أرشيف المقالات

علاقة الإدراك البصري بالحقيقة؟! - أحمد كمال قاسم

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
نظن كثيرًا أن حاسة البصر -شاملة الإدراك البصري أيضًا- تنقل الحقيقة وليست مجرد "نمذجة عقلية" للحقيقة؟! أتذكَّر أن قد سألت أحد الناس "ماذا تكون هيئة حلم الذي وُلِد فاقد البصر؟"، فقال لي ببساطة: لن يحلم! أو سيحلم ظلامًا! تعجبت من اجابته أنه ظن أن الحلم ليس موجودًا لمجرّد غياب أي معلومات مرئية مسبقة له عن العالم!

فقلت له: قد يكون حلمه "مشهد" صوتي أو شمي أو لمسي أو تذوقي أو جميعهم معًا؟ إن الكون بالنسبة له ثري جدًا حتى بدون أي إبصار!

حجة ورد..!

لكن قد تجد من يحتج بأن "الحقيقة البصرية" هي الحقيقة الحقة والحق الحقيق! بدليل -مثلًا- أننا وصلنا عقليًا لنمذجة الأوضاع النسبية للذرات على هيئة روابط هندسية لها أشكال مُعيَّنة كالشكل السداسي في حلقة البنزين وها نحن اليوم تمكنا بميكرسكوباتنا الإلكترونية "الدون - فمتوية" -فائقة سرعة التصوير بحيث يكون زمن التقاط الصورة الواحدة أقل من فيمتو ثانية- أن نرى الحلقات العضوية التي نمذجتها عقولنا رؤية "حقيقية" بأبصارنا..

والرد على هذا الاحتجاج ببساطة هو أن المحتج به قد حكم على صحة حقيقة نمذجته العقلية للحقيقة عن طريق عقله ذاته، ذلك أن الإبصار في النهاية هو وظيفة عقلية، فكيف نحكم بالعقل على الموضوعية المطلقة للنموذج العقلي للعالم؟

إننا لا نبني النماذج العقلية إلا على أسس من المُدخَلات الحسية، ولا يكون معنى للمدخلات الحسية إلا بإدراك مبني على نماذج عقلية! فكيف إن توافق الحس مع العقل نظن أن هذا التوافق يتعدَّى إطار الإدراك العقلي إلى الحقيقة المطلقة؟! إن هذا بالكاد قد يصلح دليلًا غير محكمٍ على تناسق نظامنا العقلي...!

تنبيه ووعيد قرآني!

وبهذا الصدد يُنبِّهنا القرآن الكريم لعلو شأن ثقة غالب الناس في إبصارهم كـ"عين اليقين " على شأن نمذجتهم العقلية "علم اليقين"، لكنه في الآن ذاته نبَّهنا إلى أن أي منهما ليس هي الحقيقة ذاتها (حق اليقين) عندما ميَّز بين "عين اليقين" و"عين اليقين" من ناحية؛ و"حق اليقين" من ناحيةٍ أخرى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ .
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ .
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}
[التكاثر:5-7].

{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ .
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ .
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ .
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ .
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ .
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ .
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ .
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ .
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}
[الواقعة:88-96].

فمن عصى ربه دون توبةٍ ولا أوبة فسيعلم عذابَه ثم يراه، وأخيرًا يتحقق منه، وربما كان حين التحقق شيئًا مُختلِفًا تمامًا عمّا علِمه ورآه!

اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار واغفر لنا معصيتنا لك يا أرحم الراحمين..
واجعل حق اليقين بردًا وسلامًا علينا حينما يأتينا اليقين ( الموت )، فتحشرنا في جنة نعيمك التي بها ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمِعَت ولا خطر على قلب بشر..

والله أعلم.
 


شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير