أرشيف المقالات

طلاب الدنيا وطلاب الآخرة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
طلاب الدنيا وطلاب الآخرة
 
يقول تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20].
 
في هذه الآيات الكثيرُ من الوقفات والمعاني الإيمانية العميقة التي يسعد المؤمن بتأملها؛ لما تمدُّه به من طاقة إيمانية تعينه على الثبات على طريق الإيمان، ومن أبرز هذه المعاني:
1) الناس قسمان:
فريق يسعى ويلهث وراء الدنيا..
يُحِبُّ من أجلها، ويبغض من أجلها، وهؤلاء منهم المؤمنون؛ فالكفار لا يتصوَّرون أن هناك شيئًا غيرها يعيشون من أجلها ويموتون من أجلها، ويعبدون سواها، والمؤمنون بعضهم أعمَتْه الدنيا تمامًا حتى نسي عبادة الله في سبيلها، والبعض الآخر لا يُعطي إلا فضولَ أوقاته للآخرة؛ لأن قلبه معلَّق بالدنيا.
 
2) أنواع التعجيل في الدنيا:
هناك قراءتان للآية: ﴿ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ﴾ [الإسراء: 18]؛ فقد قرأها الجمهور (نشاء)، وقرأها نافع: (يشاء)، فعلى قراءة الجمهور - كما قال ابن عطية في تفسيره -: (من كان يريد الدنيا العاجلة، ولا يعتقد غير هذا، ولا يؤمن بآخرة، فهو يفرغ أمله ومعتقده للدنيا، فإن الله تعالى يعجِّل لمن يريد من هؤلاء ما يشاء الله تعالى)، وعلى قراءة نافع يكون المعنى: (أن الله تعالى يعجِّل لمن يريد من هؤلاء ما يشاء هذا المريد)، ولعل هذا الأمر واضحٌ جليٌّ، نلمسه ونراه؛ فإن أكثر الأثرياء وملاك الدنيا وزينتها هم من العُصاة والظَّلَمة.
 
3) مصير طلاب الدنيا:
الذين لا يتطلَّعون إلى أبعد من هذه الأرض، يتلطخون بوحلها ودنسها ورجسها، ويستمتعون فيها كالأنعام، ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات، ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذة الأرضية ما يؤدي بهم إلى جهنم.
 
فهؤلاء الذين استبدلوا الدنيا بالآخرة، واتخذوها آلهة من دون الله، ونسُوا ما خلَقَهم الله من أجله، ماذا سيكون مصيرهم بعد أن يعطيَهم ما يريدون من هذه الدنيا؟ يقول تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 18].
 
4) أنواع طلاب الآخرة:
نستطيع أن نستخلص من الآيات الكريمات بأن طلاب الآخرة ينقسمون إلي قسمين: فمنهم من يطلب الآخرة ويسعى لها بالأمور المشروعة من الكتاب والسُّنة، ومنهم من يطلبها بغير الأمور المشروعة من البدع والضلال.
 
5) صفات الفائزين من طلاب الآخرة:
يحدِّد الله تعالى في هذه الآيات صفاتٍ أربعًا للفائزين من طلاب الآخرة، وهي:
أ- إرادة الآخرة: فكان مخيَّرًا بين الدنيا الزائلة وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله سبحانه وتعالى، ولا يعني هذا أنه ترك العمل في الدنيا وتحصيل الرزق؛ بل يعني أن الدنيا كانت بيده ولم تكن في قلبه؛ ولذلك لم تشغله عن آخرته، ولم يُعطِ آخرتَه فضولَ أوقاته بسببها.
 
♦ وإذا ما تعارَضَ أمرُ الدنيا مع أمر الآخرة، قدَّم أمر الآخرة على أمر الدنيا، وهكذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما خيَّرَه الله قبل موته وعند السكرات بين ملْك الدنيا والخلود فيها، وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، وكانت آخر كلماته: ((بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى)).
 
ب) سعى لها سعيها: أي إنه سعى السعي الذي ينال به الفوز بالآخرة، وصفة هذا العمل الإخلاص، ونوعه القرب والطاعات التي أمر بها الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الضلالات والبدع التي ما أنزَلَ الله بها من سلطان.
 
ج) الهمة العالية: فكلمة السعي توحي بالحركة الدائبة والتعب والجهد في سبيل الله، وعدم تضييع الأوقات؛ خوفًا من انقطاع العمل بالموت، أو بأي قاطع للعمل؛ كالمرض والانشغال، وغيره من الأمور؛ لذلك ترى طالبَ الآخرة هذا يسابق الزمان والساعات والدقائق؛ لكي يملأ صحائفه بالعمل الصالح.
 
د) الإيمان: حيث يقول تعالى: ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾، فلا يقبل العمل إلا بعد الإيمان.
 
