تعلم كيف تدرس
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:إن التنظيم والترتيب مهم ومطلوب في جميع أمور الحياة، فيضفي على العمل رونقاً جميلاً ويجعله أكثر حيوية وفائدة، ويُعد تحضير الخطة الأولية لأي عمل (مَهما كانت صفته) من العوامل الرئيسة لنجاحه، والتحضير المخطط من الأمور التي يجب على العاقل الاهتمام به بشكل جيد ومناسب وعدم إهماله، فإن ذلك يزيد في فرص النجاح والتقدم، إضافة إلى أنه يُعوّد الشخص على ترتيب أفعاله ما ينم عن اتزان أفكاره، ومراقبة سلوكه، واحترامه لوقته، فالفوضى تزيد الهم ّ والغمّ وتجعل الإنسان قريباً من اليأس بعيداً عن طرق الفوز وكسب حب الآخرين.
ونقل الخير للبشرية من خُلُقِ ديننا الحنيف ومنهجيته السمحة، لذلك عكفّت في تَدوين بعض الطرق والوسائل الدراسية الصحيحة (فيما علمت وجرّبت)، ولجميع المراحل التعليمية المدرسية والجامعية (الخاصة بالطالب)، بُغية إيصالها إلى كل مسلم يرنو إلى التفوق في تحصيله العلمي، بل وإلى أي شخص (كائن من كان) ليأخذ من مَعين إسلامنا الكريم كل نفع وخير، فيكون له سبباً في هدايته ورشاده وتوبته.
أرجو المولى عز وجل أن يجعل فيها الفائدة والرشاد، وأن يستعملنا في أبواب الخير والنفع لجميع المسلمين خاصة، وللبشرية بعمومها، إنه ولي الأمر والتوفيق.
إن من الصعوبة بمكان إيجاد طريقة واحدة في دراسة سليمة لمواد متباينة، يَدرج عليها جميع طلابنا الأعزاء، وذلك لوجود عدة فروق علينا مراعاتها.
فمن هذه الفروق والاختلافات:
اختلاف رغبات الطلاب بين الدروس الأدبية والدروس العلمية.
اختلاف طريقة التفكير من طالب لآخر.
تباين نسب الذكاء بين الطلاب.
تباين الطلاب في محبتهم للمادة الدرسيّة.
اختلاف نوع المادة أيضاً فمنها:
مواد يلزمها فهم وتركيز.
مواد يلزمها حفظ وتكرار.
مواد يلزمها استنباط وتعبير.
مواد يلزمها تجارب وتحليلات.
ولكن أستطيع أن أذكر بعض الطرق المتبعة والمجربة، ومن ثَم يختار الطالب ما يناسبه منها.
تنقسم المواد الدراسية إلى:
مواد حفظيّة.
مواد علمية.
وممكن أيضاً أن تكون مزيجاً بين العمل والحفظ بآن واحد ولكن بنِسب متباينة.
أولاً المواد الحِفظيّة: وهي التي تعتمد على حفظ ما تعلمه الطالب واستحضاره واستظهاره دون الرجوع للمصدر (كالمواد الأدبية والتفسير والحديث القصائد والتعبير واللغة والسير وغير ذلك).
ولها طرق عديدة قد نقلتها من تجارب أجريتها على نفسي بداية، ونصحت بها بعض طلابنا وقد أتت بنتائج جيدة.
طرق دراسة المواد التي تعتمد على الحفظ:
1. التحضير الجيد للدرس (قبل سماعه من المعلم) وذلك بقراءته ولو لمرة واحدة في المنزل، طبعاً بداية سيكون فيه الكثير من الأفكار التي لم تُفهم ولا حرج في ذلك.
2. قراءة الدرس لأول مرة قراءة سطحية سريعة، ثم محاولة قرأته مرة أخرى بفهم وتركيز، ولا مشكلة في ورود أسئلة تعجبية على الذهن فهناك شرح سيأتي عليه المعلم في الصف.
3. تعليق أي كلمة غريبة أو فكرة غامضة على الهامش، أو بوضع تحتها خط أو بنقلها على دفتر أو ورقة خارجية أو بالبحث عنها في مصادرها.
4. متابعة المعلم عند قراءة الدرس، والانتباه عند الشرح، وعند أسئلة تقيّم الدرس.
5. تدوين أو تسطير بعض الأفكار الفرعية والرئيسية (وقد يكون ذلك على هامش الكتاب) أو نقلها إلى دفتر خارجي أو ورقة.
6. تلوين بعض الأفكار الفرعية بلون أخر (قلم عَلَام).
7. السؤال عند أي مشكلة في الشرح، وفي أي غموض في الدرس، فالحياء مذموم في هذا الموضع (اثنان لا يتعلمان مستحٍ ومستكبر).
8. المشاركة الفعّالة للطالب عند قراءة وشرح الدرس وذلك: (كأن يتمتم الطالب بالفكرة التي يريد الأستاذ ذكرها - سراً أو جهراً وذلك مما حضّره في البيت).
9. الاهتمام بما يُكتب على السبورة أو يُعرض على جهاز العرض "بروجكتور"، (بأن يكتب كل ما كتبه المعلم).
10. القيام بتلخيص مبسط للدرس (الفكرة وشرح بسيط) في البيت.
11. قراءة الدرس في البيت مرة أخرى (قراءة سريعة عابرة) لتثبيت بعض الأفكار فالتكرار جيد.
12. كتابة وحل الواجب البيتي الـمُعطى من المعلم.
13. وضع ملخصات لكل مادة (وتكون من كتابة وفهم وتلخيص الطالب حصراً).
14. تشجير الدرس (كتابة الدرس على شكل شجرة لها فروع وأغصان وثمار) بشكل فني وجيد.
15. استعمال الأقلام الملونة في عملية التشجير والتفريعات.
16. اتباع طريقة: تقسيم الدفتر إلى عدة أقسام:
(قسم التعريفات، قسم التعاليل، قسم التعدادات، قسم الشروط، قسم التواريخ، قسم الغزوات وهكذا).
17. تدوين ملخصات الدروس في دفتر جَيب صغير تقوم بمراجعته في الحافلات وفي أوقات الانتظار.
18. تسجيل بعض الدروس صوتياً من الأستاذ ثم إعادة سماعها أكثر من مرة.
19. تكرار وكتابة الدروس أكثر من مرة (الطريقة البدائية التقليدية) وللأسف الآن قل اعتمادها.
20. تذكر كل فكرة قالها المعلم بتذكر حال المعلم عند شرحه للفكرة (كأن يتذكرها من خلال وقوف الأستاذ أو حركته في الصف أو غضبه أو غير ذلك).
21. تذاكر الدروس واستظهارها مع صديق مقرب له كأن يكون جاره بالمقعد.
22. اختصار الأفكار الطويلة بجمل كافية وافية.
23. الاهتمام بالخط بشكل جيد، فهو يساعد بفاعلية الحفظ والدراسة.
24. التركيز الجيد بالفكرة قبل حفظها.
ما المعيار في الحفظ والفهم؟
لا يتم فهم الفكرة وحفظها إلا إذا استطعت أن تشرحها لغيرك، وبارك في عمر أستاذنا الشيخ محمد علي شُقير حفظه الله حيث كان يقول لي: (فهمت الدرس يا فراس؟ فأقول له: نعم، فيقول لي: اصعد الـمِنصّة واشرح الدرس للطلاب، فأُحرج ويحمر وجهي ولا أدري ما أقول، عندها يقول لي الشيخ: يا شيخ فراس إن الطالب لا يتم فهمه إلا إذا استطاع شرح ما فَهِم لغيره.
ثانياً: المواد العلمية: وهي الدروس التي تعتمد بشكل كبير على الفهم والتركيز والمحاكمات العقلية المنطقية والتجارب والتحليلات (كالحساب والجبر والفيزياء والهندسة والكيمياء وغيرها).
وتعتمد هذه المواد على طرق مختلفة بعض الشيء عما ذكرنا:
تحضير الدرس بالمنزل وفهم ولو 25% منه.
الانتباه الجيد للمعلم عند للشرح (العقل والجوارح) والبعد عن الشرود.
المشاركة في الدرس جيداً (كالإجابة على الأسئلة - تحضير الفكرة التي يود المدرس ذكرها ولو تخميناً - تصويب المعلم إن أخطأ بشكل أدبي).
إعداد أدوات الدرس اللازمة الخاصة بالطالب: (أدوات هندسية، سبورة صغيرة، أقلام ملونة، حاسوب، آلة حاسبة، وغير ذلك).
السؤال عن كل فكرة غامضة (وعدم الخروج من الصف إلا باستكمال فهم الدرس).
القيام بإجراء بعض التجارب والأمثلة أمام الطلاب.
تدوين وفرز الأمثلة العلمية في قسم خاص من الدفتر (كأمثلة على المعادلات - أمثلة على التركيبات - أمثلة على النظريات وهكذا)، مساعدة الأقلام الملونة المتعددة بذلك، فلها تأثير فعّال بتذكر المعلومة فيتذكر مثلاً: (المعادلة من الدرجة الثالثة وقد كتبها باللون الأخضر).
