أرشيف المقالات

خواطر في الحرب

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
8 للأستاذ محمد عرفة لم يبق ريب في أن من أعظم الأسباب في سقوط الدولة الفرنسية الترف. اعترف بذلك الباحثون والكتاب ورجال السياسة، قال بيتان رئيس الوزارة الفرنسية: (لقد دمرت روح الانغماس في الملذات ما شيدته روح التضحية، أصلحوا من أخلاقكم ودعوا الترف والملذات، وأقبلوا على العمل بصبر وتضحية) ليس في ذلك كله شك، إنما الشك فيما أعرضه على نظر القراء: أيمكن للأمة تجنب الترف، أم أن الترف أمر لازم يتبع الغنى والثروة، والزهد والحرمان يتبع الفقر والإملاق، فالأمم الغنية حتما تنغمس في الترف والنعيم، والأمم الفقيرة تكون بمنجاة منهما، ولذلك لا يفل حدها، وتبقى لها قوة الصبر والمجالدة؟ حوادث التاريخ تنبئنا أن المذهب الثاني هو الحق فإذا صح هذا كان الوجود مقسماً قسمة عادلة؛ فما خسره الفرد من ذات يده ربحه من ذات نفسه، وما ربحه من نفسه خسره من ذات يده، أي أن الفقير المعدم وإن خسر المال يربح قوة العزم والقدرة على المقاومة، فهو يخسر الكنوز في المال، ويربح الكنوز في الأخلاق والقوى، والغني القادر - وإن كسب المال - يخسر القوة والقدرة على المقاومة فهو يكسب كنوز المال ويخسر كنوز الخلق والقوة والنفس. عدل في القسمة، وكنوز بدل كنوز، بل ربما كان حظ الفقراء أوفر من هذه القسمة، فإن الكنوز النفسية أثمن من كنوز الذهب والفضة بما لا يقدر. وإذا صح ذلك أيضاً كان التاريخ متشابهاً، وهو يتكون من دورات رحوية، لا تبدأ حتى تنتهي، ولا تنتهي حتى تبدأ فأمة تتغلب على أمة، فتغصبها خيراتها، وتتمتع بهذه الخيرات دونها، فإذا فتحت عليها كنوز الأرض، وانغمست في النعيم، ضعفت شوكتها، ولانت قناتها، وتغلب عليها من هم أقوى منها، ممن لم يفسدهم الغنى والترف والنعيم، وممن ازدادوا حصانة بالفقر والإقلال. محمد عرفة

شارك الخبر

المرئيات-١