الشهيد - هاني مراد
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
روح صادقة أيست من زيف البشر! لم يجد الشهيد أنفس من روحه يجود بها! فبعد أن يعيش الشهيد لفكرته وبفكرته في دقائق حياته، وبعد أن تُصبغ روحه بتلك الفكرة، يصل إلى الذروة ونقطة الخيار: إما أن يهب روحه لفكرته لتستمر بعد مماته، وإما أن يضنّ بهذه الروح، فيكون شحيحاً على فكرته، فتواجه شبح الموت .
ولأن الشهيد يشهد بأن فكرته أثمن من روحه، ولأنه يهب روحه في سبيل تلك الفكرة، فإنه يستحق منزلة الشهادة ويسمى في السماء والأرض: شهيدا.
ولأنّ الشهيد يعيش على مدار سني حياته ولحظاتها في سبيل فكرته، فلا يضيره أن تنتهي حياته في سبيل تلك الفكرة، فقد وهب نفسه وروحه لفكرته في كل حال، فيستوي لديه العيش لهذه الفكرة في الدنيا ، أو الموت فداء لها، لتعيش هي في الدنيا التي يموت فيها، لكنه يعيش معها في دنيا أخرى؛ دنيا الحقيقة والشهود؛ دنيا الصدق لا دنيا الكذب .
وفي الوقت الذي يبكي فيه البشر ذلك الشهيد، فإنه يضحك مستبشرا بدنيا الحق التي يعيشها بعد ذلك العناء! ذلك العناء الذي دفع فيه كل شيء.
دفع فيه كل شيء من مال وجهد! دفع فيه كل شيء من راحة واطمئنان! دفع فيه كل شيء يتعلق بهذه الدنيا الفانية.
فإذا لم يبق ما يصله بهذه الدنيا إلا روحه، قدمها هي أيضا راضياً مرضياً.
وهم يبكون وهو يضحك! يضحك لمن أحبوه في الدنيا مستبشراً بلحاقهم به في الآخرة! ويضحك ساخراً ممن قتله، موقناً أنه سوف يلقى جزاءه! سوف يلقى جزاءه ليس في دنيا الكذب الفانية، بل في دنيا الحقيقة الخالدة.
يذهب الشهيد إلى المكان الأليق به! يذهب إلى مقعد صدق! يذهب إلى دنيا الصدق! فهناك يأنس بالصادقين مثله، ويحط عن كاهله زيف البشر! زيف الكاذبين! زيف المنافقين! وزيف المدعين!
فهنيئاً لك أيها الشهيد! وسحقا لمن قتلك أو فرح بقتلك! هنيئاً لك الفوز! وتباً لمن قتلك أو فرح بقتلك!