نصيحة لله (3/4)

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
 
نصيحة لله (3/4)
 
وأمَّا النصيحة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيُعرِّفها المحدِّث الفقيه العلَّامة أبو عمرو بن الصلاح بقوله: "والنصيحة لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
1- الإيمانُ به وبما جاء به.
2- وتوقيرُه وتبجيلُه.
3- والتمسُّكُ بطاعته.
4- وإحياءُ سُنَّته.
5- ومطالعةُ علومه ونشرها.
6- ومعاداةُ مَن عاداه، وموالاةُ مَن والاه.
7- والتخلُّقُ بأخلاقه.
8- والتأدُّبُ بآدابه.
9- ومحبةُ آله وأصحابه ونحو ذلك".
 
وأما الحافظ الإمام الفقيه محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة"، فقسَّمها إلى قسمين؛ بقوله: "وأما النصيحة للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته، فبذلُ المجهود في طاعته، ونصرته ومعاونته، وبذلُ المال إذا أراده، والمسارعة إلى محبته، وأما بعد وفاته، فـ:
—• العناية بطلب سُنَّته.
• والبحث عن أخلاقه وآدابه.
• وتعظيم أمره، ولزوم القيام به.
• وشدة الغضب والإعراض عمَّن يدين بخلاف سنته، والغضب على مَن صنعها لأثرة دنيا وإن كان متدينًا بها.
——• وحبُّ مَن كان منه بسبيل، من قرابةٍ أو صهر، أو هجرة أو نُصرة، أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام.
——• والتشبه به في زِيِّه ولِباسه.
 
وأما الشيخ العلامَّة ابنُ العثيمين في كتابه "الضياء اللامع من الخطب الجوامع"، فعرَّفها بقريب مما سبق في إيجاز، بقوله: "وأما النصيحة لرسوله، فهي محبتُه، واتِّباعُه ظاهرًا وباطنًا، ونصرتُه حيًّا وميتًا، وتقديمُ قولِه وهديه على قول كلِّ أحد وهديه".
 
والذي نخلص إليه من كلِّ هذه التعريفات: أنها تتَّفق على أن النصيحة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشبهُ بطائر ذي جناحين، ولا يمكن له ينهض، أو يحلق بأحدهما من دون الآخر، فأمَّا الجَنَاح الأيمن، فالإيمان به ومحبته، وتبجيله وآله وصحبه الكرام، وأما الجناح الآخر، فالاقتداء به قولًا وعملًا وخُلُقًا، وظاهرًا وباطنًا، والدعوة والجهاد لإعلاء دينه ونشر سُنَّته.
 
ولعلَّ إطلالةً سريعة على نصح الصحابة والتابعين لهم بإحسان - رضي الله عنهم - للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته وبعد وفاته - تُعطينا المَثَل، وتقدِّم لنا القدوةَ، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وتُسلِّطُ مزيدًا من الأضواء على تفاعُل الصحابة مع حديث النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدينُ النصيحةُ))؛ لنرى كيف كانت سيرةُ الصحابة والسلف الصالح زاخرةً فيَّاضة بالنصح للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا غَرْوَ بعدَئذٍ أن يفتح الله لهم الدنيا في بضعة عقود من الزمان، وتدين لهم مشارق الأرض ومغاربها، حتى بلغ الأمر بآبائنا الأولين أن يخاطب أحدُهم سحابةً تمر في الأفق فيقول لها: "أمطري هنا، أو أمطري حيث شئتِ، فسيأتيني خَرَاجُك حيثما أمطرتِ".
 
ومن تلك الأمثلة التي نضربها هنا من حياتهم - وهي غيضٌ من فيض، وقَطْرٌ من بحر - والتي سجَّلتها كتب التاريخ والسيرة، والتي هي أحرى وأجدر أن تُسطَّر في صحائفَ من دُرٍّ وياقوت، وتُقيَّد في دواوين المجد والفخار، والتي سيشعر كلُّ مسلم بعد أن نُذكِّرَه بها أن قامته تكاد تطاول النجوم رفعة، وأنه حقيق أن يسير شامخًا يُباهي النجوم؛ لانتسابه إلى هذا الدين، وإلى هؤلاء الآباء والأجداد، والتي نرجو أن يكون في ذِكرها دافعٌ وحادٍ له أن يبذل وسعَه؛ لاستعادة هذا المجد الداثر، والعز الغابر، والشرف التليد.
 
فهيا نفتتح هذا السجل الرائع من تاريخنا العريق، الذي غفلنا عنه كثيرًا، أو تغافلنا، وأول الصفحات التي يقع عليها النظرُ ترى فيها بارزًا اسم أول المؤمنين بدعوة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - والتي لا يكفينا في مواقفه المشهودة والمحمودة في الإسلام والنصح لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مئاتُ الصفحات، فبأيِّ مواقفه نبدأ؟! وأيَّ نصح نختارُ لنذكره هنا؟! ولم يكن شيء من حياة أبي بكر إلا وأنت تلمس فيه خالص النصح لله ولكتابه ولرسوله     - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين، من أول يوم دخل فيه الإسلام، حيث كان أوَّلَ مَن آمن وآزر النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بنفسه وكلِّ ماله، وكلِّ ما أمكنه، ودعا بدعوته، واحتمل الأذى الشديد دفاعًا عنه، وحرصًا عليه، وفداه بنفسه في كل موقف وخطر، وهو أكثر الناس حبًّا له، وملازمة لشخصه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأفضلُهم صحبةً، وأفهمُهم لرسالته، وأعظمُهم تضحية، وأفضلُ مَن خلَفه بعد وفاته، وسدَّ أبواب الفتن، ولم يزل ناصحًا حتى آخر لحظات وفاته حين اختار للأمة عمرَ بن الخطاب خليفةً من بعده.
 
كم هو صعب أن نختار لأبي بكر - رضي الله عنه - موقفًا واحدًا مِن بين مواقفه الكثيرة التي نصح فيها للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي لم تكن حياتُه كلُّها بعد إسلامه إلَّا نصحًا للإسلام وللنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
ومع هذا؛ فإني أنتقي لكم هذا الموقفَ الرائع مِن نصح أبي بكر - رضي الله عنه - لحبيبه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد وفاته، وذلك أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان قبل وفاته قد انتدب أسامةَ بن زيد - رضي الله عنه - لقيادة جيش من المسلمين؛ لتأديب الروم على حدود الشام، وأوصى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو على فراش الموت بإنفاذ بعْث أسامة، ويورد لنا الطبريُّ هذا الموقفَ في "تاريخه"[1]، فيذكر:
"عن الحسن بن أبي الحسن البصري، قال: ضرب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل وفاته بعثًا على أهل المدينة ومَن حولهم، وفيهم عمرُ بن الخطاب، وأمَّر عليهم أسامةَ بن زيد، فلم يجاوز آخرُهم الخندقَ حتى قُبِض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله، فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس؛ فإن معي وجوه الناس، ولا آمَنُ على خليفة رسول الله، وثقل رسول الله، وأثقال المسلمين أن يتخطَّفهم المشركون.
 
وقالت الأنصار: فإن أبى إلَّا أن نمضي، فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولِّيَ أمرنا رجلًا أقدم سنًّا من أسامة، فخرج عمر بأمر أسامة، وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أَرُدَّ قضاءً قَضَى به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فإن الأنصار أمروني أنْ أُبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرَهم رجلًا أقدم سنًّا من أسامة، فوثب أبو بكر - وكان جالسًا - فأخذ بلحية عمر، فقال له: "ثَكلَتْكَ أمُّكَ وعدمتك يا بنَ الخطاب؛ استَعْمَلَه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتأمرُني أن أنزعه؟!"، فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعتَ؟ فقال: "امضوا، ثَكلَتْكُم أمهاتُكم، ما لقيت في سَبَبِكم من خليفة رسول الله"، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم، فأشخصهم وشيَّعهم، وهو ماشٍ وأسامة راكبٌ، وعبدالرحمن بنُ عوف يقود دابَّة أبي بكر، فقال له أسامة: يا خليفةَ رسول الله، والله لتركبنَّ أو لأنزلنَّ، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علي أن أُغَبِّرَ قدمَيَّ في سبيل الله ساعة؛ فإن للغازي بكلِّ خُطوة يخطوها سَبعَمائة حسنة تكتب له...
حتى إذا انتهى قال: إن رأيتَ أن تعينني بعمر فافعل، فأذن له".
 
ولنا مع هذا الموقف وقفاتٌ وتأملات، لنرى ونتأمَّل محتوياته ونأخذ العبرة:
1- هذا الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - الذي صارت مقاليد الأمور بيده، ورأى كيف ارتدَّ العرب عن الإسلام حول المدينة، ولم يبقَ على الإسلام إلا قلةٌ من أهل المدينة، وطائفة هنا، وأخرى هناك، وصار عليه أن يواجه قبائل العرب، التي انتقضت عليه بالفئة المؤمنة في المدينة، والتي منها جيش أسامة، الذي يضم وجوه الأنصار والمهاجرين، وبعضهم من أكفأ القواد، ويُصرُّ أبو بكر على إنفاذ بعْث أسامة، على الرغم من الأخطار المُحْدِقة ليس بالمدينة فحسب، بل بالإسلام جملة واحدة.
 
2- أسامة بن زيد القائد - رضي الله عنه - يدرك تغيُّر الظروف، وتبدُّل الأحوال، وعظم الأخطار، فيقول - لعُمر - رضي الله عنه - الذي كان جنديًّا في جيش أسامة وقتئذٍ - كلامًا يُفهم منه أنه يزيل عن أبي بكر أيَّ حرج في الاعتذار لأسامة عن خروجه قائدًا كما أمر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبيل وفاته، أو حتى خروج الجيش كله لمعركةٍ، يبدو للوهلة الأولى أنها ليست من الأولويات في هذه المرحلة الحرجة من حياة المسلمين.
 
3- عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يحمل طلب الأنصار بالرغبة في إبقاء الجيش؛ مراعاة للظروف الطارئة، أو على الأقل: تغيير هذا القائد حَدَثِ السن بآخرَ أسن ممن خاضوا غمرات الوغى، وحققوا انتصارات مشهودة، وفي الجيش منهم كثير، كلُّ هذا وعمر - رضي الله عنه - لا يُبدي اعتراضًا، وكأنه يوافقهم ضمنيًّا على رأيهم.
 
4- يرى أبو بكر - رضي الله عنه - اختلافَ الأمور عمَّا كانت عليه عندما عَقَد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لواءَ القيادة لأسامة: قبائل متكاثرة ترتد، وأصحاب رسول الله يستصغرون أسامة قائدًا، علمًا بأنهم أثاروا هذه المسألة في حياة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعن عبدِ الله بنِ عُمرَ - رضي اللَّه عنهما - قال: بَعَثَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَعْثًا وأَمَّر عليهم أسامةَ بْنَ زيدٍ، فطَعَن بعضُ الناسِ في إمارتِه، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ تطعُنُوا في إمارتِه، فقد كنتم تَطْعُنُون في إمارة أبيه من قبلُ، وايمُ اللَّه، إن كان لَخَليقًا للإمارةِ، وإنْ كان لمِن أحبِّ الناس إليَّ، وإنَّ هذا لمِن أحبِّ النَّاس إليَّ بعدَه))؛ رواه البخاري، وعمر الفاروق - رضي الله عنه - يبلغ أبا بكر - رضي الله عنه - طلبَ الأنصار عزلَ أسامة دون إنكار منه لقولهم، فمَن بقي لتسْتَنِدَ عليه يا أبا بكر في قرارك الخطير بإنفاذ بعث أسامة؟
 
5- الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - ما أنْ يسمع رسالة أسامة إليه مع عمر - رضي الله عنه - حتى يرفضها؛ معللًا الأمرَ بأنه تنفيذ لأمرٍ قضاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكفى به سببًا، ولا يمكن لأبي بكر أن يعصي أبا القاسم حيًّا أو ميتًا، ولو تخطَّفتْه الذئاب والطير، فالعجب أشد العجب ممن يعصي النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أهون الأمور، وهو في تمام القدرة على طاعته، ثم نتساءل في حيرة: لماذا تأخَّر المسلمون، وانحطَّتْ مكانتهم؟!
 
6- الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - ما زال يسمع عمر - رضي الله عنه - ولكنَّ عمر - رضي الله عنه - ما زالت لديه رسالةٌ أخرى، ظنَّ أنها ستكون أهونَ على أبي بكر - رضي الله عنه - حيث إنها تتيح لأبي بكر - رضي الله عنه - أن ينفذ جيش أسامة كما يُصِرُّ، ويكون قد حقق أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكنْ بقائد غير أسامة الشاب، حَدَث السن، ولكنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - يُظهر الغضبَ والحزم لعمر - رضي الله عنه - غير مبالٍ بتأويلات الآخرين، أو بأيِّ شيء إلَّا النصح للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائلًا في حسم لا مجال لحديث بعده: "ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب؛ استعمله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتأمرني أن أنزعه؟!".
 
ثم إن أبا بكر - رضي الله عنه - بعد ذلك لا يمنُّ على أسامة؛ بل يعامله كقائد وضعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على رأس الجيش، ويستأذن منه في استبقاء عمر - رضي الله عنه - ليكون أبو بكر قدوةً لغيره من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جيش أسامة في أدب التعامل مع القائد، والتقدير والاحترام لمَن ولَّاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن كان حدَث السِّن.
 
فلله درُّك يا أبا بكر! كم نصحت لحبيبك النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم! وكم كنت نبراسًا يضيء لنا طريق الثبات على درب المصطفى- صلَّى الله عليه وسلَّم! حيث كان الخير كل الخير، والصوابُ كل الصوابِ في اختيارك وقرارك، وحصدتِ الأمةُ ببركة تمام وكمال اتباعك للمصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسمى مكانة، وأعزَّ منزلة، فانتصرتِ الجيوش التي خرجت لقتال المرتدين، وحقَّق أسامة نصرًا مبينًا يغيظ الكافرين، ويُثْبتُ أن هذا الدين لا ينتصر إلا بحسن الاتِّباع لخير المرسلين.
 
ومن المواقف الأخرى التي يتجلى فيها النصح للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: موقف أم سلمة يوم الحديبية؛ فقد روى البخاري في "صحيحه" من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: "فلمَّا فَرَغ من قضيَّةِ الكِتَاب، قال رسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأصحابه: ((قوموا فانْحروا، ثمَّ احْلِقوا))، قال: فـوالله ما قام منهم رجُلٌ، حتَّى قال ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فلما لم يقُمْ منهم أحدٌ، دَخل على أُمِّ سَلَمةَ فذَكر لها ما لَقِيَ من الناس، فقالتْ أُمُّ سَلمةَ: يا نَبيَّ الله، أتحِبُّ ذلك؟ اخْرجْ ثُمَّ لا تُكلِّمْ أحدًا منهم كلمةً حتَّى تنْحرَ بدنَكَ، وتدعوَ حَالقَك فيَحْلِقك، فخرج فلم يُكلِّم أحدًا منهم حتى فَعَلَ ذلك، نَحَرَ بدنَه، ودعا حالقَه، فحَلَقَه، فلمَّا رأوْا ذلك قاموا فنَحرُوا، وجعلَ بعضُهم يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كاد بعضُهم يقتلُ بعضًا غمًّا".
 
فأنقذ الله ببركة نصحها المسلمين من سوء عاقبة مخالفة أمر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأزاحت عن كاهل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - همًّا وغمًّا، كاد أن يَؤُودَه احتمالهُما، وينوء بثقلهما، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا وفخرًا لأُمِّنا أم سلمة - رضي الله عنها.
 
ومنها موقف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - يوم الهجرة، والصحابي الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - في غزوة بدر، وسَلمَان الفارسي - رضي الله عنه - في غزوة الخندق، والصحابية أم عِمَارة - رضي الله عنها - يوم غزوة أحد.
 
وما أكثرَ هذه المواقفَ وأغزرَها في سيرة سلفنا الصالحين! الذين نحن أحوج ما نكون إلى تلمُّس خطاهم، والسير على دربهم؛ لنستحق أن نكون أبناء بررة لهذا الجيل الرباني، الذي تزين بحسن الاقتداء، فتجلتْ على يديه آيات الخير والنصر والعزة.
 
وإني لأحسب أن أقل ما يمكن أن نقوم به نصحًا لنبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نحبَّه الحبَّ الذي يليق به، ويدفع إلى التضحية من أجل دينه والعمل بسنته، ولا بد لذلك من أن نُحسن معرفته، بأن نقرأ سيرته وسيرة أصحابه إن لم نقدر على حفظها، وأن نكثر من الصلاة عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونسعى لنشر سننه وآدابه وأخلاقه، بالأفعال قبل الأقوال، وبحسن الاقتداء به قبل إزجاء الأوامر والنواهي للآخرين، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.



[1] ذكر هذا الخبر أيضًا: الطبري في "تاريخ الأمم والملوك"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، ولكن برواية أخصر من هاهنا.

شارك المقال

ساهم - قرآن ٣