الاهتمام بما يُكتب على السبورة، ونسخها على الدفتر.
القيام بتلخيص الدرس في البيت، وإجراء أمثلة عليه ومحاولة حلها.
القيام بتبديل الرموز والأرقام لبعض المسائل والمعادلات، وحلها مجدداً.
اتباع طريقتي "الملخصات والتشجير" كما ذكرنا سابقاً.
تدوين جميع المعادلات في قسم واحد تحت عناوين خاصة بها (كقسم المعادلات من الدرجة الثانية) (قسم المعادلات من الدرجة الثالثة).
تدوين جميع النظريات في قسم واحد تحت عناوين خاصة بها (قسم نظريات الدوائر، قسم نظريات المثلثات، قسم نظريات المستقيمات الخ).
حل الواجبات المنزلية، وإجراء امتحان ذاتي لفهم كل فقرة.
عدم الانتقال إلى أي فكرة حتى ينتهي من فهم الفكرة التي قبلها.
التركيز على القواعد الأساسية والمرتكزات في حل جميع المعادلات: (حفظ جدول الضرب، حفظ القوانين، حفظ رموز الكيمياء، فهم النظريات الهندسية وحلولها، حفظ القواعد الفيزيائية وهكذا) فبدونها لا يستطيع الطالب إجراء أي عملية.
بعض الملاحظات العامة للدراسة:
لإيجاد بيئة جيدة ومناسبة تساعد في عملية الدراسة، علينا اتباع ما يلي:
1. اختيار المكان الجيد والأدوات المناسبة والكيفية المثلى للدراسة:
غرفة يدخلها الهواء والشمس.
طاولة جيدة، وكرسي مريح وصحي.
إضاءة مناسبة (ليست قوية أو ضعيفة).
إفراغ الطاولة من جميع الكتب عدا الكتاب الـمُراد دراسته.
ونظافة الطاولة تلعب دوراً هاماً في نفسية الدارس.
تهوية للغرفة بشكل دائم ومتكرر.
تعطير الغرفة برائحة جميلة.
للتدفئة والتكيف دور هام لمكان الدراسة (مع العلم أن التدفئة الزائدة تشعر بالنعاس).
2. البحث عن الأوقات المناسبة للدراسة (وخاصة ساعات الفجر الأولى).
3. اختيار الأماكن الهادئة، وتجنب الدراسة بأماكن وجود الأطفال وأصوات السيارات والضوضاء والازدحام، حيث أن الفكر يلهو بكل صوت يجول حوله.
4. النوم المبكر ولساعات كافية أقلها (ست ساعات) واجتناب السهر فإنه يرهق الجسم والعقل (وتختلف ساعات النوم اللازمة بين الأرياف والمدن).
5. المحافظة على الصلوات مع الجماعة فهي زاد المؤمن.
6. الغذاء المناسب الذي يساعد في تنشيط الذاكرة، وتثبيت الحفظ، كالعسل والزبيب والتمر والزيت والبيض والحليب وغيرها، واجتناب التخمة.
7. المحافظة على الأذكار والدعاء ففيهما الوقود للقلب، والصفاء للذهن والفكر.
8. طلب الدعاء من الوالدين والإخوة والأصدقاء.
9. الدعاء في السجود والقنوت ودبر كل صلاة بشرح الصدر والفهم وحب العلم والصبر على طلبه.
10. احترام جميع الأوقات والبرامج، وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا يطغى حق على حساب حق أخر.
11. وبعد كل ذلك التوكل على الله تعالى حق التوكل فالتوفيق بيده وحده جل جلاله.
إن ما ذكرته من الأفكار والوسائل الخاصة في كيفية دراسة طلابنا الكرام، كان نتيجة عدة تجارب واختبارات شخصية، فمنها الذي نجح، ومنها ما كان متوسط الفاعلية، ومنها ما لا ينفع مع بعض الأشخاص، ومع ذلك فإن هذه الرسالة غنية بالطرق المتعددة، فكل شخص أدرى بما يناسبه ويلائمه في دراسته.
وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار الطرق الحديثة في إعطاء الدروس، مثل استعمال الأدوات الذكية كالمخترعات الإلكترونية، والدراسة عند بعد، ودور الشبكة العالمية (الانترنت) في التعليم، إلى غير ذلك من التفاعلات مع الحياة الذكية كما تسمى.
نرجو الله تعالى أن نكون قد وفقنا في جمع هذه المادة، لتكون زاداً لأبنائنا البررة في حياتهم العلمية، فتغدو إحدى درجات السمو والتفوق والريادة، وأن يُلهمنا الخير والرشاد لما فيه الفلاح ونفع العباد، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: فراس رياض السقال.