أرشيف المقالات

نعمة الحمد - أم سارة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
عجيب هو أمر الإنسان دائمًا يشكو ويتبرم، ويجحد وينسى أو يتناسى ما رزقه الله من نعمة..
إذا رُزق الولد يسب ويسخط: "اللي عايز العيال وسنينها" مع أنه إذا حُرم تلك النعمة باع من أجل الحصول عليها الغالي والنفيس عند الأطباء لعل الله يرزقه..! 
وإذا رُزق المال تعب وشقي واستدان لعمل مشاريع أكثر مخافة فقده أو الفقر، في حين أنه يقول لمن أنعم الله عليه بنعمة الستر وعيش الكفاف: "احمد ربنا بالك مرتاح ما فيش دين منغص عليك عيشتك ولا شيء خايف يضيع من تحت يدك"! مع أنه لو فكر لحظة في أنه سيعيش عيش الكفاف أو "عيشة مستورة" كعامة الناس لأصابه الهلع والخوف، وينسى تمامًا راحة البال التي يحسد عليها غيره..!
والزوجة تجدها تذم في زوجها وتسب الزواج والعيال وسنينهم، وتقول لمن تأخر عنها الزواج: "احمدي ربنا، أنت لسة على البر، عايشة براحتك وحريتك، وما فيش راجل ولا عيل ينغص عليك حياتك"، مع إنها لو فكرت لحظة بأن زوجها سيطلقها أو أنها قد تفقد أحد أولادها لأصابها انهيار عصبي واستعاذت بالله ودعته ألا يحرمها نعمة الزوج والأولاد!
وإن كان طالب ورزقه الله بمجموع أدخله إحدى كليات القمة –كما يقولون- وحقق ما كان يطمح فيه، فبسبب التعب الشديد فيها سواء أثناء الدارسة أو بعدها يقول لمن هو على مشارف الدخول إلى تلك الكليات: "انجو بنفسك دي هلكة على الفاضي ادخل أي حاجة تانية، بلاش تعب ليس منه فائدة فخريج التجارة يكسب ويعيش أفضل منا"! مع أنه لو عاد به الزمن وخُير لدخل نفس المجال واختار تلك المهنة..!
تلك النماذج ومثلها كثير في مجتمعنا، أعجب لهم أين حمد الله على النعمة التي رزقهم الله إياها؟! 
لماذا دائمًا يُنفر غيره من الحصول على تلك النعمة بدل أن يُحدّث بنعمة الله ويدعو لغيره بأن يرزقه الله مثلها ويوسع عليه؟! لماذا الكذب على غيرهم وعلى أنفسهم والإنكار بنعمة الاستمتاع بتلك النعم وأنهم لا يتصورون العيش بدونها؟!

أليس هذا من كفران النعم التي يعذب الله الناس بسببها، في حين أنهم لو شكروا لزادهم منها، فقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في هذه الآية:
"وقال لهم حاثًا على شكر نعم الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أي: أعلم ووعد، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} من نعمي، {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم، والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك".
وقال ابن كثير رحمه الله فيها:
"وقوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها، {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إياهم على كفرها، وقد جاء في الحديث: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
وفي المسند: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به سائل «فأعطاه تمرة»، فتسخطها ولم يقبلها، ثم مر به آخر «فأعطاه إياها»، فقبلها وقال: تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأمر له بأربعين درهمًا» -أو كما قال- قال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا عمارة الصيدلاني عن ثابت، عن أنس قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل«فأمر له بتمرة» فلم يأخذها -أو: وحش بها- قال: «وأتاه آخر فأمر له بتمرة»، فقال: سبحان الله! تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للجارية: «اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهمًا التي عندها»" تفرد به الإمام أحمد...
ألا لنحمد الله على نعمه حتى لا نُحرم ونُعذب بسبب جحودنا وكفرنا بتلك النعم التي حُرم منها الكثير، وليزيدنا الله منها ويحفظها لنا من الزوال، بل قد تكون سبب في عفوه ورضاه إن أحسنا استخدامها ووجهناها لطاعته وابتغاء مرضاته، وحتى نكون من القليل الشكورالذين قال الله تعالى فيهم: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف:10]
فاللهم اجعلنا من القليل الشكور.

شارك الخبر

المرئيات-١