أرشيف المقالات

لماذا لم تطلعيني على هذا الكتاب منذ أربع سنوات؟!

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2لماذا لم تُطلعيني على هذا الكتاب منذ أربع سنوات؟!   سبحان الخالق القدير، العليم البصير، الذي يخلق ما يشاء ويختار، ويحسن خلقه، فيعجز الخلائق مهما أوتوا من القوة والقدرة، والعلم والمعرفة أن يخلقوا مثل أصغر خلقه، فيكون كخلقه.   إن من يتأمل في خلق الله تعالى فسيرى فيه غاية الإتقان والإحكام، وبديع الصنع والإنشاء، سواء كان المخلوق صغيراً أم كبيراً، فخلْقه شاهد بقدرة الله، ناطق بأنه لا رب إلا هو، ولا معبود بحق سواه، فماذا خلقت تلك المعبودات الباطلة التي عبدها المشركون، أليست خلقًا من خلقه، فكيف يصبح المخلوق إلهًا؟! ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16].   ولماذا يتكبر الإنسان الكافر المعاصر الذي يرى لنفسه منزلة عليا بعلمه ومعرفته، واختراعه وتطوره، فيعرض عن ربه، ويعبده غيره؟ وما المعرفة التي وصل إليها، والنتائج التي حققها إلا فضل من الله تعالى عليه ليبتليه بها، قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].
وما علم الإنسان في مقابل علم الله تعالى العليم البصير الخبير الذي يعلم كل شيء، ولم يسبق علمه بجهل ولا يلحقه نسيان؟! قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].   وأين قدرة الإنسان من استرجاع ما أخذ الذباب منه، وأين علمه الذي يستطيع به خلق شيء صغير كالذباب؟؛ ولذلك ضرب الله تعالى بهذا المخلوق الصغير المثل لتحدي الكافرين به، فكيف بما هو أعلى منه؟ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73].
يعني: "يا أيها الناس ضُرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه: إن الأصنام والأنداد التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ولا تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها، فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا: ضَعُفَ الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه، وضَعُفَ المطلوب الذي هو الذباب، فكيف تُتَّخذ هذه الأصنام والأنداد آلهة، وهي بهذا الهوان؟"[1].   وقد "خص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابًا مطاعين؟"[2].   "وهذه حقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز..
ولو قال: وإن تسلبهم السباع شيئاً لا يستنقذوه منها لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف، والسباع لا تسلب شيئاً أعظم مما يسلبه الذباب! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب!"[3].
فكان اختيار الذباب للتمثيل به في غاية الحكمة.   إن هذه الآية الكريمة من سورة الحج كانت سبب إسلام بروفيسور أمريكي في الفيزياء والأحياء حينما تدبر ما فيها، وقارن ما ذكرته بما وصل إليه العلم الذي تخصص فيه، فالعلم اليوم يكشف هذه الحقيقة فيقول: "إن الذبابة تمتلك خاصية تحليل الطعام خارج جسمها، فهي تمد فمها من أسفل رأسها لأخذ الطعام، مكونة بذلك أنبوبًا لامتصاص الطعام، وتفرز إنزيمًا ليمكنها من تحليل الطعام وتحويله إلى مادة سائلة لمساعدتها على امتصاصه خلال الأنبوب، وهذا يعني أنه لو فُرض أخذ الذبابة واستخراج ما بباطنها أو فمها فإنه لن يكون نفس ما أخذته، بل هو شيء آخر ومركبات أخرى متحللة، وبهذا تظل الحقيقة القرآنية ناصعة دالة على إعجاز هذا القرآن، فما أخذه الذباب لا يمكن لأحد استنقاذه منه على نفس هيئته، بل متغيرا متحللاً".
وإليكم قصة إسلام هذا العالم الأمريكي: " يخبر أحد الأئمة في أمريكا، يقول: كنت أخطب يوم الجمعة فقرأت آية كبر لها أحد المصلين استعظامًا لها، فسكتُ حتى انتهى، ثم أكملت خطبتي، ومن ثم صلاتي، فلما التفتُّ للمصلين أقبل علي من بين الصفوف رجل أمريكي أشقر أبيض في الثمانين من العمر، فقال لي: لقد سمعت تكبير الرجل لتلك الآية، والآية التي أسلمت بسببها أعظم، فهل تسمح لي بإلقائها؟ فقلت له: نعم، وقربت منه مكبر الصوت، ثم بدأ يتكلم فقال: لقد كنت رجلاً عالماً بالفيزياء والأحياء بدرجة بروفيسور، وكنت لا أدين بدين علمانياً، بل وملحدا، ًوكانت زوجتي مثلي، وفي يوم من الأيام دخلت علي زوجتي وأخبرتني أنها دخلت في الإسلام، ولقد تعجبت من ذلك، وبما أني أحمل مبادئ الديمقراطية لم أعترض عليها، ومع الأيام ارتحت لدخولها هذا الدين، لقد أصبحتْ أكثر هدوءً وأحسن أخلاقاً، ولقد اشترطتْ علي أن لا ألمس كتابها المقدس الذي تقرأ فيه، وكانت قد رفعته في أعلى رفوف المكتبة.
وفي يوم من الأيام دخلتُ البيت وكنت مستاء جداً من عملي ومتضايقًا لأبعد الحدود ، فشممت رائحة شواء اللحم الذي تحضره من الجزار المسلم حيث يكون مذبوحاً على الطريقة الإسلامية، وكنت أكره رائحته جداً جداً، فاستثارتني الرائحة وأشعلت غضبي أكثر، فذهبت مسرعاً إلى حيث كانت تشوي في الحديقة، فقلبت الشواية بما فيها من لحم وجمر، ثم دخلت البيت وأنا لا أزال انتفض من فرط الغضب والانفعال، فرفعت بصري فوقع على الكتاب الذي حذرتني من لمسه، فأخذته بين يدي ووضعته على فخذي وأنا جالس على الأريكة، وأخذت أهز قدمي ثم فتحت الكتاب وكان مترجمًا بالإنجليزية فوقع بصري على ترجمة معنى هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73].
بهتُّ ..
صعقت ما هذا الكلام؟! في علمي أن هذا الكتاب أنزل على محمد قبل ألف وأربعمائة عام، من أين له هذه المعلومة، لقد صنعنا الطائرات فعلاً..
وعابرات القارات..
والصواريخ، ولكن لا نستطيع أبداً أن نخلق ذباباً واحداً، ونحن نعلم في علم الأحياء أن الذباب من أسهل الكائنات الحية تركيباً، فلو استطاع العلماء أن يكونوه استطاعوا أن يعرفوا سر الخلق، ومن ثم يستطيعون أن يعرفوا أسرار خلق الإنسان، والأدهى من ذلك التحدي في هذا الكتاب في أن نسلب الذباب شيئاً أكله من أكلنا، فأنا عالم في الأحياء، وأعلم أن الذباب ليس له معدة فما يأكله يتفرق مباشرة في جسده وينتفع به، فلو شققنا عن معدته لإخراج ما أكله لن نجد شيئاً؛ لأنه كما قلت ليس له معدة، فمن علّم محمداً هذا قبل ألف وأربعمائة عام؟ لابد أنه من خلق هذا الذباب، ومن خلق الكون كله.   دخلتْ علي زوجتي وأنا في حيرتي ودهشتي، فقالت: أنت خائن وظالم، كيف تأخذه وأنا قد أخذت عليك العهود والمواثيق ألا تمسك به؟ قلت: بل أنت الظالمة، فهذا الكتاب عندك من أربع سنوات ثم لا تطلعيني عليه؟! ثم قلت لها: أريد أن أعرف الكثير عن دينك هذا، ففرحت كثيراً، ومن ثم أخذتني إلى المركز الإسلامي، ثم أعلنتها عالية: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)".   دروس من قصة الهداية: 1- العلم الدنيوي النافع طريق من طرق الهداية.   2- لا يزال القرآن ينشر على آفاق الوجود أنوار الهداية، وكل إنسان يقتبسها حسب ما أراده الله له، فقد يقتبسها إنسان بعلمه الموافق لما جاء به القرآن، وآخر بحيرته فيكون القرآن سبب راحته، وآخر ببحثه فيجدها بين سطور كتاب ربه، وآخر بتأثره بحسن ما سمع من آيات هذا الكتاب العظيم.   3- ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية له دور كبير في هداية الناس إلى الإسلام، فليحرص المسلمون على الإكثار من نشر ذلك.   4- على القريب أن يحرص على هداية قريبه؛ فإن ذلك أعظم هدية يقدمها له في الحياة.   لا يدري الإنسان التائه في دياجير الضلال من أين ستشرق عليه شمس الهداية؛ فقد تطلع عليه من داخل بيته، أو في لحظة يريد بها الانتقام فيأخذ الله بيديه إلى أفق الهداية المشرق، فيتحول الخصام إلى وئام، والكراهية الشديدة إلى محبة عميقة.


[1] التفسير الميسر، إعداد نخبة من العلماء (6/ 88). [2] تفسير القرطبي (12/ 97). [3] في ظلال القرآن، (5/ 217).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير