الفرق بين الخالق والمخلوق (2) - العبودية - ابن تيمية
مدة
قراءة المادة :
دقيقتان
.
وأما النوع الثاني فهو الفناء عن شهود السوي، وهذا يحصل لكثير من السالكين، فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد وترى غير ما تقصد لا يخطر بقلوبهم غير الله، بل ولا يشعرون كما قيل في قوله {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها}، قالوا فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى، وهذا كثير يعرض لمن فقه أمر من الأمور، إما حب وإما خوف، وإما رجاء يبقى قلبه منصرفا عن كل شيء إلا عما قد أحبه أو خافه أو طلبه بحيث يكون عند استغراقه في ذلك لا يشعر بغيره، فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته حتى يفنى من لم يكن وهى المخلوقات المعبدة ممن سواه ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى والمراد فناؤها في شهود العبد وذكره وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها وإذا قوي هذا ضعف المحب حتى اضطرب في تمييزه فقد يظن أنه هو محبوبه.