آثار الصحابة رضي الله عنهم والتابعين في الجبن الذي فيه إنْفَحة ميتة: آثار الصحابة رضي الله عنهم
مدة
قراءة المادة :
19 دقائق
.
بسم الله الرحمن الرحيمآثار الصحابة رضي الله عنهم والتابعين في الجبن الذي فيه إنْفَحة ميتة
آثار الصحابة رضي الله عنهم
أولًا: آثار الصحابة رضي الله عنهم في حل ما فيه إنْفَحة الميتة: جاء عن عمر وابنه - في أحد القولين عنهما - وطلحة بن عبيدالله وسلمان وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وروي عن علي - في أحد القولين عنه - وابنه الحسن وأم سلمة رضي الله عنهم.
الأول: عمر رضي الله عنه:
1: عن عمرو بن شرحبيل، قال: ذكرنا الجبن عند عمر رضي الله عنه، فقلنا له: إنَّه يصنع فيه أنافح الميتة، فقال: «سمُّوا عليه وكلوه»؛ رواه عبدالرزاق (8782) وابن أبي شيبة (8/ 100) بإسناد صحيح.
قال الإمام أحمد - جامع العلوم والحكم (ص: 426) ـــ: أصَحُّ حديث فيه هذا الحديث، ويفهم منه ضعف المرفوع عنده، والله أعلم.
2: عن إبراهيم النخعي قال: كتب عمر رضي الله عنه: «اذكروا اسم الله على الجبن وكلوا»، قال إبراهيم: «فلما سافرنا إلى هذه الجبال فرأينا من صنيع الأعاجم ما رأينا كرهناه، إلا أن نسأل عنه»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 97)، والمقطوع رواته ثقات، والموقوف مرسل.
3: يأتي عن أبي وائل والنخعي: وُصِف الجبنُ لعمر رضي الله عنه، فقال: «اذكروا اسم الله عليه وكلوه».
4: عن كثير بن شهاب قال: سألت عمر رضي الله عنه عن الجبن؟ فقال: «كلوا؛ فإنَّما هو لبن أو لبأ»؛ رواه عبدالرزاق (8787) (8783) وابن سعد (6/ 196) وابن الجعد (441) وإسناده ضعيف.
في إسناده قرظة بن أرطأة، ذكره ابن حبان في ثقاته، والبخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
الثاني: قال علي رضي الله عنه: «إذا أردت أن تأكل الجبن فضع الشفرة فيه واذكر اسم الله وكل»؛ رواه البيهقي (10/ 6) وإسناده ضعيف جدًّا، في إسناده مسلم الأعور ضعفه شديد.
الثالث: طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: «كان طلحة رضي الله عنه يضع السكين، ويذكر اسم الله، ويقطع ويأكل»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 100) بإسناد صحيح.
الرابع: سلمان رضي الله عنه: قال: سويد - غلام لسلمان رضي الله عنه ـــ: لما افتتحنا المدائن...
أصبنا سلة، فقال: «افتحوها فإن كان طعامًا أكلناه، وإن كان مالًا دفعناه إلى هؤلاء» قال: ففتحناها فإذا أرغفة حواري، وإذا جبنة وسكين،...
أخذ السكين وجعل يقطع، وقال [سلمان رضي الله عنه]:«بسم الله كلوا»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 98) بإسناد حسن، الحُوَّارَى: ما نقي من لباب البر؛ الفائق في غريب الحديث (1/ 330).
الخامس: ابن عباس رضي الله عنه: سئل عن الجبن، قال: «ضع السكين فيه، واذكر اسم الله وكُلْ»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 96) بإسناد حسن، « وكان ابن عباس رضي الله عنه لا يرى بالجبن الذي تصنعه اليهود والنصارى بأسًا»؛ رواه عبدالرزاق (8789) بإسناد صحيح، والأثر الأول مطلق.
السادس: ابن عمر رضي الله عنهما: عن أيوب، عن نافع قال: سُئِل ابن عمر رضي الله عنهما عن الجبن الذي يصنعه المجوس، فقال: «ما وجدته في سوق المسلمين اشتريته، ولم أسأل عنه»، قال أيوب: قال نافع: «ولو رأى ابن عمر رضي الله عنهما من المجوس ما رأيت لظننت أنَّه سيكرهه، وكان نافع قد أتى بعض أرض فارس»؛ رواه عبدالرزاق (8785) بإسناد صحيح، وقول نافع يدل على إباحة جبن المجوس عند ابن عمر رضي الله عنهما.
