أرشيف المقالات

لا بد من التعري وخلع اللباس!!

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
قف أيها القارئ!
لعلك تعجبت من عنوان المقال الذي بين يديك؟.
والأعجب من ذلك أن تعلم أن الحقيقةَ التي يجبُ أن نؤمن بها جميعًا أنه مع انفتاح العالم بعضه على بعض لابد من التقدم والرقي للرجال والنساء وذلك بالتعري وخلع اللباس!.
 
أيها القارئ! لا تظن أن هذه كلمات نقلتها من كتاب وأريد أن أعلق عليها! لا، ولكنها كلمات كتبتها بكامل قواي العقلية إن التعري وخلع اللباس هو الطريقة الصحيحة للحصول على السعادة الحقيقية!.
 
كأني بك أيها الغيور قد أنكر قلبك هذه الكلمات التي خالفت الفطرة والمنهج الذي تعتقده وتؤمن به من الطهر والعفاف! ولكن رويدك فأنا أعي ما أقول وما أكتب وما أدعو إليه، فدونك الأسطر التالية اقرأها وتمعن فيها، فإذا قرأتها فقل بعد ذلك ما شئت، فإما أن نقتنع جميعًا أنه لابد من التعري وخلع اللباس أو لا نقتنع.. فأقول:
إن جلسـة تأمـل وتفكـر في واقـع الأمـة المحمدية بين جيلهـا الأول وبين هذا الجيل، لتنتهي بالمتأمل إلى ملاحظة الفروق الكبيرة، والبون الشاسع بين الجيلين.
 
وإن إعادة النظر مرةً بعد مرة في حال الجيلين، وتقليب البصر فيهما لعل المؤمن أن يجد تشابهًا بينهما في التمسك بالوحي الرباني لَيَجعل البصر يرتد خاسئًا وهو حسير.
 
ولولا ما وعد الله تبارك وتعالى به هذه الأمة من النصر والتمكين _ وإن طال الزمن _ لخشي المؤمن أن يفضي به ذلك التأمل والتفكر إلى اليأس من الانتصار والعودة إلى ما كانت عليه من العزة والغلبة، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، وقال سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173]، وغيرها من الآيات.
 
وفي السنة النبوية من الأحاديث الصحيحة ما يرفع الهمم، ويبث في النفس الأمل، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهم أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظاهرون» رواه البخاري ومسلم، وغيره من الأحاديث النبوية.
 
إن من تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية ليجد أن سبب إعراض كفار قريش عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصد الناس عنها والكيد لها من أجل إطفاءها في مهدها هما سببان أو لباسان رئيسيان:
اللباس الأول: الجهل والتقليد! أي الجهل بعظمة الله وتوحيده والتمسك به، والجهل بعظمة الشرك وفعله، وتقليدهم للآباء والعظماء في عاداتهم وعباداتهم، قال سبحانه ذامًا لهم هذا الجهل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]، وقال في ذم التقليد: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]، وفي الآية التي بعدها من نفس السورة {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
 
اللباس الثاني: إتباع الهوى! أي إتباع الهوى في عدم ترك شهوات النفس المحرمة، قـال سبحـانه في ذمه: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، وقال سبحانه لنبيه داود عليه السلام: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26].
 
إن الناظر بعين البصيرة لحال الأمة في هذا الزمن ليجد أن هذين اللباسين (لباس الجهل والتقليد) و(لباس الهوى) هما سببا البعد والتخلف عن ركب سلف الأمة! نعم أيها الأحبة.
 
فقلّب ناظريك في غربة التوحيد الخالص بين عباد القبور في المزارات والأضرحة في كثير من الدول الإسلامية! هل سببه إلا ارتداء لباس التقليد للآباء وعلماء الضلال والجهل بعظمة التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل والأنبياء؟
 
وانظر إلى غربة تحكيم شرع الله وسَن القوانين الوضعية، والسفر إلى بلاد الكفار والنظر في محاكمهم! هل سببه إلا ارتداء لباس الهوى في محاكاة الغرب الكافر والانفتاح على العالم والجهل بخطورة التشريع من دون الله؟ قال سبحانه محذّرًا من التشريع من دونه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فكم تسمع عن مجالس التشريع في بعض الدول الإسلامية، فهذا رئيس مجلس التشريع! وذاك نائب الرئيس! وهؤلاء أعضاء المجلس!.
 
أما عقيدة الولاء والبراء فهي العقيدة التي لا بواكي لها! فقد حُذفت من المناهج الدراسية، ونُشرت ثقافة الصداقة مع الديانات الأخرى، حتى نشأ فينا من يسمي أعداء الله بالأصدقاء ومثل هذه العبارات، هل سبب ذلك إلا لباس الجهل بنصوص الشريعة التي تحذر من موالاتهم ومحبتهم؟
 
وانظر إلى غربة أهل السنة والجماعة في الدول المجاورة وسكوت المسلمين عن نصرتهم! هل سببه إلا الجهل بخطورة خذلانهم وارتداء لباس الهوى والخوف على المناصب الدنيوية؟
 
وانظر حولك في بعض الصحف والمجلات وبعض المواقع الالكترونية تجد كثير من زَبَد المنافقين واللبراليين والعلمانيين، ماذا يريدون من مطالباتهم في تحرير المرأة ؟ إنهم يريدون إشباع رغباتهم الجنسية وعيونهم الجائعة في النظر إلى نساءنا المسلمات وهن متبرجات سافرات! كل ذلك لأنهم لبسوا لباس الهوى في تحقيق ما يريده الغرب والجهل بمراقبة الله فيما يكتبونه، قال سبحانه {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، ويصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشـبر وذراعا بذراع، حتى لو دخـلوا جحر ضب لدخلتموه».
قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن؟» أي فمن هؤلاء إن لم يكونوا اليهود والنصارى.
 
وعلى المستوى الفردي والتمسك بالأوامر والنواهي الربانية أو تقديم محاب النفس والشهوات على محبة الله ورسوله!
 
فهل امتثل أمر الله من نام عن صلاة الفجر أو ترك الجماعة وصلى في بيته؟ أم لبس لباس الهوى وأخذ بفتوى من يقول إن صلاة الجماعة سنة لأنها وافقت ما يهوى؟ مع أن الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على وجوبها مع جماعة المسجد.
 
هل امتثل أمر الله من قدم مشاهدة المباريات الرياضية على مرضاة الله وأوامره أم لبس الهوى وقدمهما على محبة الله؟
 
هل امتثل أمر الله من لبس لباس الهوى ونظر إلى المحرمات والنساء مع أن الله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]؟
 
هل امتثل أمر الله من أهمل أولاده وبناته وزوجته فلم يجلس معهم ويكن صديقًا لهم! أم لبس الهوى في السهر وجلسة الاستراحات والسمر فيها وضيّعهم؟
 
هل امتثلت بعض النساء أمر الله عندما خرجت متبرجة ومتعطرة فاتنة ومفتونة أم لبست لباس الهوى في حب الظهور وفتنة الرجال؟
 
كل ذلك أيها القارئ _وغيره كثير_ سببه ارتداء الكثير منا لباس الجهل بعظمة الله وتقليدنا للآباء أو علماء الضلال أو قدواتهم، وارتداءنا لباس الهوى وتقديم محاب النفس على مرضاة الله، قـال سبحانه مبينًا ما هو اللباس الحقيقي الذي يقود إلى العزة والتمكين والسعادة {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، فكلما حقق المؤمن أو المؤمنة التقوى في نفسيهما استنار القلب وفاض هذا النور حتى ظهر على الجوارح، فتجده في الظاهر متمسكًا بهدي النبوة في سمته وقوله وفعله، وفي الباطن مراقبًا لله تبارك وتعالى.
 
ولذلك أيها المبارك تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وقبل النبوة لما تعرَّ من حظوظ النفس في تعامله مع الناس ولم يوافق قريشًا على الجهل والتقليد واتباع الهوى أطلقوا عليه: (الصادق الأمين) أي الصادق في أقواله وأفعاله والأمين في تعامله مع الناس صلى الله عليه وسلم.
 
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية أهمية التعري من هذين اللباسين الجهل والتعصب _ أي التقليد _ عندما قال:
وتَـعـرّ مـن ثـوبيـن من يلبسهما   ***   يلقـى الـردى بمذمةٍ وهــوانِ 
ثوبٌ من الجهل المركب فوقـه   ***   ثوبُ التعصب بئست الثوبانِ 
 
♦ وإن سألت أيها الموفق عن علاج اللباسين (لباس الجهل والتقليد) و(لباس الهوى) فهو كالآتي:
1- علاج الجهل يكون بالعلم الشرعي والتفقه في دين الله وترك ما يسبب لك الغفلة من مسموع أو مقروء أو مرئي.
 
2- علاج الهوى والتقليد يكون في تحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة طريقة تعامله مع المجتمع وتقديم سنته وقوله وفعله على كل أحد.
 
وأخيرًا.. تذكر أيها القارئ هذه العبارة واكتبها بماء الذهب وعلمها أبناءك وأصدقاءك وكل مسلم [إذا أردنا العزة والتمكين والسعادة الحقيقية فلا بد من التعـري من حظـوظ النفـس وخلع (لباس الجهل والتقليد) و(لباس الهوى) سواء في مقالاتنا أو في كلامنا أو في تعاملنا أو في قيادتنا للناس أو في نصرتنا للمسلمين أو في طلبنا للرزق أو في أي شأن من شؤون حياتنا كلها].
 
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا جميعًا لباس التقوى، وأن يثبت قلوبنا على دينه، وأن ينصر أولياءه وحزبه، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة.
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________________________________________________
الكاتب: صالح بن محمد الطامي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