استيقاظ المداخلة من سباتهم الربيعي
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
من أجل تبييض جرائمه، ووضع بعض المساحيق على وجهه الكالح، سخَّر صانعو الانقلاب المصري ترسانة من الفنانين والإعلاميين والسياسيين والمحللين.. والعلماء والدعاة الرسميين وغير الرسميين.
فاكتظت (بلاطوهات) الإذاعات والقنوات الخاصة والعمومية المصرية بوجوه وأسماء باتت محفوظة في العالم العربي والإسلامي عن ظهر قلب، من قبيل: إلهام شاهين، وخالد يوسف، ووائل الإبراشي، وتوفيق عكاشة، وإبراهيم عيسى (أبو حمالات)، وعمرو أديب، ولميس الحديدي، ويوسف الحسيني، وعلي جمعة، وسعد الدين الهلالي، وخالد الجندي...
ولم يجد نظام الانقلاب المصري في الدعاة غير الرسميين ليقوم بهذه المهمَّة الدنسة (الوسخة) ويوظفه كـ (كراكيز) أو (أراجوز) -باللهجة المصرية- غير جماعة غلاة الطاعة من المداخلة الذين أعلنوا -أولى أيام الانقلاب- ولاءهم التام لوليِّ أمرهم الجديد المشير عبد الفتاح السيسي.
وهم الذين كانوا بالأمس القريب أيام حكم الرئيس المعزول محمد مرسي قد أعلنوا اعتزالهم السياسة، وكرروا في مناسبة وغيرها مقولة: "من السياسة ترك السياسة"!!
استيقاظ المداخلة من سباتهم الربيعي
فمباشرة عقب الانقلاب على الحكومة المنتخبة استيقظ المداخلة من سباتهم الربيعي وركنوا إلى الذين ظلموا، وبذلوا وسعهم وعملوا قصارى جهدهم ليبرِّروا جرائم الانقلاب، وأكثر من ذلك سعوا إلى مهاجمة كل من أنكر هذا المنكر البواح، خاصة من (الإسلاميين)؛ فخصصت قناة (البصيرة) التي يديرها المتطرف عبد الرزاق الرضواني، حلقات متتالية لمهاجمة العلماء والدعاة في مصر والخليج والعالم العربي، ولم يسلم من ألسنتهم الحداد لا قرّاء الحرم وعلمائه ودعاته، ولا علماء الشام والعراق، ولا علماء المغرب العربي أيضا، فكل هؤلاء بالنسبة لهم (كلاب) و(خوارج ضالون) و(منحرفون عن المنهج).
وقد خصصت قناة (البصيرة) الطائفية التي تحرض على الحقد والكراهية حلقات خاصة بالمغرب أسمتها (مكر الإخوان بالمغرب لزوال الحكم الملكي)، هاجمت من خلالها عددًا من الشخصيات السياسية والعلمية والفكرية المغربية البارزة، وكالت لهم من التهم ما تنوء بحمله الجبال، وكنت أتمنى وأنا أتابع بعض هذه الحلقات على مضض أن يقدم لنا المدعو عبد الرزاق الرضواني في برنامجه (اللقاء المفتوح)؛ نقدًا علميًا بنّاءً للحركة الإسلامية في المغرب، عسانا نستفيد منه؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنـَّا وجدها أخذ بها، لكن للأسف الشديد فمنهج المداخلة واحد، يتسم غالبا بخفة العقل، وقلة الفهم، وضعف الوعي، ورقة الدين، وانعدام الأمانة في النقل..
عكاشة (الفراعين) وعكاشة الدعاة!
جاءت حلقات المدخلي (عبد الرزاق الرضواني) في برنامجه (اللقاء المفتوح) شبيهة تمامًا بحلقات الإعلامي توفيق عكاشة، والتي يتابع بعض المغاربة مقاطع منها على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الفكاهة والمتعة والتندر لا غير، ذلك أنه يدعي أمورًا، ويحكي غرائب عن بلدنا (المغرب) جعلته محطًا للسخرية والاستهزاء من طرف كثير من الإعلاميين والسياسيين والمتابعين.
فالرضواني الذي يعاني فوبيا حادة من الإخوان سائر على درب بلديه توفيق عكاشة، ذلك أنه يحكي أموراً جعلته محط سخرية أيضاً لكل من تابع حلقاته، فباعتماده على ملف أرسله له بعض مريدي الطريقة المدخلية من المغرب وقع شيخ (البصيرة) -لخفته ونزقه- في ورطة كبيرة، لأنه لم يتأكد من صحة المعلومات التي قُدّمت إليه، وهذا ينافي قواعد الجرح والتعديل التي نذر حياته للدفاع عنها، وكشفِ أهل الضلال والبدع اعتمادًا عليها.
فمثلاً؛ الصورة التي عرضها الرضواني وادعى أنها للشيخ ناصر العمر مع الشيخ المغراوي الذي وصفه بالتكفيري أيضًا؛ هي لناصر العمر مع الدكتور محمد بن عبد الكريم الفيلالي، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالبيضاء، والمغراوي لم يحضر أصلاً (مؤتمر تدبر) الذي نظمته الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم بالبيضاء.
كما أن زيارة الشيخ حسين يعقوب للمغرب لم تكن بطلب ممن معه في الصورة وإنما من بعض الشباب الذين لا تربطهم أي صفة تنظيمية أو دعوية بمن ذكر من العلماء.
بالإضافة إلى أن الحراك الشعبي الذي عرفه الشارع المغربي والذي نجم عنه تعديل دستوري أعلن عنه الملك محمد السادس في 2011م لم يشارك فيه، ولا دعا له أيضًا حزب العدالة والتنمية كما ادعى الرضواني، لأن حزب المصباح أعلن مبكرًا أنه اختار التغيير في ظل الاستقرار ولن يشارك في الاحتجاجات التي عرفتها بعض مدن المملكة.
فالرضواني -شفاه الله وعافاه- يخرج من جرابه ويلقي دون تثبت ولا ورع من الولوغ في الأعراض.
وأهمس ها هنا في آذان بعض من دافعوا عن دور المداخلة في مدينة مكناس من السلفيين المحبين للشيخ المغراوي، وأقول: ها هم من دافعتم عنهم يضللون الشيخ ويصفونه وغيره بأقذع الأوصاف؛ ويتهمونهم بما هم منه براء؛ فما أنتم فاعلون الآن؟
تقرير (الأولى) يخرج الشيخ العصبي عن صوابه.
التقرير الذي أعدته القناة الأولى حول الانقلاب المصري قد أخرج الشيخ العصبي عن صوابه، فادعى مرة أخرى أن التقرير جاء نتيجة تحكم جماعة الإخوان في الإعلام المغربي، وأن الملك محمدًا السادس يقف عاجزاً أمام التنظيم الدولي والجماعة، لكن حكمة الرئيس السيسي (حفظه الله)! جعلته يستوعب الحدث، ويدرك أن الإخوان يسعون إلى خلق أزمة بين البلدين الشقيقين.
هذا هو التحليل الذي يقدمه لنا عكاشة الدعاة؛ تحليل مغرق في نظرية المؤامرة، يعتمد على شيطنة الإخوان، وإلقاء الكلام على عواهنه (جِيبْ أفمِّي وجُولْ)، وتعليل ذلك بمعلومات من عالم الخيال والبعد الخامس.
يشار إلى أن قناة الرضواني الموالية للسيسي هي القناة الدينية الوحيدة التي سمح لها بالعمل في ظل الانقلاب، أما قنوات (الناس) و(الرحمة) و(الحافظ) و(قرآن وسنة) وغيرها كثير فقد أُغلِقت في اليوم الأول من الانقلاب.
واللبيب تكفيه الإشارة..
الرضواني يدعو بنكيران والرميد إلى التبرؤ من فكر البنا
دعا المثير للجدل عبد الرزاق الرضواني في برنامجه المذكور كلاً من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ووزير العدل مصطفى الرميد وحكومة العدالة والتنمية إلى التبرؤ من فكر الإخوان وفكر حسن البنا كي يصبحوا وفق قوله (كـْوَيِّسين)!!
وبناء عليه فقد صار لزامًا على كل من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله، وصلاح الدين مزوار الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وامحند العنصر زعيم الحركة الشعبية، المشكلين للائتلاف الحكومي أن يبادروا إلى التوبة ، ويتبرؤوا من فكر البنا..
لكن انتظروا لحظة رجاء، فمرجعية هذه الأحزاب شيوعية وليبرالية وربما (خبزوية)!! فما علاقتهم بالإخوان المسلمين وفكر حسن البنا؟!
لكل داء دواء يستطب به ***إلا الحماقة أعيت من يداويها
فالشيخ لجهله واقتحامه لموضوعات لا قبل له بها يزري بنفسه، ويدفع من ابتلي بمتابعة حلقاته إلى فرك عينيه وربما قرص جلده بأصبعيه ليتأكد هل هو غارق في عالم الأحلام أم هو فعلاً في عالم الشهادة ؟!
فإذا كان المداخلة في المغرب يصدعون رؤوس الناس بطاعة ولاة الأمور، ويعدُّون انتقاد بعض قراراتهم خروجًا بالكلمة، فكيف سوغوا لأنفسهم أن يحرضوا شخصًا من خارج أرض الوطن على الكلام عن الملك محمد السادس بهذه الوقاحة، ويمدونه بوريقات كي يتدخل في شأن داخلي للمغرب؟!
ألا يعد هذا -وفق القواعد التي يتحاكمون إليها- خروجًا على ولاة الأمور، وتواطؤًا مع جهات خارجية ضد مصالح واستقرار الوطن؟
أفتونا مأجورين..
محاكم التفتيش المدخلية
دعا الشيخ المحتاج للبصيرة في قناته (البصيرة) إلى استتابة الإخوان، ولأنه قد أحس بقرب منيته -كما قال- فقد بين لمريديه بعناية فائقة الطريقة المثلى للقيام بذلك؛ فقال: إذا أردت أن تستتيب إخوانيا فحلفه على (الظاهر) و(الباطن) أنه بريء من فكر حسن البنا!
وعلل ذلك بأن الإخوان لهم ظاهر وباطن، وحتى من تاب منهم من (فَـيْرَس الإخوان) -وفق قوله دومًا- يبقى هائجًا لا ينضبط، فيرتمي في الفكر الشيوعي أو العلماني، وذلك أنهم لم يشربوا في بداياتهم إلا من الماء العكر والعفن للبنا!
فالرجل يعيش في عالم افتراضي خاص به، نصَّب فيه نفسه قاضياً على الناس كافة، وحاكمًا على منهجهم بالصلاح والفساد، فهذا ضال مبتدع، وهذا تكفيري، وهذا داحسي، وذاك شيخ المحنة، والآخر مجاهد؛ وهكذا… ولا يستحيي من ذكر الناس بأسمائهم والاستهزاء بأشكالهم وأوصافهم.
وإلى القراء المتابعين بعضًا من أقواله حتى يقفوا على مستواه العلمي والخلقي، ودرجة التضخم التي بلغها اتجاه جماعة الإخوان:
– الإخوان أخطر من الماسونية ..
– الإخوان يكفرون المجتمعات..
– الإخوان يسعون إلى إسقاط الأنظمة العربية والغربية أيضًا، حيث أنهم سعوا إلى إسقاط النظام الفرنسي والألماني والبريطاني والإسباني والأمريكي!!
– الإخوان فكرهم نجس..
– الإخوان كلاب النار (وذيل الكلب مبيتعدلش)..
– الإخوان جماعة مارقة..
– الإخوان أقرب للغرب من المسلمين..
– الإخوان ضيعوا سوريا ..
– البنا أزال النبي ووضع نفسه مكانه..
– الدواعش علمهم المغراوي ورشيد نافع ورابطة علماء المغرب..
– د.
عادل رفوش أخطر من اليهود ..
– الشيخان حماد القباج وحسن الشنقيطي تكفيريان..
أما الرئيس السيسي: فـ(الله يحفظه على طاعته)، وهو "راجل" و"بطل"!!
دعاء وولاء لمن قتل بدم بارد الأبرياء في رابعة والنهضة، وأصدر أحكاماً بالمؤبد والإعدام في حق المعارضة، وأقفل الحدود في وجه الفلسطينيين، وأغرق أنفاق عزة لصالح الكيان الإرهابي.
وبراء تام من كل العاملين في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وعداء للحركات الإسلامية الأخرى، مع تبرير هذا التطرف بمسوح دينية وغيرة على المنهج السلفي.
هذا وتبقى أبرز غرائب (الطائفة المدخلية)، التي ندبت نفسها لمحاربة (الإسلاميين)، أنهم إذا وجهت إليهم سهام النقد، وتعرض عالم أو مفكر أو باحث لمناقشة منهجهم وتحليل أفكارهم ومواقفهم، وَلوَلـُوا ورفعوا أصواتهم وبَحَّت حناجرهم مرددين عبارة الحافظ بن عساكر رحمه الله: "اتقوا الله؛ فلحوم العلماء مسمومة وعادة منتقصيهم معلومة"، كما فعل الرضواني نفسه في برنامجه بعد عرض فقرات من مقال الشيخ حسن الشنقيطي فقال: "اتق الله في أمتك، اتق الله في بلدك، متقرطسش الناس"..
"الشيخ ربيع حي يرزق، صنفتم الرجل وهو لازال حيا"..
وكأنهم يعفون أنفسهم ويكفونهم ألسنتهم عن الأحياء والأموات..
والرضواني نفسه قبل دقائق معدودات بدّع وضلل واتهم بالتكفير الشيخ الشنقيطي نفسه دون بينة!!
لو كانت العقول تباع لاشتريت لهؤلاء عقولاً..
في الختام
لازال بعض الأفاضل لا يلتفتون إلى خطورة فكر المداخلة وارتباطه بأجندات استخباراتية دولية، وتوظيفه كخنجر مسموم في ظهر العلماء والدعاة إلى الله تعالى، ولازالوا يحسنون الظن بأتباع هذه الطائفة الغالية، على اعتبار أنهم رغم تطرفهم فهم متدينون ويرون الإصلاح من جانب معين.
وهنا يكمن الخلل ويتسلل (فَيـْرَس المدخلية) إلى الشباب، فيجنحون إلى التطرف، وكما قلت في مقالي السابق (خطر الفكر المدخلي على وحدة المغرب العقدية) فإن الخوارج الذين قاتلوا عليًا رضي الله عنه يوم النهروان، ابتدؤوا ببدعة صغيرة منحصرة في الغلو في جانب الذكر لينتهوا بعد ذلك بالغلو في سفك الدماء، أما هؤلاء المداخلة فقد ابتدؤوا بالغلو في أعراض العلماء والدعاة والعاملين لخدمة الإسلام؛ والله وحده يعلم بما سينتهي هذا الفكر الظلامي الذي يمـَكَّن له في زمن تضييق كبير على السلفيين خاصة والإسلاميين عامة.
فاحذروهم رحمكم الله…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وهي عبارة كان يكررها الشيخ الألباني رحمه الله، لكنهم لخفة عقولهم لايزالون وإلى اليوم لم يفهموا معناها، ولم يدركوا مقصود الشيخ من وراء ذكرها؛ فلا علمانية في الإسلام، ولا فصل للديني عن السياسي في المنظومة الشرعية، وتلك مسألة أخرى ليس هذا مجال الخوض فيها، علما أنه كان يكفي المنتمين لتيار المدخلية الاقتداء بمنهج الشيخ الألباني رحمه الله في التعامل مع الظلمة والقتلة والمجرمين.