أرشيف المقالات

الدال إلى صلاة الكبير المتعال وملائكته

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
الدالُّ إلى صلاة الكبير المتعال وملائكته
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
 
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار:
إن مما لا شكَّ فيه أن العلم بالأعمال التي من ثوابها صلاة الله تعالى وملائكته عليهم السلام على العبد المسلم، والعمل بها - من الأهمية بمكانٍ؛ فيكفي أنه من أعظم ثمراتها أن الله تعالى يخرج بها عبده من الظلمات إلى النور، فنحن في أشد الحاجة إليها، خاصة في زمان الغربة الثانية للإسلام وأهله؛ من كثرة الشبهات والشهوات التي تحيط بنا من أهل الباطل، ولما وجدتُ أن هذا الأمر لا يُتناول إلا ببعض جزيئاته، فرأيتُ تجميعها في مقالة واحدة، راجيًا من الله تعالى القبول والتوفيق لانتفاع عباده المسلمين بها، والله من وراء القصد.
 
أعمال صالحة من ثوابها صلاة الله تعالى وملائكته على العبد المسلم:
أولًا: تحقيق الإيمان:
صلاة الله عز وجل وملائكته على العبد المؤمن:
لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43]، وعن أبي هريرة قال: ((إذا خرجت روح المؤمن تلقَّاها ملكانِ يصعدانها - قال حماد: فذكر من طِيبِ ريحها وذكر المسك - قال: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قِبَلِ الأرض، صلَّى الله عليك وعلى جسد كنت تعمُرينه، فيُنطلق به إلى ربه عز وجل، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه - قال حماد: وذكر من نَتْنِها، وذكر لعنًا - ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قِبَلِ الأرض، قال: فيُقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال أبو هريرة: فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَيْطةً كانت عليه، على أنفه، هكذا))[1].
 
ثانيًا: كثرة ذكر الله تعالى:
لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].
 
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل على الذاكر، ومن صلى الله عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43]، فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور.
 
وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته، وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، فأي خير لم يحصل لهم؟ وأي شر لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم، ماذا حُرموا من خيره وفضله، وبالله التوفيق"[2].
 
ثالثًا: صلاة الله تعالى وملائكته على من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشرًا))[3].
 
وعن عاصم بن عبيدالله قال: سمعت عبدالله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((من صلَّى عليَّ صلاةً لم تزلِ الملائكة تصلي عليه ما صلى عليَّ، فليقل عبدٌ من ذلك أو لِيُكْثِر))[4].
 
رابعًا: تعليم الناس الخير:
عن أبي أمامة الباهلي قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلانِ؛ أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملةَ في جحرها وحتى الحوتَ - ليصلُّون على معلم الناس الخير))[5].
 
يقول الإمام ابن القيم: "وهذا لأن بتعليمهم الخير قد أنقذوهم من شر الدنيا والآخرة، وتسببوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين الذين يصلي عليهم الله وملائكته، فلما تسبب معلمو الخير إلى صلاة الله وملائكته على من تعلم منهم، صلَّى الله عليهم وملائكته، ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليمًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أنصح لأمته، ولا أصبر على تعليمه منه؛ ولهذا نالت أمته من تعليمه لهم ما لم تَنَلْهُ أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمه من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أُخرجت للعالمين، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية للصلاة على من لم يماثله في هذا التعليم؟"[6].
 
خامسًا: صلاة الله وملائكته على المحافظين على الصف الأول في الصلاة:
عن البراء بن عازب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأُوَلِ))[7].
 
سادسًا: صلاة الله وملائكته على الذين يصِلُون الصفوف في الصلاة:
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يُصلُّون على الذين يصِلون الصفوف، ومن سدَّ فُرجةً رفعه الله بها درجةً))[8].
 
سابعًا: صلاة الله عز وجل وملائكته على المتسحرين الصائمين:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين))[9].
 
ثامنًا: صلاة الله ورحمته على الصابرين المحتسبين:
لقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
 
وقال بعض السلف وقد عُزِّيَ على مصيبة نالته فقال: "ما لي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كلُّ خَصلة منها خير من الدنيا وما عليها؟"[10].
 
تاسعًا: صلاة الملائكة عليهم السلام على من ينتظر الصلاة من أهل الإسلام:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في الجماعة تُضعَّفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوةً، إلا رُفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى، لم تزلِ الملائكة تصلي عليه، ما دام في مُصلَّاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة)) [11].
 
عاشرًا: صلاة الملائكة على من يعُودُ أخاه المريض حتى يمسي أو يصبح:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى أخاه المسلم عائدًا، مشى في خِرافةِ الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان عاده غدوةً، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان عاده مساءً، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح))[12].
 
الحادي عشر: صلاة الملائكة على من أطعم الطعام:
عن أنس أو غيره: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يُسمعِ النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثًا، ورد عليه سعدٌ ثلاثًا ولم يُسمعْه، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتَّبعه سعد، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما سلَّمتُ تسليمةً إلا هي بأذني، ولقد رددتُ عليك ولم أُسمعك؛ أحببتُ أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرَّب له زبيبًا، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون))[13].
 
الثاني عشر: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم بصلاة الله عليهم:
عن عبدالله بن أبي أوفى قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: اللهم صلِّ على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى))[14].



[1] مسلم 75 - (2872).


[2] الوابل الصيب، للإمام ابن القيم (ص: 71، الفائدة الخمسون)، ط: دار التقوى، مصر.


[3] مسلم (408)، وأبو داود (1530)، والترمذي (485)، والنسائي (1296)، وابن حبان (906).


[4] حسن: رواه أحمد (15689، 15680)، وابن ماجه (907)، وحسَّنه الألباني وشعيب الأرنؤوط.


[5] صحيح: رواه الترمذي (2685)، والدارمي (289)، والطبراني في المعجم الكبير (7912)، و"مشكاة المصابيح" (213)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1838، 4213)، وصحيح الترغيب والترهيب (81).


[6] جلاء الأفهام، للإمام القيم، (ص: 159)، ط: دار الحديث، مصر.


[7] صحيح: رواه أحمد (18726، 18364) عن النعمان بن بشير، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وأبو داود (664)، والنسائي (811)، وابن ماجه (997)، وصححه الألباني.


[8] حسن: رواه أحمد في المسند (25270)، وابن ماجه (1550، 995)، وابن حبان (2160)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" ( 1843)، و"الصحيحة" (2532).


[9] رواه ابن حبان في صحيحه (3467)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وحسنه الألباني.


[10] عدة الصابرين، للإمام ابن القيم، (ص: 66)، ط: دار القلم للتراث، مصر.


[11] البخاري (477، 647)، ومسلم (666، 649)، وأخرج شطره الأول حتى قوله: ((...
خمسًا وعشرين درجة)
)
، وأبو داود (559)، وابن ماجه (786) بنحوه.


[12] رواه أحمد في المسند (612)؛ قال شعيب الأرنؤوط: صحيح موقوفًا، رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن اختُلف في وقفه ورفعه، والوقف أصح، وأبو داود (3099)، وقال الألباني: صحيح موقوف، وابن ماجه (1442)، والترمذي (969)، وقال الألباني:صحيح مرفوع، وانظر: صحيح الجامع (682، 5767، 5934).


[13] صحيح: رواه أحمد في المسند (12406)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومن طريقه أخرجه أبو داود (3854)، وابن ماجه (1747)، ومصنف عبدالرزاق (7907، 19425)، والطبراني في "الدعاء" (924)، وصححه الألباني.


[14] البخاري (1497)، ومسلم 176 - (1078).

شارك الخبر

المرئيات-١