عن حلب وأخواتها (4) - مدحت القصراوي
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
تكافؤ السلاحيجب إدراك أمرٍ فارق وهو أنه طوال التاريخ سابقًا كان اختلاف السلاح بين الأمم بسيطًا، يكاد يكون السلاح نفسه، والاختلافات يمكن استدراكها بسهولة..
في زمن محمد الفاتح كان ثمة اختلافٌ في استخدام المدافع، وتم استدراكه من قِبل أبطال الإسلام العثمانيين آنذاك..
وثمة تطورٌ حدث لصالح المسلمين زمن صلاح الدين في بداية استخدام القنابل، وحدث نوعٌ من التنافس بين المسلمين والصليبيين، كان سجالًا، وكانت الكفة لصالح أهل هذا الدين وانكسرت أوروربا أمام المسلمين وحضارتهم وعقيدتهم وقوتهم.
تطور الأمر نحو الاتجاه المعاكس؛ إلى حدوث فارقٍ تكنولوجيٍ هائل، واحتفاظ غربي بالعلوم واستئثارٍ بأسرارها، وما تبعه من قدرة التصنيع وأسرارها..
ومن هذا تصنيع السلاح، وتطويره.
ولم يكتفوا بهذا بل هم يحتفظون بمسارات تسرب هذا السلاح من الناحية التجارية ليحقق ترويج البضاعة والاستخدام الشرير والمُفسد في الوقت نفسه، لتحقيق انهيار المجتمعات الأخرى وبقاء النزاعات وسباق التسلح، لا تصنيعًا بل شراءً وتكديسًا، ولا تنس الأنظمة الوظيفية التي جعلوها حاجزًا بين الأمة وامتلاكها القوة والقرار.
ولهذا فالصراع العلمي والتكنولوجي لا يقل أهميةً عن الصراع المباشر.
وهذا بدوره لا يتم إلا من خلال دولةٍ وقرارٍ سيادي، وهذا لا يتحقق إلا بإخلاصٍ وهويةٍ وتلاحمٍ مجتمعي.
إنها ضرورةٌ لمحاولة الانعتاق من التبعية والخروج منها..
لكن التحدي أن هذا من ضروريات الجهاد اليوم للمقاومة والامتناع على الإبادة..
صحيح أن الإنسان صاحب المبدأ والعقيدة والإيمان والقضية هو العنصر الأساسي، لكن واجب قيادات المسلمين والمجاهدين ودورهم هو هذا التحدي، فترك الناس وتسليمهم لتحدٍ غير متكافئٍ خطأٌ شرعيٌ وعسكريٌ واستراتيجي، وهو يسمح للأطراف المختلفة بالتحكم في وتيرة الجهاد ووجهته وقوته وضعفه، كما أن القعود عن المقاومة بهذه الحجة خطأٌ أيضًا فلن تزداد الأمور إلا تأخرًا واحتلالًا لمراكز أكثر تأخرًا من الضعف.
إن الحقيقة المهمة هنا هو أن اجتياز الفجوة التكنولوجية اليوم أضحى في متناول الأمم، وقد اجتازتها عدة دولٍ من شرق آسيا إلى البرازيل إلى تركيا، ولعل شراسة المواجهة والإبادة التامة هي تعبيرٌ عن خوفٍ من مقدورٍ للأمة، لو أنها أدركت نفسها قبل فوات الأوان..