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾: أي ونَسُوقُ الكافرينَ سَوقًا شديدًا إلى النار مُشاةً عِطاشًا ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ﴾ أي لا يَشفع بعضهم لبعضٍ كالمؤمنين، ولا يَشفع لهم أحدٌ أبداً، ﴿ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾: يعني إنما يَملك الشفاعة مَنِ اتخذ عند الرحمن عهدًا بذلك، وهم المؤمنون بالله ورُسُله، حيثُ يُشَفِّعهم سبحانه في غيرهم، أو يَشفع لهم غيرهم (إنْ هم دخلوا النار بذنوبهم حتى يَخرجوا منها).
♦ ولعل المقصود بعَهد الشفاعة هنا: هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، ففي الحديث الصحيح أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله، وكانَ في قلبه مِن الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4 /711).
من الآية 88 إلى الآية 95: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي وقال الكافرون: ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ (حيثُ قال مُشرِكو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت النصارى: عيسى ابن الله، وقال بعض اليهود: عُزَيرٌ ابن الله)، ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ ﴾ - أيها القائلون - بهذه المَقالة ﴿ شَيْئًا إِدًّا ﴾ أي شيئاً عظيمًا مُنكَرًا ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ أي يَتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول، ﴿ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ﴾لأنّ هذا القول مُغضِبٌ لربها عزّ وجلّ، ﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ أي وتَسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا للهِ تعالى بسبب ﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ ونَسَبوهُ إليه كَذِباً،﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾: أي لا يَليق بعظمة الرحمن سبحانه أن يتَّخذ ولدًا، لأنّ اتِّخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، واللهُ تعالى هو المُبَرَّأ من كل النقائص، الغني عن كل خلقه، لأنه رب كل شيء ومالكه، و﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ أي: ما كل مَن في السماوات من الملائكة، ومَن في الأرض من الإنس والجن، إلا سيأتي ربه يوم القيامة عبدًا ذليلاً خاضعًا مُقِرّاً له بالعبودية، ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾ أي عَلِمَهم واحداً واحداً، فلو كانَ بينهم إلهٌ معه، أو ولدٌ له لَعَلِمَه، (سبحانه وتعالى عما يَصفون)، ﴿ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾: أي وسوف يأتي كل واحد من الخلق إلى ربه يوم القيامة بمفرده، لا مالَ له، ولا ولد معه.
الآية 96: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - أولئك ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ أي سيَجعل لهم مَحَبّة ومَوَدَّة في قلوب عباده، فيَعيشونَ مُتحابِّينَ فيما بينهم، ويُحبهم ربهم تبارك وتعالى.
الآية 97: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾: يعني فإنما يَسَّرنا هذا القرآن بلُغَتك العربية أيها الرسول، حيثُ أنزلناه بلسانك العربي ﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ﴾ بالجنة، ﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾: أي وتخوِّف به المُكَذِّبين - المجادلينَ بالباطل - من النار.
الآية 98: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾: يعني ولقد أهلكنا كثيرًا من الأمم السابقة قبل قومك أيها الرسول، فـ ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾: يعني هل ترى منهم أحدًا، أو هل تسمع لهم صوتًا خفياً؟ (والجوابُ لا)، فكذلك الكفار من قومك، نُهلكهم كما أهلكنا السابقين مِن قبلهم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد بإهلاك المُكَذِّبين المعاندين، كما حدث يوم بدر).
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.