فرنسا بين إباحة الإجهاض وتحريم الحجاب
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
فرحت عدد من الفتيات الفرنسيات بخبر موافقة وزارة الصحة العمومية الفرنسية على مشروع قانون يسمح لهن بأخذ حقنة الإجهاض في منازلهن عوض الانتظار في المستشفيات بعد حادثة حمل مفاجئة أو غير مرغوب فيها، كما فرح الأطباء ومناضلات الحركات النسوانية معتبرين ذلك نصرًا جديدًا في درب الحرية الخاصة للنساء، وهو سرور لم يوازيه غير فرح بعض اللوبيات بقرار منع الحجاب في المدارس ومقرات العمل الحكومية .
وحدث إباحة الإجهاض في المنازل ليس حدثا معزولا عن الواقع الفرنسي ونسب أولاد الزنا المتزايدة، فهو مرتبط بسلسلة أحداث متسارعة في تاريخ فرنسا المعاصر الذي كانت قوانينه ـ إلى عهد قريب ـ تحرم الإجهاض وتعاقب عليه، لكن تحرك لوبيات قوية فرضه بقوة في المجتمع الفرنسي وحرك من أجله آليات ومقترحات بدفع نواب الأمة إلى تبنيها والدفاع عنها .
وتاريخ إباحة الإجهاض مليء بـ"النضال على الطريقة الفرنسية"، ولعل أهمها حادثة الفتاة الفرنسية التي لم يكن يتعدى عمرها سبعة عشر عاماً حملت من صديقها وقررت إجراء عملية إجهاض في أكبر ميادين القارة الأوربية وهو ميدان "الكونكورد" الواقع في قلب العاصمة الفرنسية باريس وأمام المارة ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء، حيث قامت الفتاة وطبيبها الخاص مدفوعة بالأفكار النسوانية الصاعدة آنذاك بإجراء عملية الإجهاض على قارعة الطريق تعبيرًا عن أن الإجهاض "حق" مكتسب للمرأة وجزء من الحريات العامة لا يجوز لأي شخص أن يحاول منعه أو النيل منه.. حدث ذلك في سنة 1976عندما تقدم أحد نواب الجمعية الوطنية الفرنسية بمشروع قانون يحد من انتشار العلاقات خارج إطار الزواج ويحرم الإجهاض تماما بعد ما فاح أمره وعجّت به المستشفيات الحكومية والخاصة.
لكن هذه المحاولة "الجريئة" أجهضت المشروع في مهده وسير في درب إقرار حق الإجهاض كحق مكتسب.
وفي مقابل هذا الفرح، ينتشر جو من الأسى في صفوف عدد من النساء "الفرنسيات" اللواتي تعانين من العقم الدائم بسب إجهاضات سابقة حسب ما بينته إحصائيات قديمة وجديدة،،حيث يصبح خطر الإصابة بالسرطان متزايدًا بسبب عدد عمليات الإجهاض السرية التي تفوق تلك المصرح بها، ويعمق من حزنهن قسوة الشروط المفروضة لتبني أطفال مما يدفع بعضهن إلى "شراء"ّ طفل على المقاس كما اكتشف أخير وعلم أن شبكة تتاجر في الأطفال حديثي الولادة بالعاصمة الفرنسية باريس حيث يباع فيها الطفل الذكر بثمن أغلى من الأنثى. كما ينتشر جو من الحسرة في صفوف عدد من العائلات المحافظات المتدينات في فرنسا والتي يتزايد عددهن بسبب المشاكل التي تواجه الأسرة الفرنسية بسبب تهور فتياتها المتزايد.
وقد لوحظ بشدة، حتى صار معلوما عند الجميع، أنه كلما كانت الفتاة تنحدر من هذه العائلات المحافظات كلما توفقن في دراستهن وحياتهن العملية، وذلك بسبب علو التربية الأسرية التي تلقينها، ورفضهن المغامرات الجنسية قبل الزواج، بل من هؤلاء من يرغبن في تأسيس هيئات من أجل الدفاع عن عذرية الفتاة إلى حين الزواج وإعطاء النموذج الحي على تفوق حياة الانضباط على حياة الشهوانية والحرية الجنسية.
والملاحظ أيضا أن وضع هؤلاء الشابات المحافظات يشبه في كثير من الأحيان الفتيات المسلمات المحجبات المعروفات بتفوقهن الدراسي وانضباطهن في الفصل. لقد تأسف المخلصون والمحافظون كثيرًا على تبني الجمعية الوطنية العامة القانون الفرنسي القاضي بمنع ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسسات الحكومية، ولاحظ الجميع كيف تدخّل المسؤولون على أعلى مستوى ليعبروا عن ارتياحهم لسرعة اتخاذ القرار، دون اعتبار أن هذا القرار التمييزي الذي سيطول الفتيات المسلمات بشكل خاص، وسيكون عقبة أمام تعلم عدد من المسلمات المتحجبات، وذلك بإرغام العائلات المسلمة في فرنسا على سحب بناتها من النظام المدرس الحكومي، وبالتالي ستحرم فرنسا من بعض خيرة بناتها اللواتي ولدن فيها وتربين وإن كن من أصول أجنبية، في حين تذعن مرة بعد مرة لرغبات وشهوات نسائها وفتياتها المتهورات. ــــــــــــــــ فرنسا: عبد الغني بلوط