الدعوة إلى معرفة التاريخ وقصص الأمم السابقة للاعتبار والعظة
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
مجالات الدعوة في القرآن الكريم وأصولها (17)الدعوة إلى معرفة التاريخ وقصص الأمم السابقة للاعتبار والعظة
من مجالات الدعوة القُرآنية وأصولها:
دعوة القُرآن الكريم إلى معرفة التاريخ وأحداثه وأيَّامه، ومعرفة أحوال الأمم السالفة في الزَّمان المنقضِي، والتَّبصُّر بعَواقبهم.
لأنَّ معرفة التاريخ الإنساني والقصص المتضمِّن للأمم والأقوام والقبائل، وبَيان أعمالهم وحَضاراتهم، وبَيان أحوال المكذِّبين للوحي والرُّسل منهم، ومعرفة عَواقبهم فيه من العِبَرِ والدُّروس والعظات ما يجعل من ذلك معتبرًا وإصلاحًا للمستقبل القادم من بعيدٍ - بإذْن الله.
إنَّ القُرآن يُطالب المسلم بالمعرفة الثقافيَّة التاريخيَّة، والتي أَوْلاها القُرآن قِسْطًا كبيرًا من العرض المتمثِّل في القصة القُرآنيَّة البديعة؛ ذلك حتى يُوسِّع الإنسان آفاقه، ويطَّلع على أحوال الأمم، وتاريخ الرجال، وتقلُّبات الأيَّام بها وبهم، ويستبصرُ بالسُّنن الربانيَّة الجارية في الكون وأحداثه ووقائعه، وحتى يعلَمَ عواملَ قِيام الأمم، وأسباب سُقوطها وإهلاكها، وكيف أنَّ الحقَّ دائم وخالد وباقٍ مهما علا صوتُ الباطل وانتفش رِيش جَناحَيْه، هذا بالنسبة إلى التاريخ عُمومًا.
• أمَّا القصَّة القُرآنيَّة، فهي تُعَدُّ لونًا من ألوان التاريخ، والتاريخ هو ربْط الأحداث بأزْمانها، وهكذا تكونُ الأشخاص في القصَّة القُرآنيَّة جُزءًا من أحداث حياة زمانها.
وما دام التاريخ هو ربط الأحداث بأزمانها، سواء أكان فعلاً أم فاعلاً لفعلٍ، فإنَّ لنا أنْ نعرفَ أنَّ الحدَثَ التاريخيَّ يدورُ حوله الأشخاصُ مثلما حدَث لتاريخ الإسلام مثلاً.
فالإسلام حدثٌ هَزَّ الكون كلَّه، وعندما يُؤرِّخ له أحدٌ فإنَّه يبدأ بتاريخ نُزول القُرآن على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم دعوته للمسلمين الأوائل كأشخاصٍ داروا حول الحدَث فعُرف تأثيرُ الحدث فيهم.
وقد نُؤرِّخ لعمرَ - رضي الله عنه - على سبيل المثال، فيُقال: إنَّنا أرَّخنا لشخصيَّة عمر وأوضحنا الأحداث التي دارَتْ حول الشخص، ونفهم من ذلك أنَّ التاريخ حدثٌ مرتبط بزمن[1].
♦ ♦ ♦
القصص القُرآني:
القصص القُرآني مصدرٌ على ما يُروى من الأخبار والأحداث، وقد بيَّن القُرآن الكريم العِبرةَ والهدف من عَرْضِه لقصص السابقين وأحوالهم والمصير الذي آلوا إليه؛ وذلك لَمَّا كان القُرآن ينزل على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويقص عليه أنباءهم ومآلهم.
وقصص القُرآن أصدق القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87].
وذلك لتَمام مُطابَقتها للواقع.
وأحسنُ القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3].
وذلك لاشتِمالها على أعلى دَرجات الكمال في البلاغة وجَلال المعنى.
وأنفع القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].
وذلك لقوَّة تأثيرها في إصلاح القُلوب والأعمال والأخْلاق[2].
♦ ♦ ♦
أقسام القصص في القُرآن:
وهذه القصص في القُرآن ثلاثة أقسام:
1- قسم عن الأنبياء والرُّسل وما جرى لهم من المؤمنين بهم والكافرين.
2- وقسم عن أفراد وطوائف جرَى لهم ما فيه عبرةٌ، فنقَلَه الله تعالى عنهم؛ كقصَّة مريم ولقمان، والذي مَرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عُروشها، وذي القَرنين وقارون وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل وأصحاب الأخدود وغير ذلك.
3- وقسم عن حوادث وأقوامٍ في عهد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كقصَّة غزوة بدرٍ وأُحد والأحزاب وبني قُرَيظة وبني النَّضِير وزيد بن حارثة - رضِي الله عنه - وأبي لهب وغير ذلك[3].
♦ ♦ ♦
تكرار القصص في القُرآن:
من القصص القُرآنيَّة ما لا يأتي إلا مَرَّةً واحدة مثل قصَّة لقمان وأصحاب الكهف، ومنها ما يأتي متكررًا حسَب ما تدعو إليه الحاجةُ وتقتَضِيه المصلحة، ولا يكون هذا المتكرِّر على وجهٍ واحد، بل يختلفُ في الطول والقصر، واللين والشدَّة، وذِكر بعض جَوانب القصَّة في موضعٍ دُون آخَر، ومن الحِكمة في هذا التكرار:
1- بيان أهميَّة تلك القصة؛ لأنَّ تكرارها يدلُّ على العناية بها.
2- توكيد تلك القصة؛ لتثبت في قلوب الناس.
3- مُراعاة الزمن وحال المُخاطَبين بها؛ ولهذا تجدُ الإيجاز والشِّدَّة غالبًا فيما يأتي من القَصص في السُّوَرِ المكيَّة، والعكس فيما يأتي في السُّوَرِ المدنيَّة.
4- بَيان بلاغة القُرآن في ظُهور هذه القصص على هذا الوجه وذاك الوجه على ما تقتَضِيه الحال.
5- ظهور صِدق القُرآن وأنَّه من عند الله؛ حيث يأتي بهذه القصص مُتنوِّعة بدون تناقض[4].
ومن ذلك إخبارُه بالوقائع التاريخيَّة على نحوٍ يُدهِش من الصِّدق والبلاغة والعرض، وقد نقَل الشيخ الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان" ما يلي:
معجزة يكشف عنها التاريخ الحديث:
قال العلامة صاحب "مجلة الفتح" الغرَّاء: في سورة التوبة نقرأ هذه الآية الكريمة: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
فصدر هذه الآية، وهو جملة ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ﴾، يتضمَّن من وقائع التاريخ وحَقائق العلم أمرًا لم يكن أحدٌ يعرفه على وجه الأرض في عصر نُزول القُرآن.
ذلك أنَّ اسم: (عزير) لم يكن معروفًا عند بني إسرائيل إلا بعد دُخولهم مصرَ واختِلاطهم بأهلها واتِّصالهم بعَقائدها ووثنيَّتها.
واسم: (عزير) هو (أوزيرس) كما ينطقُ به الإفرنج، أو (عوزر) كما ينطقُ به قدماء المصريين، وقُدَماء المصريين منذ ترَكُوا عقيدةَ التوحيد وانتحلوا عبادةَ الشمس، كانوا يعتقدون في (عوزر) أو (أوزيرس) أنَّه ابن الله، وكذلك بنو إسرائيل في دورٍ من أدوار حُلولهم في مصر القديمة استحسَنُوا هذه العقيدة؛ عقيدة أنَّ (أوزيرس) ابن الله، وصار اسم (أوزيرس) أو (عوزر): (عزير) من الأسماء المقدَّسة التي طرأت عليهم من دِيانة قُدَماء المصريين، وصاروا يسمُّون أولادهم بهذا الاسم الذي قدَّسُوه كُفرًا وضَلالاً، فعاب الله عليهم ذلك في القُرآن الكريم، ودلَّهم على هذه الوقائع من تاريخهم الذي نسيه البشر جميعًا.
إنَّ اليهود لا يستطيعون أنْ يدَّعُوا في وقتٍ من الأوقات أنَّ اسمَ عزير كان عندهم قبلَ اختلاطهم بقُدَماء المصريين.
وهذا الاسم في لغتهم من مادَّة (عوزر)، وهي تدلُّ على الألوهيَّة، ومعناه: الإله المُعِين، وكانت بالمعنى نفسه عند قُدَماء المصريين في اسم (عوزر أو أوزيرس) الذي كان عندهم في الدَّهر الأوَّل بمعنى الإله الواحد، ثم صاروا يعتقدون أنَّه ابن الله عقب عِبادتهم الشمس.
واليهود أخَذُوا منهم هذا الاسم في الطور الثاني عندما كانوا يعتقدون أنَّ (أوزيرس) ابن الله.
فهذا سِرٌّ من أسرار القُرآن، لم يُكتَشف إلا بعد ظُهور حقيقة ما كان عليه قُدَماء المصريين في العصر الحديث، وما كان شيءٌ من ذلك معروفًا في الدنيا عند نزول القُرآن؛ اهـ.
حكمة القصص في القُرآن:
ولذِكر القصص في القُرآن الكريم حِكَمٌ كثيرةٌ عظيمة، منها[5]:
1- بيان حِكمة الله تعالى فيما تضمَّنته هذه القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 4، 5].
2- بَيان عَدالة الله تعالى بعُقوبة المكذِّبين؛ لقوله تعالى عن المكذبين: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هود: 101].
3- بَيان فَضْلِه تعالى بِمَثُوبة المؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾ [القمر: 34، 35].
4- تسلية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا أصابَه من المكذِّبين له بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [فاطر: 25، 26].
5- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثَّبات عليه، والازدياد منه؛ إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار مَن أُمِروا بالجهاد؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].
6- تحذير الكافرين من الاستِمرار في كُفرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ [محمد: 10].
7- إثبات رسالة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّ أخبار الأمم السابقة لا يعلَمُها إلا الله - عزَّ وجلَّ - لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ﴾ [هود: 49].
وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [إبراهيم: 9].
♦ ♦ ♦
أمثلة من القصص القُرآني:
كما بيَّنَّا وأوضَحْنا أهميَّةَ معرفة قصص القُرآن وأحداث الوقائع وتاريخ الأمم، فإنَّا نشيرُ هنا إلى بعض الأمثلة القُرآنيَّة في كتاب الله تعالى، والتي أشارَتْ إلى ضَرورة الاعتِبار والاتِّعاظ وأخْذ الدرس والحكمة، وإيضاحُ هذه الأمثلة يكون على أقسام القصص الثلاثة التي ذكَرْناها، وذلك فيما يلي:
مثال القسم الأول:
نذكُر هنا بإيجازٍ قصَّة قوم نوح وعاد وثمود، كما أشار إليها القُرآن الكريم في سورة القمر، ولنبدأ بقوم نوح - عليه السلام -:
قال الله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 9 - 17].
أمَّا عن قوم عادٍ، فقال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 18 - 22].
أمَّا عن قوم ثمود، فقال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 23 - 32].
هذا مثالٌ بإيجازٍ عن الأمم والأقوام التي كذَّبت أنبياءَ الله ورسلَه، وخالَفُوا وحي السماء، وأعرَضُوا عن الهدى، وقد بيَّن الله تعالى ذلك في مواضع كثيرة في كتابه.
مثال القسم الثاني:
أمَّا عن قصص الأفراد والطوائف، فنذكُر هنا - إن شاء الله تعالى - ثلاثة أمثلة أيضًا، وهي: قارون، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل.
أمَّا عن قارون، فقال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 78 - 83].
هذا مثال الكنز والبُخل والطَّمع، ومنْع حقِّ الله وحقِّ عباده، وحُب الذات.
أمَّا عن قصَّة أصحاب الأخدود، فنقرأ هذه الآيات الكريمات:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 1 - 11].
أمَّا عن قصَّة أصحاب الفيل، فقال - تبارك وتعالى -:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].
مثال القسم الثالث:
أمَّا عن ذِكر الأحداث وبعض الغَزوات، وذِكر الطوائف والأقوام في عهد النبوَّة المحمديَّة، فنخصُّ منها قصة حادثة مسجد الضرار الذي أرادَه المنافقون لأبي عامرٍ الراهب وأمثاله، وقصَّة أبي لهب وزوجته.
أمَّا حادثة مسجد الضِّرار، فقد نبَّه الله عليها؛ لما فيها من العظات والعِبَر؛ فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 107 - 110].
أمَّا عن قصَّة أبي لهبٍ وزوجتِه، فقد أنزَلَ الله تعالى فيهما سورةً تُتلَى عبرةً لمن يُحارِبُ الله ورسوله المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويُؤذي الدُّعاة إلى الله تعالى، ويتعرَّض لهم بالإيذاء والسُّخرية أو ما أشبه ذلك؛ فقال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 - 5].
نسأل الله السَّلامةَ والعافيةَ في الدِّين والدُّنيا والآخِرة.
[1] "فتاوى القرآن"؛ للشيخ الشعراوي.
[2] "أصول التفسير"؛ لابن عثيمين.
[3] "أصول التفسير"؛ لابن عثيمين.
[4] المصدر السابق.
[5] "أصول التفسير"؛ لابن عثيمين.