وقفات على طريق المراجعات (2) - حسن الخليفة عثمان
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
أربع وقفات هامة؛ أرى أن السبيل إلى حديثي عن نظرتي إلى المراجعات التي تشهدها ساحة الحركة الإسلامية لا يمتهد إلا بذكرها وإلقاء الضوء عليها.قد تكون هذه المواقف الأربع أو الوقفات في ظاهرها أقرب إلى المذكرات الشخصية لمسيرة وتجربة عاشها صاحبها وامتدت زهاء عقدين من الدهر، والتي مرت بعسرها ويسرها، وآلامها وآمالها، ومرها وحلوها ولم يكن فيها من حلو إلا جميل ولطيف رحمة الله التي وسعت كل شئ، وإن مرها لكثير.
غير أن الحقيقة وبكل صدق ليست هكذا، فلست من أولئك الذين يرون في السير الشخصية وكل التجارب الذاتية بالضرورة نفعًا يُضاهي ما يُفرد لها من مساحات، وتنشغل به الساحات، بما يأخذ من مقدرات وأوقات أمة هي في مسيس الحاجة إلى الانشغال بالسيرة الشخصية لأعظم شخصية عرفها الوجود الإنساني، وخلقها الله لتكون ضياء يستضئ به بنو الإنسان بالنظر في سيرتها، وهي شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الوقفات الأربع؛ فقد كان اثنتان منها في معتقل العقرب بمعتقلات طرة في مصــر، والذي يقبع فيه الآن سجناء الشرعية المناصرون للرئيس محمد مرسي، وكان هذان الموقفان أثناء إجراء المراجعات الفكرية التي قامت بها الجماعة الإسلامية في مصر ، وقد شاركت بما قدّر الله ويسر لي أن أشارك به بحكم تواجدي في المكان، وكوني أحد المضارين في هذا الشأن، ولم أكن يومها عضوًا أو قياديًا بالجماعة، أيًا كان رأي الجهات الأمنية أو غيرها.
كما إنه من الموانع الرئيسة التي جعلتني لا أتناول هذه التجربة أو الشهادة عليها بالكتابة فيها، هو أن صنفًا من رموز هذه التجربة يجعل من تناول هذه التجربة والحديث عنها مصدر رزق ووجاهة وجاه لا يحب أن يشاركه فيه أحد، كما إن هذا النوع في خلافه واختلافه لإثبات صحة رأيه وادعائه كثيرًا ما يذهب بعيدًا، وأحيانًا يشارف على الحضيض أو يهوي إليه وهذا ما لا قِبل ولا طاقة لنا به.
كما إن اللجوء إلى وسائل ومسالك نراها في تقديرنا غير نظيفة للحفاظ على المراكز ومصادر الرزق ، هذه كثيرًا ما ترد في خيارات هذا النوع من الرموز، وذلك الإشكال أو العائق ما زال يواجه الشرفاء المخلصين من القيادة الحالية للجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية، وعلى رأسهم السيد الدكتور (عصام الدين دربالة) ومساعدوه، والذين وقفنا على باطن حالهم بما يكفينا أن ندلي بشهادة حق وإنصاف في حق عدالتهم وتجردهم وحرصهم على المصلحة العامة لهذه الأمة، أيًا كان الثمن الذي يمكن أن يتكبدوه في سبيل ذلك أمام النوع الآخر الذي أسلفنا الإشارة إليه..
والذي تحول رموزه إلى نجوم أُفسحت لها المساحات المرئية والمقروءة، وتحولوا إلى أداة طيعة أو بيادق في أيد الأجهزة الأمنية في مصر لإزاحة الفريق الحالي عن سدة القرار في الجماعة، والمجئ بهم وإعادتهم إلى الواجهة بعد أن تم استهلاكهم وحرقهم، ليتصدروا المشهد وللسير وفق منهج وأسلوب ووسائل السلطة القائمة الآن في مصر، غير أن هذه المحاولات كلها في ضوء معرفتي واطلاعي على هذا الشأن لا تعدو كونها محاولات بائسة ويائسة، تدرك السلطة الحاكمة جيدًا عدم جدواها، غير أنها تبقي على ممارستها للحفاظ على توازنات ليس المقام لذكرها.
وأما عن الموقفان الآخران فقد كانا بعد خروجي من المعتقل وكلاهما متعلق بالأزمة السياسية في مصر قُبيل الانقلاب وبعد الانقلاب.
سرد المواقف الأربع على الترتيب الزمني وتتابع الأحداث:
* كان الموقف الأول تقريبا في يناير في شتاء ألفين واثنين ميلادية حين طلب مني السيد المهندس الشيخ أسامة حافظ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ونائب رئيسها الحالي أن ألقي كلمة في الحفل الختامي لندوات ما عرف بمبادرة وقف العنف بين الجماعة الاسلامية والدولة المصرية، وذلك في حضور القيادات البارزة لجهاز الأمن المصري وجميع قيادات الجماعة الإسلامية وأفرادها الموجودين بهذا المعتقل.
* الموقف الثاني المتمثل في لقاء أمني رفيع المستوى في غرفة الإعدام الخاصة بي في مبنى مستشفى العقرب، وقد حضر إليّ فيه اللواء (أحمد رأفت) نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة في حينها، والذي وافته المنية في صيف ألفين وعشرة ميلادية، وكان معه كثير من القيادات الفرعية المساعدة له في الجهاز أثناء اللقاء، كان من بينهم بعض القيادات الحالية لجهاز ما يسمى بالأمن الوطني، كما حضر اللقاء جميع أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية باستثناء السيد الدكتور عصام دربالة والمهندس عاصم عبد الماجد، الذين كانا مغيبين في معتقل المنيا أثناء هذا اللقاء، وقد كان هذا اللقاء في غرفتي خاصًا بمشاركة شخص كاتب السطور في الحوار الشهير الذي أجراه الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد.
* الموقف الثالث وهو المتعلق بما صاغه وتقدم به كاتب السطور من رأي ورؤية في الثالث والعشرين من يونيه لعام ألفين وثلاثة عشر، لمواجهة مخطط ومؤامرة الثلاثين من يونيو والتي كنت قد وقفت على أبعادها وأهدافها الحقيقية جيدًا.
* الموقف الرابع والأخير، وقد كان في الثالث والعشرين من أغسطس من عام ألفين وثلاثة عشر بعد حدوث الانقلاب وفض اعتصام رابعة، وقد كان في مكتب اللواء حسن سيف مدير إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن أسيوط في جنوب مصر.
ما الذي حدث في هذه اللقاءات أو المواقف وما الهدف من ذكرها الآن وما علاقتها بالمراجعات؟
هذا ما سيأتي في مقالنا القادم بإذن الله.