صحبة أهل الغفلة - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
الاختلاط بأهل الغفلة من أكبر المزالق التي تهوي بالمرء تدريجيًا حتى وإن نوى بهذه الخلطة الدعوة والإصلاح؛ فلا بد وأن يدرك أنه لهم كالدواء له وقت محدد ويستخدم لغرض معلوم.ولعل من علامات الصادق وأثر الصدق في قلبه، أنه يضيق بصحبة أهل الغفلة، ولا يصبر على مخالطتهم إلا بقدر ما يبلغهم به دعوة الله، وينشر الخير بينهم، فلا يصحبهم إلا لضرورة من دين أو دنيا؛ ذلك لأن «المرء على دين خليله» (1).
الصاحب السيء يردي صاحبه وهو علامة سيئة في جبين من يمشي معه، والصاحب ساحب، وكل قرين بالمقارن يقتدي؛ ولهذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]، وقال الله تعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [ التوبة :119] فمجالسة الصالحين نعمة يستعين بها المرء للوصول إلى رضا ربه.
يقول علقمة بن قيس رحمه الله يوصي ابنه: "يا بني إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك -أي كفاك-، واصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، ولإن رأى سيئة سدها، اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمرًا آمرك -أي أعانك-، وإن تنازعتما آثرك".
----------------------------------
(1) صحَّح إسناده النَّووي في ( رياض الصالحين :177)، وحسَّنه ابن حجر في (الأمالي المطلقة:151)، والألباني في (صحيح سنن أبي داود:4833).