السابع: الحسن بن علي رضي الله عنهما: سئل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الجبن، فقال: «لا بأس به، ضع السكين، واذكر اسم الله عليه وكُلْ»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 100) - وغيره - بإسناد ضعيف.
في إسناده جحش بن زياد، ذكره ابن حبان في ثقاته، والبخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
الثامن: عائشة رضي الله عنها:
1: عن خالة ربيعة، قالت: جاءنا جبن من العراق، فأرسلت إلى عائشة رضي الله عنها، فقالت: «كُلي وأطعميني»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 97) بإسناد ضعيف؛ لجهالة خالة ربيعة بن عثمان التيمي.
2: عن أبي بكر بن المنكدر قال: سألت امرأةٌ منَّا عائشة رضي الله عنها عن أكل الجبن، فقالت عائشة رضي الله عنها:«إن لم تأكليه فأعطنيه آكل»؛ رواه البيهقي (10/ 6) ورواته ثقات.
والذي يظهر لي ثبوت الحِلِّ عن عائشة رضي الله عنها بمجموع الأثرينِ، والله أعلم.
التاسع: أم سلمة رضي الله عنها: عن تَمْلِك أنَّها سألت أم سلمة رضي الله عنها عن أكل الجبن، فقالت: «ضعي السكين فيه، ثم قولي: بسم الله، ثم كُلي»؛ رواه عبدالرزاق (8781) وابن أبي شيبة (8/ 96) وابن الجعد (452) بإسناد ضعيف.
تملك الخارفية ذكرها ابن حِبَّان في ثقاته ولم أقف على مَنْ وثَّقَها.
ثانيًا: آثار الصحابة رضي الله عنهم في حرمة ما فيه إنْفَحَة الميتة: جاء عن عمر وابنه - في أحد القولين عنهما - وعن علي - في أصحِّ القولين عنه - وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهم وروي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهم.
الأول: عمر رضي الله عنه:
1: قال زيد بن وهب: أتاهم كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم في بعض المغازي: «بلغني أنَّكم في أرض تأكلون طعامًا يقال له: الجبن، فانظروا ما حلاله مِن حرامه، وتلبسون الفراء، فانظروا ذكيه من ميته»؛ رواه سعيد بن منصور (2/ 320) (2747) وابن المنذر في الأوسط (2/ 264) بإسناد صحيح.
والأثر ليس نصًّا في تحريم ما فيه إنْفَحة الميتة، فالتحريم لا يختص بها، ويحتمل قبل اشتهار الجبن ونقله للمدينة، والأثر التالي صريح في التحريم؛ لكنَّه لا يصح.
2: عن ثور بن قدامة قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع أهل الكتاب»؛ رواه ابن الجعد (453) والبيهقي (10/ 6) بإسناد ضعيف.
في إسناده إبراهيم العقيلي وعمه ثور بن قدامة، ذكرهما ابن حبان في ثقاته والبخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيهما جرحًا ولا تعديلًا.
الثاني: علي رضي الله عنه:
1: عن أم موسى قالت: قال علي رضي الله عنه: «إذا لم تدروا من صنعه، فاذكروا اسم الله عليه وكلوه»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 99) بإسناد حسن - إن شاء الله ـــ.
أم موسى سرية علي رضي الله عنه وثَّقَها العجلي، وقال الدارقطني: حديثها مستقيم، يخرج حديثها اعتبارًا، وقال ابن حجر: مقبولة.
2: عن أبي الصهباء البكري قال: قام ابن الكواء إلى علي رضي الله عنه وهو على المنبر، فقال: إنِّي وطئت على دجاجة ميتة، فخرجت منها بيضة، آكلها؟ قال علي رضي الله عنه: «لا»، قال: فإنِّي استحضنتها تحت دجاجة، فخرج منها فرخ، آكله؟ قال: «نعم» قال: كيف؟ قال: «لأنَّه حي خرج من ميت»؛ رواه ابن وهب في الجامع (1) بإسناد ضعيف.
