أرشيف المقالات

وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم
 
القاعدة العامة:
قال تعالى: ﴿ وما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [1].
هذه سنة الله تعالى في الرسل جميعًا، أن يبلغوا ما بعثوا به، وعلى أقوامهم أن يطيعوا وينفذوا.
ولو لم تكن الطاعة مطلوبة.
لما كان التزام ودين وخضوع، يظهر من خلاله المؤمن من الكافر.
 
إطاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
والآيات الواردة في القرآن الكريم بشأن الأمر بطاعته صلى الله عليه وسلم، كثيرة جدًا، ومعظمها جاء الأمر به مقترنًا بطاعته سبحانه وتعالى.
 
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾[2].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾[3].
وقال: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[4].
وقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾[5].
وقال: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾[6].
وقال: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾[7].
 
والآيات في هذا الشأن كثيرة، وهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى أي بيان آخر، ومع ذلك جاءت الأحاديث الشريفة لتؤكد هذا المعنى وتقرره في ميدان التطبيق، حتى يكون الخضوع لأمر الله ورسوله خضوعًا تامًا في كل الأحوال، في العسر واليسر، وفي السراء والضراء.
 
عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي فقال: «ألم يقل الله: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾..»[8].
وفي هذا الحديث ما فيه من بيان وإيضاح لما تعنيه هذه الطاعة.
 
وفي حجة الوداع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ممن ليس معهم هدي أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة..
فتلكأ بعضهم.
قالت عائشة: فدخل عليَّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله، أدخله الله النار.
قال: «أَوَما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هو يترددون؟»[9].
كان غضبه صلى الله عليه وسلم لمجرد ترددهم، وذلك خوفًا عليهم من غضب الله عليهم لمعصيتهم رسوله.
ودرس غزوة أحد درس لا ينسى.
فطاعته صلى الله عليه وسلم هي أولى واجبات المسلم، ولا يكون مسلمًا بغيرها.
 
الجزاء والثواب:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [10].
 
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»[11].
 
نكتفي بالآية الكريمة والحديث الشريف في بيان منزلة من أطاع الله ورسوله ففيهما البيان الشافي.
جعلنا الله ممن أطاعه وأطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
نماذج من إطاعة الصحابة:
ما من شك في أن الصحابة رضي الله عنهم، قد ضربوا أروع الأمثلة في الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، تنفيذًا لأمر الله تعالى في الآيات الكثيرة الواردة بهذا الصدد، أولًا، وتلبية للحب الذي استقر في نفوسهم له صلى الله عليه وسلم ثانيًا، وإن المحب لمن يحب مطيع.
 
ولو ذهبنا نذكر الأمثلة على ذلك لضاق بنا المقام، ولذا فإننا نكتفي بنماذج دلالة على بيان طاعة ذلك الجيل الفريد له صلى الله عليه وسلم.
 
• أخرج أبو داود، عن جابر رضي الله عنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الجمعة قال: «اجلسوا» فسمع ذلك عبدالله بن مسعود، فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعال يا عبدالله بن مسعود»[12].
 
سمع عبدالله قول «اجلسوا» من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فما سمح لنفسه أن يخطو خطوة واحدة فجلس حيث كان، رضي الله عنه.
 
• وهذا أبو عبدالرحمن الفهري رضي الله عنه، يقول: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي، وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد حان الرواح؟ قال: «أجل» ثم قال: «يا بلال قم» فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك[13]...
 
وتستوقفنا هذه الصورة التي ينقلها لنا أبو عبدالرحمن: إن بلالًا ما إن سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ثار ملبيًا النداء، ظله كأنه ظل طائر، وهذا بيان لسرعته حتى إن قدميه ما تكاد تطأ الأرض، فبدا ظله كظل الطائر.
 
• وعن أسيد بن ظهير قال: جاءنا رافع بن خديج فقال: إن رسول الله ينهاكم عن أمر كان لكم نافعًا، وطاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لكم[14]..
وهكذا لم يكن هناك تردد عند رافع في تنفيذ الأمر فطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أنفع[15]...
 
بين الأمر والشفاعة:
وينبغي هنا أن نشير إلى الفرق بين أمره صلى الله عليه وسلم وبين شفاعته.
فالأمر واجب التنفيذ، وإطاعته فرض.
 
أما الشفاعة، فهي رغبته صلى الله عليه وسلم، في الشيء.
وهي متروكة للمشفوع عنده.
وفي الغالب أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يقبلون شفاعته صلى الله عليه وسلم ونضرب مثلًا لكل من الحالتين.
 
كان لكعب بن مالك على ابن أبي حدرد دين، فالتقى به في المسجد، فطالبه به، حتى ارتفعت أصواتهما، فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما، فكشف سجف حجرته، فنادى «يا كعب» فقال كعب: لبيك يا رسول الله، قال: «ضع من دينك هذا» وأومأ إليه: أي الشطر، قال: قد فعلت يا رسول الله، فقال لابن أبي حدرد: «قم فاقضه»[16].
 
فقد كان طلبه صلى الله عليه وسلم، من كعب أن يتنازل عن نصف دينه، شفاعة وليس أمرًا، وكان لكعب أن يلبي هذه الرغبة وله أن يرفضها، ولكنه فعل متقبلًا شفاعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
 
• وهذه بريرة كانت أمة فتحررت، وكان زوجها عبدًا، فلما تحررت فسخت نكاحها منه بعامل حريتها.
قال ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي دموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعباس: «يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا».
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لو راجعته».
قالت: يا رسول الله، تأمرني؟.
قال: «إنما أنا أشفع».
قالت: لا حاجة لي فيه[17]...
 
ومن هذه الواقعة يتبين لنا كيف استقر الفهم في نفوس الصحابة بشأن التفريق بين الأمر منه صلى الله عليه وسلم، وبين شفاعته، حتى بات ذلك معلومًا للإماء.
 



[1] سورة النساء، الآية (64).



[2] سورة الأنفال، الآية (20).



[3] سورة آل عمران، الآية (32).


[4] سورة آل عمران، الآية (132).



[5] سورة النساء، الآية (80).


[6] سورة النور، الآية (54).



[7] سورة الحشر، الآية (7).


[8] أخرجه البخاري برقم (4474).


[9] أخرجه مسلم برقم (1211).


[10] سورة النساء، الآية (69).


[11] أخرجه البخاري برقم (7280).



[12] أخرجه أبو داود برقم (1091).


[13] أخرجه أبو داود برقم (5233).



[14] أخرجه أبو داود النسائي وابن ماجه وأصله عند الشيخين.



[15] ورد هذا بشأن مزارعة الأرض على بعض انتاجها.



[16] متفق عليه (خ 457، م 1558).



[17] أخرجه البخاري برقم (5283).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١