أرشيف المقالات

الخشوع وحضور القلب عند قراءة الفاتحة

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2الخشوع وحضور القلب عند قراءة الفاتحة   المناجاةُ هي لبُّ العمل، وحلاوتُه، وطلاوتُه، فهي منبع الخشوع، وأساسه، وقد تكاثَرَت النصوصُ على الحثِّ عليه، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ))[1].   إنَّ استشعارك لهذه المناجاة، هو لبُّ الصلاة ورُوحُها؛ ولكن احذر من وساوس الشيطان أن تكون حائلًا بينك وبين تلك المناجاة العظيمة؛ فإنك بهذا الحذر تكسب الخشوع في صلاتك، وتقر عينك، ويهدأ بالُكَ، ويكتب لك أجرُ صلاتك.   الفاتحة نور، فُتِح لها بابٌ من السماء لم يُفْتَح من قبل، ونزل بها مَلَكٌ لم ينزل قطُّ، واختصَّ بها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، ووعد بإعطاء ما احتوتْ عليه من المعاني؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ»[2] فسورة بهذه المنزلة يجب أن تُعْطَى حقَّها من التأمُّل والحضور.   إنَّك حين تقرأ الفاتحة، فأنت تُناجي ربَّك، فلا يليق بك أن تنشغل عنه، وليس من الأدب مع الله أنْ يسمعك حين تقول: الحمد لله، فيقول: حمدني عبدي، وأنت غافل، فلا بُدَّ أن تستشعر إجابة الله لك، والسورةُ كلُّها ثناءٌ على الله، ودعاء، فلا بُدَّ أن يكون قلبُكَ حاضرًا، حين الثناء، وحين الدعاء.   إنَّ النفس إذا اعتادت المناجاة، صار لها سجية، فحاول تفريغ قلبك من الشواغل - قبل صلاتك ما أمكن - لتفوزَ بهذه المناجاة، وتتلذَّذ بتلك الركعات، فاجتهد في تحصيل ذلك، فإن حضور قلبك في صلاتك هو المعَوَّل عليه - بإذن الله تعالى - في خشوعك، ومناجاتك، فاحرص على ذلك، وكلما شرد قلبُك، فأحضره فإنَّك في جهاد عظيم.   ثمَّت جوانبُ أخرى تُعين على تلك المناجاة، وهي سكونُ جوارحك، وإخباتُك، وقراءتُك لتفسير هذه السورة العظيمة، فتأمَّلها حال القراءة، ففي ذلك الهدى والرشاد، لاستجلاب الخير من أوسع أبوابه.


[1] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (395) 1 /296. [2] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (806) 1 /554.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١