في إسناده أبو معاوية البجلي مجهول وأبو الصهباء صهيب البكري مقبول، ويأتي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
الثالث: عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: قال رضي الله عنه: «لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 97) - وغيره - بإسناد صحيح.
الرابع: ابن عمر رضي الله عنهما:
1: قال ابن عمر رضي الله عنهما: «ما صنع المسلمون وأهل الكتاب فَكُليه، وما لم يصنعوه فلا تأكُليه»؛ رواه الطبراني في الكبير (13/ 52) - واللفظ له - والبيهقي (10/ 6) بإسناد حسن.
نهيُ ابن عمر رضي الله عنه عن أكل جبن غير أهل الكتاب يحتمل قولًا آخر له، ويحتمل ورعًا كالأثر التالي، والله أعلم.
2: سأل علي بن عبدالله الأزدي ابن عمر رضي الله عنه عن الجبن فقال: «عن أي باله تسألني؟» قال: قلت: يجعلون فيه - أو إنَّا نخاف أن يجعلوا فيه - أنافح الميتة قال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»؛ رواه عبدالرزاق (8791) بإسناد حسن.
3: عن عطاء البصري قال:...
فالجبن قال [ابن عمر رضي الله عنهما]: «يؤتى به من العراق فنأكله، ونطعمه غلماننا»، قلت: فإنَّهم يجعلون فيه الميتة، قال: «فإن علمت أنَّ فيه ميتة فلا تأكله»؛ رواه عبدالرزاق (8791) بإسناد ضعيف.
عطاء البصري، ويقال: النهدي، ذكره ابن حِبَّان في ثقاته، والبخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
4: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنه عن الجبن؟ فقال له ابن عمر رضي الله عنه: «وما الجبن؟» قال: من اللبن، فقال له ابن عمر رضي الله عنه: «كُلِ الجبن واشربه»، فقال: إنَّ فيه ميتة، فقال له ابن عمر رضي الله عنه: «فلا تأكل الميتة»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 101) بإسناد ضعيف.
في إسناده عطاء بن السائب مختلط.
5: عن عطاء بن السائب عن كثير بن جُمْهَان، قال: قلت: يا أبا عبدالرحمن أو قال غيري: مررت على دجاجة ميتة، فوطئت عليها، فخرجت من استها بيضةٌ آكلها؟ قال: «لا»، قال: يا أبا عبدالرحمن، مررت على دجاجة ميتة، فوطئت عليها، فخرجت من استها بيضةٌ، ففرختها، فأخرجت فرخًا، آكلُه؟ قال: «ممن أنت؟» قال: قلت: من أهل العراق؛ رواه البيهقي (10/ 7) بإسناد ضعيف.
عطاء بن السائب مختلط وكثير بن جمهان مقبول، وتقدَّم عن علي رضي الله عنه.
الخامس: أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان أنس رضي الله عنه لا يأكل إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب»؛ رواه البيهقي (10/ 7) وإسناده ضعيف جدًّا، في إسناده أبان، قال البيهقي: أبان بن أبي عياش متروك.
السادس: أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه: قال رضي الله عنه: «لأَنْ أخِرَّ من هذا القصر أحبُّ إليَّ من أن آكل جبنًا لا أسأل عنه»؛ ذكره البيهقي (10/ 7) معلقًا.
الثاني: آثار التابعين:
أولًا: آثار التابعين في حل ما فيه إنْفَحة الميتة:
الأول: محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
1: قال: «كل الجبن عُرْضًا»؛ رواه عبدالرزاق (8793) وابن أبي شيبة (8/ 97) بإسناد صحيح.
«عُرْضًا»: اشتره ممن وجدته، ولا تسل عن عمله، كتابي أم مجوسي؟ انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (4/ 348).
2: سأل رجل ابن الحنفية، عن الجبن فقال: «يا جارية، اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به ينيرا، فاشترت به ينيرا، ثم جاءت به» - يعني الجبن - رواه ابن أبي شيبة (9/ 12) بإسناد صحيح، وفي نسخة "بنيرا" وهي كلمة أعجمية.
الثاني: مسعود بن مالك الأسدي: عن أبي رَزِين قال: «لا بأس بالجبن»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 100) بإسناد صحيح.
الثالث: رُفَيْع بن مهران: سألوا أبا العالية عن الأنافح، فقال: «إنَّ اللبن لا يموت»؛ رواه عبدالرزاق (8784) بإسناد حسن.
الرابع: أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث المخزومي: قال: «كانوا يتزوَّدون الجبن في أسفارهم»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 100) بإسناد صحيح، وأبو بكر من الطبقة الوسطى من التابعين «كانوا»؛ أي: صغار الصحابة رضي الله عنهم وكبار التابعين، والله أعلم.
الخامس: عامر بن شراحيل: قال الشعبي: «سم على الجبن، والسمن وكُلْ»؛ رواه عبدالرزاق (8788) بإسناد حسن.
السادس: سالم بن عبدالله: «كان سالم يأكل الجبن الكوفي»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 101) بإسناد صحيح، وكان أهل الكوفة مجوسًا.
السابع: الحسن البصري: «كان الحسن يكره أن يأكل مما طبخ المجوس في قدورهم, ولم يكن يرى بأسًا أن يؤكل من طعامهم مما سوى ذلك سمن، أو جبن، أو كامخ، أو شيراز، أو لبن»؛ رواه ابن أبي شيبة (12/ 250) بإسناد صحيح.
الثامن: محمد بن مسلم الزهري: عن معمر قال: سألت الزهري عن الجبن، فقال: «ما وجدت في سوق المسلمين اشتريت، ولم أسأل عنه»؛ رواه عبدالرزاق (8786) بإسناد صحيح.
التاسع: شقيق بن سلمة: عن أبي وائل، وإبراهيم، قالا: «لما قدم المسلمون أصابوا من أطعمة المجوس، من خبزهم وجبنهم، فأكلوا ولم يسألوا عن ذلك» ووُصِف الجبنُ لعمر رضي الله عنه فقال: «اذكروا اسم الله عليه، وكلوه»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 88، 99) (12/ 250) ورواته ثقات، وأبو وائل شهد صفين، أمَّا النخعي في روايته عن الصحابة رضي الله عنهم مرسلة.
العاشر: قتادة: قال:«لا بأس بأكل طعام المجوس ما خلا ذبيحته» - يعني: الجبن وأشباهه - رواه عبدالرزاق (10155) بإسناد صحيح.
الحادي عشر: عطاء بن أبي رباح: قال: «لا بأس بأكل جبن المجوسي»؛ رواه عبدالرزاق (10156) وإسناده ضعيف.
ثانيًا: آثار التابعين ومن بعدهم في حرمة ما فيه إنْفَحة الميتة:
الأول: نافع مولى ابن عمر: تقدم قول نافع «ولو رأى ابن عمر رضي الله عنه من المجوس ما رأيت لظننت أنَّه سيكرهه».
الثاني: سعيد بن المسيب: عن رجل، أنَّه سأل سعيد بن المسيب عن الجبن، فقال: «إن علمت أنَّ فيه ميتة، فلا تأكله، وإلا فسَمِّ وكُلْ»؛ رواه عبدالرزاق (8794) بإسناد ضعيف للمبهم.
الثالث: سعيد بن جبير: قال: «لا تأكل من الجبن إلا ما صنع المسلمون، واليهود، والنصارى، فأمَّا المجوس فلا تحل لنا ذبائحهم، فكيف يحل لنا جبنهم؟»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 98، 99) بإسناد صحيح.
الرابع: الحسن البصري ومحمد بن سيرين: قالا: «لا بأس بما صنع أهل الكتاب من الجبن»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 98) بإسناد صحيح، ولا يدل ذلك على الحرمة، وتقدَّم إباحة الحسن جبن المجوس.
الخامس: إبراهيم بن يزيد النخعي: قال: «لما أتينا الجبل فرأينا صنيعهم،كرهناه»؛ رواه ابن أبي شيبة (8/ 99) بإسناد صحيح، وتقدَّم قوله: «فلما سافرنا إلى هذه الجبال فرأينا من صنيع الأعاجم ما رأينا كرهناه، إلا أن نسأل عنه».
السادس: مجاهد بن جبر: قال: «لا تأكل من طعام المجوسي إلا الفاكهة»؛ رواه ابن أبي شيبة (12/ 250) بإسناد ضعيف؛ في إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف.