في رحاب سورة الهمزة 3/2 - محمد سيد حسين عبد الواحد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
قال أهل العلم الويل: واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت(ذابت)
وقيل"الويل واد في جهنم يهوي فيه الانسان أربعين سنة قبل أن يبلغ قعره هذا الوادى يسكنه ناس من صفتهم الهمز واللمز وتتبع عورات الناس..
أما الهماز فهو الذى يسخر من الناس بالإشارة كتحريك اليد قرب الرأس إشارة إلى الوصف بالجنون أو تحريك العين رمزاً للاستخفاف والاحتقار ..
أما اللماز فهو الذى يسخر من الناس بلسانه كتسمية الشخص باسم يدل على عاهة فيه أو مرض أو عيب..
وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب ويدخل فى ذلك من يحاكى الناس فى أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه
وكل ذلك يتنافى مع مكارم الأخلاق التى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغرسها فى قلوبنا..
أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله من همزات الشياطين وما يقومون به من حركات أو ما يخيلونه إلى الإنسان من أعمال قال تعالى ( {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ} )..
ونهى الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستماع إلى الهمازين النمامين أو الالتفاف إليهم..
قال تعالى( {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} )
ونفر الله الهمازين اللمازين من صنيعهم وشبه فعلهم بأشد ما يكرهون فقال سبحانه
( {يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } )
وندد القرآن بنفر من المنافقين كانوا يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم والذين امنوا وتوعدهم بأشد ألوان العذاب(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
السؤال الذى يطرح نفسه الآن وبقوة من هو الهماز ومن هو اللماز ؟
يجيبنا عن هذا السؤال ربنا سبحانه فيقول ( {الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده} )
والمعنى أن الذى يحمل الهماز اللماز على الحط من أقدار الناس هو جمعه المال وعده لما عنده فكلما نظر إلى كثرة ما عنده من المال انتفخ وظن أنه رفيع المكانة وانه ذو فضل ومزية من بين الناس ويظن أن ما عنده من المال قد حفظ له حياته فهو لن يفارق الدنيا إلى حياة أخرى ليسال ويعاقب فيها على ما كسبت يداه من سيئ الأعمال..
ولا يفهم من هذا ذم المال والغنى فمن الاغنياء العاقل المتزن التقى الخفى قال فيه صلى الله عليه وسلم (نعم المال الصالح للرجل الصالح)
وإنما المقصود أن من الأغنياء من يتصف بالغمز واللمز والهمز
ثم بين سبحانه بعد ذلك سوء عاقبة ذلك المغرور بماله الذى سلط على الناس لسانه فقال { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة نَارُ الله الموقدة }نار لا يعرف شدتها ولا قوتها الا الله اوقد عليها الف عام حتى احمرت ثم اوقد عليها الف عام حتى ابيضت ثم اوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة نسال الله السلامة..
قال النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَجُعِلَ لَهَا نَفْسَانِ نَفْسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفْسٌ فِي الصَّيْفِ فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ حَرِّهَا وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا..
من صفة هذه النار أنها { {تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} } تنفذ النار والعياذ بالله الى القلوب فتكشف خباياها وأسرارها فتحرقها وتهلكها { {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } }يدخلها الأبعد فتغلق عليه بحيث لا يستطيع الخروج منه (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)
ثم يقول الله تعالى { {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } } قال قتادة: كنا نحدث أنهم يضربون ويعذبون بعمد طويلة في النار..
نسال الله تعالى ان يحفظ علينا ديننا الذى هو عصمة أمرنا وان يحفظ علينا دنيانا التى فيها معاشنا وان يحفظ علينا أخرتنا التى فيها معادنا..
يتبع: في رحاب سورةالهمزة 3/3