(23) اليقين في صحة الرسالة وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم - خطوات في التربية - مدحت القصراوي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
أشار القرآن الى أدلة صدق الرسالة وصحتها في مواضع مختلفة منها:أولًا: الاستدلال بشاهد الرسالات قبله:
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:9]، {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:20]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10].
وذلك بمعرفة جنس ما دعا إليه الرسل، فيجد ما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم هو من نفس هذا الجنس بل وأتى بأعلاه وأجمعه وأصحّه وأصفاه، حتى أصبح هو الشاهد على صحتها ومؤتَمنًا عليها وبيان ما حُرّف منها، فهو المهيمن عليها والشاهد، وهذا من أعلى أنواع الاستدلال، وهذا ما يسميه شيخ الإسلام بالمسلك النوعي يعني: معرفة نوع ما دعت إليه الرسل ونوع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا من عرف بعض ما جاء به الرسل من آثار صحيحة علم علوّ قدْر ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وعرف أنه من نفس جنس ما دعا اليه الرسل بل أعلاه وأصحّه وأجمعه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أن هذا من ضمن حكمة إبقاء أهل الكتاب بالجزية بين أظهر المسلمين، ليبقوا بكتبهم وآثارهم شواهد على صحة الرسالة".
ثانيًا: بإخباره بكثير مما يخفيه أهل الكتاب حتى عن جماهيرهم هم:
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة:15-16].
وفي حديث إسلام عدي بن حاتم أنه أخبره بأسرار دينه وأنه يخالفها، ولا يعلم هذا أحد، فأقرّ عديّ وأسلم؛ فقد جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أعلم بدينك منك».
قال: "قلت أنت أعلم بديني مني؟" قال: «نعم.
قال: أليس ترأس قومك».
قال: "قلت بلى" قال: «فإنه لا يحل في دينك المرباع».
قال: "فلما قالها تواضعت مني هنية".
ثم أخبره صلى الله عليه وسلم بوقائع ستحدث ويراها عدي بنفسه؛ فقال في بقية الحديث: «وإني قد أرى أن مما يمنعك خصاصة ـ فقر وحاجة ـ تراها ممن حولي، وإن الناس علينا إلْبًا واحدًا؛ هل تعلم مكان الحيرة».
قال: "قلت قد سمعت بها ولم آتها.
قال: «لتوشكن الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة ولتوشكن كنوز كسرى بن هرمز أن تفتح».
قال: "قلت كسرى بن هرمز؟" قال: «كسرى بن هرمز».
قال: "قلت كسرى بن هرمز؟" قال: «كسرى بن هرمز -ثلاث مرات- وليوشكن أن يبتغى من يقبل ماله منه صدقة فلا يجد».
قال: "فلقد رأيت ثنتين؛ قد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالكعبة وكنت في الخيل التي غارت- وقال يونس عن حماد أغارت- على المدائن وأيم الله لتكونن الثالثة إنه لحديث رسول الله صلى الله حدثنيه".
ثالثًا: هيئته وسمته صلى الله عليه وسلم:
يُحدّث عديّ بعلامات النبوة في أخلاقه وكلامه وأوامره، روى الترمذي عن عدي رضي الله عنه، يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عدي بن حاتم، وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفعت إليه أخذ بيدي وقد كان قال قبل ذلك: إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي، قال: فقام فلقيته امرأة وصبي معها فقالا: إن لنا إليك حاجة فقام معهما حتى قضى حاجتهما.
ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله فهل تعلم من إله سوى الله؟»، قال: قلت: لا، قال ثم تكلم ساعة، ثم قال: «إنما تفر أن تقول الله أكبر وتعلم أن شيئًا أكبر من الله؟»، قال: قلت: لا، قال: «فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال»، قال: قلت: فإني جئت مسلمًا، قال: فرأيت وجهه تبسط فرحًا، قال: ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النهار.
قال: "فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار، قال: فصلى وقام فحث عليهم، ثم قال: «ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جنهم أو النار ولو بتمرة ولو بشق تمرة، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالاً وولدًا؟ فيقول: بلى، فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟ فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئًا يقي به وجهه حر جهنم، ليقِ أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة فإني لا أخاف عليكم الفاقة فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما تخاف على مطيتها السرق»، قال: "فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص طيء".
وقد استدل عدي رضي الله عنه بهذا على أنه نبي وليس مَلِكًا بتواضعه صلى الله عليه وسلم للأرملة واليتيم، وطريقة جلسته وهيئته ليست كهيئة الملوك والمتكبرين، كما استدل بفحوى كلامه من:
1- إخباره بأسرار دينه وعلمه به أكثر من عدى نفسه.
2- فحوى ما دعاه إليه وهى دعوة الرسل قبله، ولا يدعو دعيّ الى مثل هذا.
3- خلقه وتواضعه صلى الله عليه وسلم مع الأرملة واليتيم.
يتبع إن شاء الله..