جزاء طلاب الآخرة:
لا جزاء لهم سوى الجنة والمغفرة والرحمة والرضوان، يقول الإمام (فخر الدين الرازي) في تفسيره: (واعلم بأن الشكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة: اعتقاد كونه محسنًا في تلك الأعمال، والثناءُ عليه بالقول، والإتيان بأفعال تدلُّ على كونه معظَّمًا عند ذلك الشاكر، والله تعالى يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة؛ فإنه تعالى عالِمٌ بكونهم محسنين في تلك الأعمال، وأنه تعالى يُثني عليهم بكلامه، وأنه تعالى يعاملهم بمعاملات دالة على كونهم معظمين عند الله، وإذا كان مجموع هذه الثلاثة حاصلًا، كانوا مشكورين على طاعاتهم من قِبَلِ الله تعالى) [التفسير الكبير].
 
واجب عملي:
لا تجعل الدنيا أكبرَ همِّك، وليكن همُّك رضا الله والآخرة؛ حتى تكون من الناجين يومَ لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى اللهَ بقلب سليم.
التجويد:
المتجانسان:
المتجانسان: ومعناه الحرفان اللذان اتفقا مخرجًا واختلفا صفة: (كالدال والتاء)، فهما يخرجان من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، واختلفا في الصفة؛ لأن الدال لها ست صفات، هي: (الجهر - الشدة - الاستفال - الانفتاح - الإصمات - القلقلة).
 
بينما للتاء خمس صفات، هي: (الهمس - الشدة - الاستفال - الانفتاح - الإصمات)، وهما بذلك يتفقان في أربع صفات فقط.
 
وينقسم المتجانسان إلى ثلاثة أقسام:
أ- المتجانسان الصغير: وهو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا، مثل: (همَّتْ طَائفة).
 
حكمه: الإظهار إلا في خمسة أحرف، هي: (الباء والتاء والثاء والدال والذال)؛ فيجب فيها الإدغام هي:
1) الباء تدغم في الميم في قوله (اركب مَّعنا) خاصة.
2) التاء تدغم في الدال والطاء نحو (أثقلت دَّعوا) و(همت طَّائفة).
3) الثاء تدغم في الذال نحو (يلهث ذَّلك).
4) الدال تدغم في التاء نحو (قد تَّبين).
5) الذال تدغم في الظاء نحو (إذ ظَّلمتم).
 
ب- المتجانسان الكبير: وهو أن يكون الحرفان متحركين نحو (الصالحاتِ طُوبى).
وحكمه: الإظهار.
 
ج- المتجانسان المطلق: وهو أن يكون الحرف الأول متحركًا والثاني ساكنًا، نحو (الميم والباء) في (مَبْعوثون).
حكمه: الإظهار.
 
المتباعدان:
ومعناه: الحرفان اللذان تباعدا مخرجًا واختلفا صفة.
حكمه: الإظهار، سواء أكان صغيرًا (كالتاء والعين) في قوله تعالى: ﴿ تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأنفال: 2]، أو كبيرًا كالكاف والهاء في قوله تعالى: ﴿ فَاكِهُونَ ﴾ [يس: 55]، أو مطلقًا كالحاء والقاف في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ [الحج: 6]، وهذا النوع لا دخل له في هذا البحث؛ لأن المقصود هو ما يجب إدغامه وما يجوز، وهو لا يكون بين المتباعدين.
 
علوم القرآن:
ترتيب آيات القرآن:
الآيات جمع آية، وهي تطلَق في اللغة على معانٍ، منها المعجزة، والعلامة، والدليل، والبرهان، والعِبرة، والأمر العجيب.
 
في الاصطلاح: الآية: طائفة من القرآن، ذات مطلع أي (بدء)، ومقطع (أي ختام)، مندرجة في سورة من سُوَرِه.
 
وقد أجمَعت الأمَّة على أن ترتيب الآيات في سورها على ما تقرؤه الآن - وهو كذلك منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم - أمرٌ توقيفي، بمعنى أنها رتِّبت بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم وَفق ما نزل عليه بها جبريل عليه السلام، ويؤكِّد ذلك ما أخرجه الإمام أحمدُ بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا إذ شخَصَ ببصره ثم صوَّبه حتى كاد يلزقه بالأرض، قال: ثم شخَصَ ببصره فقال: ((أتاني جبريل عليه السلام فأمَرَني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90])).
 
ويؤكِّد ذلك أيضًا أحاديثُ وردت في فضل سورة بعينها، أو آيات في أول سورة أو آخرها، فقد أخرج البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفَتاه))، وما أخرجه مسلم عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حَفِظَ عشرَ آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من الدجال)).
 
كيف تحفظ القرآن؟
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد:
لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد، فإذا كانت محاولات الحفظ السابقة قد فَشِلتْ، فابدأ منذ اللحظة باتخاذ قرار حفظ القرآن، وتوكل على الله القائل: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
 
لا تترك يومًا دون أن تَحفَظَ شيئًا من القرآن، ولو آية واحدة..
المهم أن تنجز عملًا، وتذكَّرْ أن أحَبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١